تعوَّد مُسْلِمُو باريس في سابق الأعصار – ذات المدّ في امتداد دين الإسلام الحنيف – استقبالَ شهر رمضان المُعظم بالبهجة والسرور، وفي غمرة من الحفاوة والحبور، تعبيرًا صادقًا عن شعورهم الفياض بقدومه، وبرهانًا حيّا على مدى استعدادهم له، استعدادًا حميدًا وسعيدًا، على غير ما يكون الشعور، في سائر الشهور، أو بقية المواسم في كل الدّهور. وهذا التّرقبّ الجَلَلُ : يَتمَثَّل في ترَصُّد إعلام الجالية المسلمة كلها بظهور الهلال، وإذا ما ثبت ذلك بعد إعلامه - من طرف الجهة الرسمية المخوَّلة به – يهرع الجميع على الإثر : (رجالا ونساء وشبابا) إلى المساجد: القريبة منها أو البعيدة، لإقامة فريضة العشاء ثم سُنّة التراويح؛ ومن الغد تبدأُ دُور العبادة وبيوت الله المنتشرةُ أينما توجّهتَ أو كنتَ أو سكنتَ، في استقبال الزائرين : من المسلمين والمحسنين، وطائفة وافدة من العلماء، قدموا من دول إسلامية كبلاد المغرب العربي (خاصة) والمشرق (عامة)، ليعلّموا الدين ويفقّهوا في مسائل الأحكام : من حلال أو حرام ... وفي المساء السعيد، تُعدُّ وتُقَامُ موائد الإفطار بما لذ وطاب، لِجُموع الصائمين ، ليأكلوا هنيئا مريئا في جوّ معًا من التّآخي والتقارب والتراحب دون تزاحم : من جنسيات متعددّة وجاليات مختلفة، وغيرهم ممن حضر لصلاة المغرب من سائر الطبقات، فتشعر حينئذ وكأنك في وطن الإسلام دون ريب أو قيد. فما أجملك يا رمضان .. وما أحلاك وما أبهاك في (باريس) المتألّقة بالأنس والأنوار والأذكار .. لكنّ، هذه السّنة بالأخص، قد أهلَّ شهر رمضان على مسلمي باريس غريبًا .. كئيبًا.. على غير عادته المألوفة، بمعنى : أطلّ علينا في وِحشة غير معهودة، والسبب : يعود إلى هذا الحجر الصحّي العام والعالمي على جميع القاطنبن بدون استثناء، تحَسُّبًا من تفشّي وداء كورونا، تَزَامُنًا مع حُلُول الشهر الكريم، وذلك بالتّوقيت الفرنسي : (الجمعة 1 رمضان 1441 ه = 24 أفريل 2020 م). والخلاصة بكل أسف، فإنّ المساجد الكبيرة والصغيرة، العتيقة والجديدة على السّواء، مغلَقة هذه السنة عن بُكرة أبيها، فلا صلاة فريضة .. ولا صلاة تطوّع، مثل سُنّة التّراويح، ولا دروس، ولا مسابقات حفظ القرآن، ولا علم أو تعليم.. فكلّها غدتْ هذا العام، وأيضا غابت معها جميعًا موائد الإفطار المنتظرة، وبالتّالي أصبحت مساجدنا هنا، أعني في العاصمة باريس وضواحيها، وغيرها من سائر المدُن في طول البلاد الفرنسية وعرضها، وهي تُقدّر ب (أربعة آلاف وخمس مائة جامع ومسجد)، مقفَرة من أداء العبادة .. مهجورة من العُبَّاد والرُّوّادِ، في أيام وليالي رمضان المشعة بالأنوار والاًصمار. فلا حول ولا قوّة إلى بالله العليّ العظيم .. وإن لله وإن إليه راجعون