لم يضيع لياس الفخفاخ رئيس الحكومة المكلف من طرف رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة الجديدة الكثير من الوقت بعد تسلمه رسالة التكليف حتى أعلن عن توجهاته السياسية للمرحلة المقبلة وكشف عن خطته الحكومية ولون فريقه السياسي . فبعد استقباله لأهم الكتل والأحزاب السياسية للتباحث معها حول الخطوط العريضة لخياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى اتضحت ملامح الحزام السياسي الذي من المنتظر أن يسند الحكومة الجديدة بعد أن كشف لياس الفخفاخ في الندوة الصحفية التي أقامها بعد لقاءات أجراها مع رؤساء الأحزاب عن عزمه تكوين الحكومة من الأحزاب التي تمثل خيار الشعب وإرادته للتغيير وتجسد أفكار وخيارات قيس سعيد رئيس الجمهورية بعد أن قرر إبعاد كل من حزب قلب تونس وحزب الدستوري الحر من التشكيل الحكومي باعتبارهما لا يمثلان نبض الشارع الذي قرر في الانتخابات الأخيرة استئناف مسيرة الثورة واستكمال أهدافها التي تم الحياد بها عن نهجها الصحيح وباعتبارهما يوجدان خارج سياق الثورة وسياق انتظارات الناس التي لم تعد تتحمل المزيد من المهاترات والمعارك السياسية وفي المقابل تطالب بمحاربة حقيقة للفساد وإصلاح كبير للمجتمع وإجراءات عملية وواضحة لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي. فمن خلال الكلمة التي القاها لياس الفخفاخ في الندوة الصحفية التي نظمها يتضح أنه ينوي تكوين حكومة قوية تعكس انتظارات الشعب ويتوفر لها الحزام السياسي اللازم في البرلمان لا لتمريرها والمصادقة عليها فقط ليتم بعد أشهر من تشكلها إسقاطها وإنما الذي يريده هو حكومة سياسية يتوفر لها مناخ اجتماعي وسياسي هادئ للعمل ويسندها حزام سياسي تشكله الأحزاب القوية التي تنخرط في برنامجها داخل البرلمان وخارجه بما يعني أن الفخفاخ يريد حكومة مستقرة ودائمة حتى تقدر أن تحقق برنامجها وحتى يشعر الشعب بأن شيئا بدأ يتغير في حياته وهذا لا يتحقق إلا من خلال هدنة اجتماعية تتقلص فيها حدة الاحتجاجات الاجتماعية والاعتصامات المطلبية وتتوقف فيها المعارك السياسية التي انهكت الأحزاب وجعلت الشعب ينظر للسياسيين نظرة محتقرة وسلبية. المشكل اليوم والذي تحول إلى موضوع جدل ومجال نقاش هو القرار الذي اتخذه لياس الفخفاخ بعدم تشريكه حزب الدستوري الحر وإبعاد حزب قلب تونس وحصر تشكيل الحكومة في الأحزاب التي كانت هي نفسها التي تدور حولها حكومة الحبيب الجملي والتي لم تحظ بموافقة البرلمان ونعني بها حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وائتلاف الكرامة فهذه الأحزاب هي نفسها التي التقى بها لياس الفخفاخ والتي ينوي تشكيل حكومته منها وجعلها حزامه السياسي والإشكال في هذا التمشي وهذا الخيار هو أنه اذا كان مفهوما استثناؤه تشريك الدستوري الحر من الفريق الحكومي لكون هذا الحزب قد أقصى نفسه بنفسه ولكونه حزبا يغرد خارج السرب وما زال يعيش في زمن ما قبل الثورة ولكونه قد اتضح من خلال سلوكه السياسي أن هدفه تخريب مسار الانتقال الديمقراطي لا غير فإن حزب نبيل القروي قلب تونس هو حزب له وزنه في البرلمان وهو يمثل الكتلة الحزبية الثانية من حيث العدد وهو حزب يريد أن يحكم وأن يشارك في الحكومة وإبعاده من دائرة الحكم قد يسبب مشاكل كبيرة و يمنع الفخفاخ من تشكيل حكومة مستقرة وبحزام سياسي كبير . وهذا الاختيار الذي حصر فيه لياس الفخفاخ نفسه قد فهمه البعض على أنه يمثل تناقضا في رؤية رئيس الحكومة المكلف من حيث أنه من جهة يريد حكومة مستقرة وبحزام سياسي كبير ويتوفر لها قدر لا بأس من الدعم السياسي والحزبي والشعبي ومن جهة أخرى يتخلى ويقصي الكتلة الثانية التي لا يختلف معها في الأفكار التقدمية التي يحملها والخيارات الاجتماعية التي صرح بها والمعروفة عنه ؟ وفي مقابل هذه النظرة هناك من حبذ هذا التمشي الذي سار عليه الفخفاض بتخليه عن قلب تونس واعتبر هذا التخلي فرزا سياسيا ضروريا وليس إقصاء وحسب هذا الرأي فإن رئيس الحكومة المكلف حسنا فعل حينما كان واضحا في الإعلان عن الطيف السياسي الذي يعتزم التعويل عليه لتشكيل الحكومة وقرر مبكرا القيام بفرز سياسي للأحزاب التي يراها تنسجم مع رهانات المرحلة وخيارات وأهداف رئيس الدولة وبالتالي فإن عدم تشريك قلب تونس لا يفهم منه على أنه اقصاء وإنما هو فرز ضروري حتى يتم تنقية الأحزاب التي تصلح لتكوين حكومة المرحلة من الأحزاب المحسوبة على الفساد أو على المنظومة القديمة التي تنكر الثورة ولا تعترف بها. وبعيدا عن كل هذه التحاليل وهذه الرؤى فإن السؤال المحير اليوم هو: هل ينجح الفخفاخ في تشكيل حكومة تجمع النهضة والتيار الديمقراطيى وحركة الشعب بعد كل الذي حصل بينها من شتائم واتهامات وتخوين أثناء المشاورات التي رافقت تكوين حكومة الحبيب الجملي ؟ وكيف يمكن تكوين حكومة منسجمة ومتضامنة بأحزاب لها رؤى اقتصادية واجتماعية متناقضة ولها مواقف من صندوق النقد الدولى مختلفة أيضا ؟ وفي الأخير هل تقبل حركة النهضة المشاركة في حكومة لياس الفخفاخ بعد أن اتضح أن النية متجهة نحو تقزيمها وتهميشها في التشكيل الحكومي الجديد وبعد أن تأكدت أن مشاركتها في الحكومة من دون قلب تونس هو عزل سياسي وحكومي لها ؟