ثلاثة اشهر هي المدة الزمنية التي اعطتها لتونس وكالة التصنيف "موديز"، التي ابقتها في مستوى ب2، مع التلويح بالتخفيض، وفي الفترة المتاحة تترقب ان يكون تقييم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد تحسن الى الافضل، تلك ليست هي مشيئة من تقلد الحكم ثانية، ولم يكن اهلا له، وغابت عليه ما يطلبه من تضحية، لخدمة الغير، وجعل، لعدم نضجه وخبرته، واملاءات حزبه، من الثورة التي هي ملك الشعب، والتي مكنته من سدة الحكم، والتي غيروا مجراها لتصبح ثروة لأولي الامر منهم، ولأحزابهم، وان لم يكن ذلك كذلك فلماذا رفض التصريح علانية بالمكاسب؟ و بعدد المستشارين، ومستواهم المعرفي؟ وبجراياتهم الخفية ان وجدت، وامتيازاتهم العينية؟ وكذلك بجنسياتهم المكتسبة، حتى ولو كانت شرعية؟ ان السؤال الذي يبقى مطروحا ماهي كلفة الحكومات التي تعاقبت على الحكم؟ وما هي انجازاتها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي؟ و لم يحن الوقت لمحاسبة هؤلاء، لأننا اليوم في حالة حرب، تستدعي الانضباط والتضامن من اجل تونس، فلا التصريحات المتضاربة للمسؤولين ولا تصرفاتهم الغير مركزة، تنهونا بالطلب بحقيقة الوضع ولو حاولوا افتكاك مكسب الثورة وهو حرية الاعلام اجمع كل الناس ان وباء كوفيد- 19 تفشى ولا احد يعرف حقيقة الوضع في بلادنا، فمن المسؤول عن مراقبته؟ و من اين تأتي المعلومة الصحيحة؟ ولماذا لم نحاول التعرف على التجربة الأوروبية في التعاطي مع هذه الجائحة وما تم اتخاذه من إجراءات وقائية، وما تم وضعه من سياسات وبائية للخروج من هذه الأزمة، التي دمرت كل العالم، بأقل أضرار ممكنة، وتحديدا الحالة الفرنسية، وهي القريبة منا على جميع الاصعدة، اذ اقتصادنا رهينة نمو اقتصادها، ولنذكر بان اول من استعمل كلمة حرب هو الرئيس الفرنسي، ليبرز الخطر الذي تواجهه بلاده، تلك الدولة العظمى والغنية، التي اخذت حكومتها الوباء بجدية، و وجهت كل امكانياتها للحد منه، فأعدت تنظيما محكما لمواجهته، يقود الحرب رئيس الدولة نفسه، لبيان الخطة المدروسة والمقترحة من توصيات مجلسين علميين، متكونين من اثنتي عشر عضوا، كل منهما، من خيرة الخبراء، ذاع سيتهم في اختصاصاتهم في انحاء العالم، وفي ميدان الفيروس خاصة، وهم اطباء ورؤساء اقسام، واساتذة جامعيون في علم الاجتماع، وباحثون في علم الرياضيات، مهمتهم تنحصر في مساعدة الحكومة على تقديم اختيار واضح، ومركز من الناحية العلمية، اما مسؤولية اتخاذ القرار فترجع لأهل السياسة لا غير، وقد بادر رئيس الوزراء في بداية أفريل باختيار مسؤولا كبيرا حوله عشرة اشخاص، يتصل بكل الوزراء الواحد تلو الاخر، في مقر الوزارة الاولى، وهو مكلف بتقديم استراتيجية تفكيك الحجر الصحي، المقرر ل11 ماي، ولأهمية المهمة وقع تلقيبه بنائب رئيس الوزراء والسؤال المطروح أين نحن من هذا التنظيم والمراقبة؟ تكاثر عندنا، كالعادة المحللون والعارفون بكل الخفايا، وتونس بلاد الارقام الخفية المفبركة لأنها، كما تعودنا عليه، اصبحت بلادنا منذ الثورة بلاد العجائب والغرائب، اذ تكاثر فيها عدد المتطفلين في كل ميادين الحياة، و في من يدعون بالحلول، وغالبهم لا يملك القدرة على التحليل، لعدم تأهله نتيجة مستوى علمي بسيط، غير معلن عنه، وتجربتهم لا قيمة لها، وان تعاطى بعضهم الكتابة لموهبة القلم، وكان من الاجدر توظيفها في مهنتهم للارتقاء الى المناصب عن جدارة، ومن الغريب ان هؤلاء يجدون في الصحافة الالكترونية مجالا للتدجيل والظهور بانهم من المبدعين، ولو التجانا للنظر في مساراتهم لوجدناها دون المستوى المطلوب، في المهمة التي كلفوا بها، وتصرفوا فيها بدون رقيب، لان النظام وفر لهم تلك الميزة، لانهم من اقرباء سلطة النفوذ، تحصلوا على الرتب بدون ان يكونوا أهلا لها، لانهم ينتمون الى حزب مسيطر، اتى به قانون انتخاب وضع خصيصا له، مبشر بما لا يفعل، والتجربة في الحكم بينت ذلك بوضوح، ولمن خذلتهم المسؤولية، وانهكهم التملق، واغتنموا الثورة لتبييض اعمالهم، وكل أصبح سياسيا، له القول الفصل حتى من المستشارين، الذين تناسوا دورهم العمل بصمت ونزاهة واخلاقية و لنذكر و التاريخ لا يرحم، انه بعد عناء طويل من الاخذ والرد، طال اشهر، انبثقت حكومة احزاب ضعيفة المستوى، بكل الموازين، تدعمها اغلبية في مجلس نواب الشعب تنقص اغلبهم النظرة المستقبلية، وابتكار الحلول لممارسة مراقبة الحكومة، والتعرض الى النقص في الدستور الذي اجمع على سد قصوره، وملائمته للواقع، بعد ان جرب منذ سنوات، فحدث على تطويره ولا حرج، والرجوع الى الشعب بعد انتهاء محنة الوباء، لحله يكون الافضل، والحد من تفاهة الكلام، واختلاط النابل بالحابل، وان الخوف كل الخوف، ان يجرنا الجدل العقيم من بعضهم الى ما لا يحمد عقباه، وتصبح بلادنا في مهب الرياح من اجل من لا يفقهون، لبث البلبلة ووضع الوحدة الوطنية في خطر لانهم غير واعين، انهم اتوا لتدمير الحياة السياسة، والمسؤولية يتحملها من ليس له تاريخ يذكر، يخدم في من يموله في خطاه الى اثارة الفوضى، وتلك هي الجريمة بعينها، ورئيس الدولة هو الكفيل باعدة المياه الى مجاريها، وقيادة السفينة الى بر الامان، وزيارته لمثوى المرحوم طاب ثراه بورقيبة له اكثر من دلالة، سنعود اليها بالتحليل لان ذلك هو اليقين، فمن مشمولات الرئيس امكانية طرح اعادة القانون الانتخابي، وايجاد الحلول الملائمة حتى لا يمثل الشعب من لا يستحق، ومن ليس له الكفاءة لذلك، وايضا وضع حد للتطاول على زعماء البلاد، وترك التاريخ وحده الحكم لهم او عليم، كما اكده في خطابه، وليس للذين يدافعون عن زمرة غايتها الاحتماء بالحصانة البرلمانية للإفلات من العدالة، ووضع البلاد صعب للغاية، وشهد شاهد من اهلها، فهذا رئيس الدولة يتطرق الى قضية الاحتكار في مادة السميد، ويتحدث عن تسجيل تجاوزات كبرى في توزيع المساعدات، وتواصل «عربدة» بعض الأطراف داخل أجهزة الدولة، وهذا وزير المالية يؤكد "ان الوضع الاقتصادي الحالي صعب جدا، يتطلب الجرأة وتغيير المسار، وتكاتف كل الجهود والابتعاد عن كل التجاذبات"، وهذه كمائم تشترى في مناقصة بالهاتف، وتمضى خارج الاطار القانوني، يبررها رئيس الوزراء باننا في حالة حرب، وهذا وزير يعتذر ان اخطأ، وهذا حزب يسجل مكتبه السياسي "استمرار الغموض والضبابية في مستوى قيادة البلاد، اذ لم يخرج هذا الاجتماع بشيء محدد، لا من حيث آجال الحجر او من جهة الإجراءات المستوجبة لتطويق تداعيات الازمة على الصعيد الصحي أو الاجتماعي او الاقتصادي أو التربوي"، وهذه هيئة مكافحة الفساد تبين بأرقام تكاد تكون خيالية عدد الملفات حول شبهات الاحتكار، والتلاعب بإجراءات الدعم، والبيع المشروط، وخرق اجراءات الحجر الصحي الذاتي، وكذلك الحجر الصحي الشامل، وكذلك مخالفات الموظفين العموميين المتعلقة بالانحراف بالسلطة، واستغلال النفوذ ...، الى غيرها وكلها تصب في الاقتصاد الموازي،مثلهم مثل سبر الآراء الذي يجب اخضاعه الى قانون ولم تطل المدة وكشف الوباء عن تجلي العيوب، وظهور النقائص، وكشف الحقائق، ولو حاول بعضهم فسخها، والتقصي من مسؤولياتهم فيها، وانتماءاتهم لصناعها، التي اعلنوها بأنفسهم في ظهورهم في وسائل الاعلام، وكان من الاجدر بهم الالتجاء الى الصمت، وتطبيق ما ينادون به "شد دارك" حتى ولو كانوا وزراء وخابوا في المسؤولية من قبل، وهو خير مجال لهم، فكفى البلاد من تحمل اخطاء احزابهم الذين غفلوا على ان العمل الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يفرض نفسه عن العمل السياسي، وان دورهم يتمثل في اعطاء المثل في السلوك، والتضحية في سبيل الغير، وحشد الهمم للظفر بالانتصار على الوباء، ودور المسؤول اساسا لا الالتجاء الى البكاء والتذمر وهي بدعة جديدة لجلب العطف، واخفاء عدم الكفاءة، بل الى المثالية، وما احوجنا اليوم الى قيمنا الاصيلة، حتى يبعث من جديد روح التفاني، والامل في العيش الافضل، لأنه لا يزيد الاطراء او الدفاع عن موقع السلطة، الا غلوا في النفس، وامتدادا لآليات مكرسة للفساد، يكون مصيرها كما عشناه، مسخرا لخدمة سياسة الزور والبهتان والتهريج، وتطلعنا الصحافة بأنواعها هذه الايام، عن اخبار سوء تصرف، في اعلى هرم الدولة، فما هي الحقيقة ياترى؟ وما هو رد المؤسسات الدستورية التي دورها التثبت و المراقبة ؟ هل الوثائق المنشورة حقيقية ام هي مزيفة؟ وفي كلتا الحالتين وجب الصرامة، واحالة مرتكبيها على العدالة، ومصارحة الراي العام في الابان ان بلادنا اليوم في احوج ما تكون عليه من لم الشمل، لان المصلحة تقتضي الرجوع الى تاريخنا وامجاده، والاعتزاز بمسيرتنا، و الاستدلال بزعمائها الابرار الذين ضحوا في سبيل البلاد، وانجزوا فيها الكثير، ولم يروج في عهدهم انهم بذروا اموال الدولة في ما لا يعني، وان قضايا علقت بهم، و من باب المضحك المبكي أن من تحمل مسؤوليات في الدولة، اللجوء الى زعماء الخارج، ولنا في تاريخنا من يضاهيهم، واعترفوا كلهم بالمجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة وبزعامته التاريخية في تحرير تونس، وبالسير بها نحو العزة والكرامة، واثبتت نظافة يده رغم محاولة من امتطى مؤازرة "صاحب التغيير" وخيار المستقبل" وسانده حتى تبين انه منبع الغدر والخداع. * دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد- شغل رئيس ديوان وزيرة الصحة...