ما قاله وزير المالية رضا شلغوم خلال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التي التأمت يوم الأربعاء 12 فيفري الجاري بمناسبة مناقشة الاتفاق المالي المزمع إمضاؤه قريبا بين تونس وايطاليا لتوفير اعتمادات معتبرة بقيمة 79 مليون دينار لدعم التعليم في تونس لا يمكن أن يمر مر الكرام كما أن المعطيات التي قدمها في هذه الجلسة بخصوص واقع التربية في علاقة بما تم رصده من قبل الدولة من تمويلات كبيرة لإصلاح التعليم والمدرسة من دون أن تصرف فيما تم الاتفاق عليه يستحق أن نتوقف عندها كثيرا . فماذا قال هذا الوزير بخصوص حال التعليم في بلادنا ؟ ولماذا هذه المعطيات هي مهمة إلى هذه الدرجة التي ألمحنا إليها ؟ إن أول المعطيات التي كشف عنها السيد رضا شلغوم هي أن الدولة التونسية قد خصصت ضمن ميزانية 2019 ما يناهز 1800 مليون دينار من أجل تطوير التربية والتعليم غير أن هذا المبلغ لم يصرف منه شيء نتيجة عوائق إدارية وصعوبات في التنفيذ وأضاف بأن وزارة المالية قد رصدت وجود موارد مالية بقيمة 346 مليون دينار تم تخصيصها لبرنامج تدعيم أسس التعليم لم تصرف هي الأخرى إلى يوم الناس هذا وأن مبلغ قدره 500 مليون دينار وضع على ذمة برنامج دعم وإصلاح المنظومة التربوية هو الآخر لم يصرف إلى الآن وأن الدولة قد خصصت ما قيمته 145 مليون دينار ضمن ميزانية 2019 للقيام بالصيانة اللازمة لقطاع التعليم لم يصرف ولم يقع استعماله بالكامل . وأنهى السيد وزير المالية مداخلته حول الاعتمادات المرصودة لقطاعي التربية والتعليم ضمن ميزانية 2019 و 2020 بالتنبيه إلى أن كل التقارير الدولية و منها تقارير صندوق النقد الدولي قد نوهت بالاهتمام الذي يلقاه قطاع التعليم من طرف الحكومة التونسية من حيث توفير الاعتمادات المالية ورصد الميزانيات لهذا القطاع و التي لم تشهد تراجعا ولا تقلصا من مبالغها بل على العكس فإن هذه التقارير قد أشارت إلى الحرص الكبير للدولة التونسية في الترفيع في هذه الاعتمادات من سنة إلى أخرى رغم الصعوبات الكبيرة التي تمر بها المالية العمومية التونسية . فماذا يعني هذا الكلام الذي صدر عن وزير المالية بخصوص أموال رصدت لفائدة وزارة التربية غير أنها لم تصرف في أوجهها ؟ ولماذا ما قدمه السيد رضا شلغوم من معطيات حول الأموال المرصودة لهذا القطاع تكتسي أهمية بالغة ؟ ما يمكن استنتاجه من خلال المعطيات التي أتينا عليها والتي قدمها وزير المالية السيد رضا شلغوم هو أن هناك حقيقة لا بد اليوم من إبرازها بكل وضوح وهي أنه على خلاف ما يروج ليس صحيحا أن الدولة التونسية يعوزها المال اللازم لإصلاح التعليم وأن الحكومات عاجزة وغير قادرة على الاصلاح بسبب قلة الموارد وضعف الميزانيات والحال أن هذا التصريح الأخير من وزير المالية بخصوص الاعتمادات المرصودة لقطاع التربية والتعليم والتي لم تنفق في أبوابها المخصصة لها تؤكد بأن الدولة التونسية قد وفرت ما يلزم من نفقات وأموال ولكن القائمين على الوزارة ر لم يقوموا بواجبهم وتخلفوا عن ممارسة الصلاحيات الممنوحة لهم وقس على وزارة التربية باقي الوزارات التي تخصص لها الدولة الإعتمادات اللازمة غير ان القائمين على هذه الوزارات لا يحسنون التدبير ولا التسيير لتبقى الأموال في خزينة الدولة ولا تنفق في صروفها المبرمجة لها ومن هذه الوزارات الحساسة التي تحظى بدعم مالي كبير غير أنه لا يظهر للعيان ما تخصصه الدولة لوزارة الصحة لشراء الأدوية والمعدات الطبية وما يلزم للتعهد بالصيانة اللازمة غير أن هذه الأموال المرصودة لم تجد الوزير الكفء لصرفها في أوجهها المبرمجة. الاستنتاج الثاني هو أن الدولة تعاني منذ الثورة من مشكلة كبرى تعيق السير العادي للعمل في الوزارات وهذه المشكلة يمكن أن نسميها بالخلل الوظيفي بما يعني أن الادارة التونسية تعيش اليوم على وقع خلل في القيام بالواجب الاداري والواجب الوظيفي ونعني به الخوف أو الرهبة التي أصبحت عند كل المسؤولين من التصرف بكل تلقائية وبشكل طبيعي لتسيير المنشأة العمومية والامتناع عن إمضاء أي وثيقة تحتوي على صرف اعتمادات او نفقات لازمة لعملية الاصلاح أو يحتاجها السير العادي للعمل وهذا ينتج عنه بالضرورة تراجع مردوية المؤسسة وتراجع الخدمات في الوزارات وهذا كذلك ما يفسر كيف أن الوزراء قد اصبحوا يخافون من المساءلة القضائية ومن التتبعات العدلية ويخشون من اتهامهم بالفساد بعد أن رفعت عنهم الحصانة الادارية التي كانت متوفرة لهم من قبل بما يجعلهم يتراخون في صرف الاعتمادات المخصصة لوزاراتهم ولسان حالهم يقول لماذا علينا أن نصرف ما خصص لنا في الميزانية لنجد أنفسنا بعد فترة محل مساءلة واتهام بالفساد ؟. وهذا الواقع الذي وصفناه بالمختنق والمكبل المؤدي إلى وقوع الشلل التام للعمل الحكومي هو نتيجة هذا الخلل الوظيفي الذي ينتاب العمل الوزاري والعمل الاداري والذي يجعل من البلاد لا تتقدم ويجعل من القطاعات لا يتحسن حالها ويزداد تدهورها وتتراجع الخدمات فيها ليكون الانطباع العام بأن لا شيء يسير في طريقه الصحيح وبأن لا شيء من الاصلاح قد تحقق وبأن من جاء للحكم بعد الثورة لم يفعل شيئا وبأن الدولة فقيرة وهي عاجزة عن توفير الاعتمادات اللازمة والحال أن الدولة قد وفرت لكل قطاع ما يلزمه من أموال لحسن تسيير العمل فيه غير أن هذه الاعتمادات لا تصرف في وقتها أو لا تصرف بتاتا جراء هذا الخلل الوظيفي وهذا الخوف من المساءلة القضائية الذي اتضح بعد تصريح وزبر المالية أنه هو ما يكبل ويخنق العمل الحكومي.