اخونا عدنان الشواشي يسال سؤالا من النوع الاستنكاري (الم تكن تونس مطمورة روما؟) واذا كان الجواب معلوما بالضرورة لدى كل التونسيين المتعلمين الا انني احب ان اذكر وان اسال وان اقول لاخينا عدنان الذي يرغب في اعادة مجد تونس في مجال الفلاحة كما اشتهرت بذلك منذ قديم زمان وهل نسيت يا اخي عدنان ان اغلب الشباب التونسي قد هجر وقد ترك وقد زهد في الفلاحة منذ زمان واصبح بحكم انتشار التعليم وسهولة ويسر حصد الشهائد العلمية وخاصة في عهد نظام بن علي يبحث عن الوظائف الادارية ويعتبرها مسمارا في حائط كما يقول السابقون من التونسيين ويجري وراء غيرها من المهن الاخرى التي يراها مريحة ومرتاحة باللهجة العامية ؟ لقد كان شباب الخمسينات والستينات يا اخي عدنان في شبه امية فلما غزا التعليم البورقيبي القرى والأرياف وكثرت الشهائد العلمية نزح الاف الشباب الى المدن الكبرى وخاصة الى العاصمة ليظفروا بالأعمال المريحة العصرية حيث المصانع والادارات وجميع سائل الترفيه والرفاهية ثم ان اغلب الاراضي الفلاحية قد تقلصت ونقص عددها شيئا فشيئا وما زالت الى اليوم في نقصان بعد ان غزاها الاقبال على انشاء البنايات الكبرى كالعمارات والنزل وغيرها من عظيم المنشات... لقد كنت اسير في مدينة اريانة التي اشتهرت بالأراضي الفلاحية والهواء الجبلي النقي منذ سنين ولكنني اليوم وانا اسير فيها لم اعد ارى الا البنايات الشاهقة والمشاريع الصناعية والتجارية والدكاكين المتنوعة العشوائية التي غيرت وجهها من مدينة الورد والبساتين الى مدينة روائح واصوات محركات سيارات وشاحنات المازوط والبنزين...لقد كنت ترى يا اخي عدنان في كل سقيفة من بيوت الأريانية عجلا او عجلان او اكثر مشدودة الى الحائط يتولى صاحبها توفير المرعى لها في اول النهار ثم يعود ليحلبها ويبع لبنها الي من ليس له ابقار وهم قلة في ذلك الزمان اما اليوم فقد انشئت باريانة بيوت وفيلات عصرية ذات طوابق سفلية وعلوية وانتهى وجود وذكر البقر بصفة باتة نهائية وهذه تقريبا اليوم احوال او مستقبل احوال اغلب المناطق الفلاحية التي اصبح ما تبقى من اصحابها الذين ورثوها عن ابائهم اجدادهم يفكرون في ان يقيموا فيها مشاريع صناعية او تجارية او سكنية يعتبرون ويعتقدون انها ستريحهم من اتعاب الفلاحة ومفاجاتها المعروفة من سنين ومنذ قرون...وعليه فاني ارى يا اخي عدنان ان محاولة العودة بعجلة الزمان الى الوراء لتصبح تونس كما كانت تسمى مطمورة روما او تونس الخضراء لا ولن تجدي نفعا ما دام اغلبنا يضعون الفلاحة في اسفل درجات العناية و الاهتمام وان العناية بها تعتبر شبه ثانوية امام العناية بمجلات اخرى فرضتها الحياة العصرية وصيرورة الأيام وما زال اسم ومهنة الفلاح اجتماعيا وثقافيا محل ازدراء مقارنة باسم ومهنة موظف حتى ولو كان في وظيفته يبيع الريح للمراكب او ينش كما يقول التونسيون في الذبان ومن كان في شك مما اقول فليسال اولائك الفلاحين الذين ما زالوا صامدين ومناضلين في مجال الفلاحة واغلبهم مع الأسف من الجيل الماضي القديم ليخبروهم عما تعانيه الفلاحة اليوم من قلة اليد العاملة ومن ارتفاع تكاليف الانتاج ومن مشاكل المياه ومن صعوبات التسويق وغيرها من العراقيل التي قد تجعل التونسيين لا قدر الله يبذلون الذهب والفضة وكل ما يملكون في سبيل الحصول على كيس قمح او كيس شعير او كيس من الدقيق واخيرا رحم الله ذلك الحكيم الذي قال فيمن لم نصفه الهر(وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر).