في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات من أجل أن يتجند الجميع في محاربة انتشار فيروس كورونا وفي الوقت الذي تتواصل فيه مجهودات وزارة الصحة وأصحاب السترات الصفراء لإدارة الأزمة الوبائية التي فرضت على البلاد و تقديم كل المعلومات والمعطيات الطبية وتوعية الناس بضرورة الالتزام بالحجر الصحي .. وفي الوقت الذي توقفت فيه الحركة والنشاط في كامل البلاد بالكلية وفي الوقت الذي أغلقت فيه غالبية المصانع والمؤسسات الصناعية والمؤسسات العمومية والمقاهي والمطاعم والنزل أبوابها وغير ذلك من الفضاءات التجارية الكبرى .. وفي الوقت الذي ألغيت فيه كل الأنشطة الرياضية والثقافية والفنيةوأجلت إلى وقت غير محدد وإغلاق الكثير من الأسواقالأسبوعية .. وفي الوقت الذي طالبت فيه الحكومة الشعب بالتضحية بالبعض من حرياتهم وحقوقهم من أجل التقليل من انتشار الوباء حتى تتمكن من محاصرة المصابين بالعدوى .. تخرج علينا وزيرة الثقافة ببروتوكول كانت قد أعدته خصيصا من أجل استئناف تصوير المسلسلات المسماة " رمضانية " في قترة الحجر الصحي وهو الإجراء الذي أقلق حفيظة الكثير من التونسيين الذين رأوا فيه مخالفة صريحة للإجراءات العامة التي اتخذتها الحكومة بضرورة إيقاف كل الأنشطة وإيقاف كل الأعمال والإمتناع عن التجمع والتجمهر ومع هذا القلق بدأت الكثير من الأسئلة تطرح في علاقة بعدم الالتزام بقرار الحجر الصحي وأسئلة أخرى حول السبب الذي يجعل قطاعا من القطاعات يخرج عن الانضباط و لا يلتزم بما إلتزمت به قطاعات أخرى . حاولت وزيرة الثقافة تبرير هذا الإجراء القاضي باستئناف تصوير الأعمال الدرامية المخصصة لشهر رمضان بكون هذا القرار يخص فقط الأعمال التي انطلق انجازها ولم يبق لإكمالها إلا بعض أيام تصوير قليلة وهو إجراء يأتي في محاولة لتسلية الناس في أيام الحجر الصحي و إدخال جانب من الترفيه على الجمهور في شهر رمضان بعد أن تلقت الوزارة مطالب من أصحاب القطاع الخاص في ذلك وحتى يجد المواطن ما تعود عليه من أعمال تلفزية في مثل هذا الشهر وأضافت القول بأن هذا القرار قد اتخذ بالتنسيق مع الحكومة ومع وزارة الصحة وبعد إلتزام أصحاب هذه الأعمال بتطبيق إجراءات الوقاية والصحة المفروضة لضمان عدم انتقال الوباء. ولكن إذا كان الظرف الذي نمر به لا يسمح بفتح نقاش حول قيمة هذه الأعمال الدرامية التي لا تنتج إلا في شهر رمضان فقط ونقاش آخر حول من يقف وراءها وحول فكرة تلفزيون الواقع الذي تندرج ضمنه هذه الأعمال وغاياته كما أن الحال غير ملائم كذلك للدخول في جدال و نقاش حول أيهما أسبق الصحة أم الثقافة ؟ وهل أن الصحة يمكن أن تعوضها الثقافة من حيث القيمة أم أن الثقافة يمكن أن تحتل مرتبة الأولية على الصحة ؟ وهل يمكن الاستغناء عن واحدة لفائدة الآخرى ؟ كما أن الظرف ليس ظرف المقولات التي تعودنا على استعمالها لتعويم المواضيع والقضايا والتحكم في عقول الناس من قبيل " بالفن نحارب الكورونا " فمثل هذا الشعار لا قيمة له الآن لكوننا لسنا في وضعية المفاضلة بين الصحة والثقافة وبسبب أن مثل هذه الشعارات لا قيمة لها اليوم أمام وباء قد أعلن الحرب العلمية على كامل البشرية وهزم الذكاء البشري وأدخل الكرة الأرضية في حالة من الإرباك والعجز عن هزمه وإيقاف تقدمه وبسبب أن الحرب على هذا الوباء تتطلب رؤية واحدة وإستراتيجية واضحة يلتزم بها الجميع دون استثناء. إذا كان الحال لا يسمح بذلك فإنه مانع من القول بأن القضية ليست كما قدمتها السيدة وزيرة الثقافة على أنه يسمحللقطاع الخاص وحتى العام من استئناف تصوير وإنتاج الأعمال الدرامية لرمضان هذا العام في أيام الحجر الصحي ومع تواصل انتشار الوباء مادامت تكاليف انتاج هذه الأعمال ليست من المال العام وإنما هي من أموال الشركات الخاصة وطالما أن نفقات هذه الأعمال هي من الاشهار التجاري وإنما القضية يا سيدتي أن العالم اليوم في حرب شاملة ضد هذا الوباء وأن تونس ليست خارج هذه الحرب ولا بمعزل عنها وأن كل إمكانيات العالم وهياكله مسخرة لمحاربته وأن الدول التي نجحت في منع تقدمه وانتشاره وإنهاء الحجر الصحي هي الدول التي سخرت كل إمكانياتها المادية والمعنوية من أجل تطويق هذه الجائحة وهذا يعني أنه في وقت الحروب وفي زمن الجوائح والأوبئة الخطيرة فإن التفكير لا يكون إلا جماعيا والخلاص كذلك وبالتالي لا جدوى في هذه الأوقات من تحرك كل وزارة على حدةولا التفكير وفق ميزانية كل وزارة بمفردها ولا التصرف بمنطق الاستثناء ففي مثل هذه الأوقات فإن الانتصار على هذه الأزمة الوبائية يتطلب أن تتجمع كل القوىو أن يلتزم الجميع بنفس الاجراءات وأن يتقيد الكل بنفس القرارات وأن التعليمات التي تتخذها القيادة والجهة المكلفة بإدارة الأزمة يجب أن تطبق وتسري على الجميع دون استثناء والجهة الوحيدة المخولة لإعلان رفع الحجر الصحي والعودة إلى الحياة العادية والنشاط الطبيعي هي الجهة الطبية المكلفة بإدارة الأزمة. وطالما أن كل القطاعات هي اليوم معنية بالحجر الصحي وطالما أن الجميع ملزم بإجراءات البعد الإجتماعي فلا داعي من منح القطاع الخاص في مجال الإنتاج الدرامي من رخصة واستثناء لكسر الحجر والخروج عن قاعدة الالتزام الجماعي وإلا لكان من حق الفرق الرياضية أنتطالب بإكمال الموسم الرياضي طالما يمكن تأمين هذه المباريات صحيا وأن يطالب رواد المساجد بفتح الجوامع للصلاة مع الالتزام بإجراءات البعد الإجتماعي من وضع الكمامات واحترام مسافة متر أو متر ونصف وعدم المصافحة والتسليم وإذا سمحنا لأهل الفن من استثناء للعمل والنشاط فما المانع من منح أصحاب المهن الصغرى وأرباب المصانع والشركات وقطاع الرياضة ورواد المساجد والعاملين في القطاع الفلاحي من رخصة لإنهاء فترة الحجر مع إلتزامهم بالتقيد بكل الإجراءات الطبية والصحية المطلوبة . وإذا منحنا استثناءات للخطة الوقائية التي تتبعها البلاد في هذه الجائحة لأي جهة كانت فإننا نكون أمام رؤية ساذجة وتفكير سطحي لأنه في مثل هذا الظرف الصعب يجب أن تتحد كل القوى الفاعلة وكل الجهات حول خطة واحدة وقيادة واحدة لإنقاذ البلاد فالحل يا سيدتي الوزيرة لا يكون إلا جماعيا ودون ذلك نكون أمام تصرف عبثي خطير وحينهانجد الكثير من الناس يطالبون أن تعاملهم الدولة بمثل ما عومل به أصحاب القنوات الخاصة.