في إطار أسبوع الإعلام الذي تنظمه مؤسسة " روزا لوكسنبورغ " مكتب شمال إفريقيا التأمت ندوة فكرية إلكترونية حول التحديات التي يواجهها الإعلام العربي في ظل الجائحة الوبائية التي تكتسح العالم وفرضت على البشرية محاور اهتمام جديدة ومختلفة وذلك يوم السبت 2 ماي الجاري بمشاركة الكاتبة المصرية بجريدة السفير العربي نهلة الشهال والإعلامي التونسي ثامر المكي عن مدونة نواة. في هذا اللقاء تم التطرق إلى التطورات التي حدثت على الصعيد العالمي من وراء انتشار فيروس كورونا والتي أثرت على كل القطاعات والمجالات وفرضت تغيير الكثير من الأشياء في حياتنا ومنها قطاع الإعلام الذي وجد نفسه معني بدرجة كبيرة بهذه الجائحة عناية لا تقل أهمية مما يقوم به جنود الصف الأول من أصحاب السترات البيضاء وكل الذين عهدت إليهم قيادة وإدارة هذه الأزمة الصحية وفي هذا الإطار طرح السؤال حول مفهوم إعلام القرب في ظل الجائحة وهل وفق الإعلام العربي ومنه الإعلام التونسي في تقديم تغطية إعلامية تستجيب لخطورة الظرف وما يحتاج إليه الناس من معلومات ؟ وهل نجح الإعلام بأنواعه في تقديم أداء مهني يرتقي به إلى إعلام اللحظة من خلال الجهد المطلوب بذله في تقديم المعلومة الصحيحة والمفيدة ؟ وفي الأخير هل فرضت هذه الجائحة على الإعلام إعادة النظر في دوره وتعديل أدائه بالابتعاد عن التوظيف السياسي أو الاصطفاف الحزبي والتحول من أعلام هدام إلى إعلام جمهوري مواطني له مهمة أسياسية وهي إنارة الرأي العام من دون حسابات سياسية أو رهانات حزبية من خلال التوظيف الاعلامي لصالح جهات معلومة ؟ وبمعنى آخر هل شاهدنا خلال مختلف التغطيات الإعلامية عملا مهنيا بعيدا عن الأدلجة وأداء لعب دورا في إنارة الرأي العام من خلال تفكيك المعطيات بخصوص هذا الوباء وتحليل الأرقام التي تقدم حول عدد الإصابات وعدد الوفيات من دون إرباك أو تشويش على العمل الحكومي المنشغل بمواجهة هذه الجائحة وحماية أرواح الناس ؟ من أهم ما قيل في هذه الندوة هو أن السياق الوبائي قد مكن مختلف وسائل الإعلام من خوض تجربة جديدة في الأداء الإعلامي حيث وجدت الكثير من المؤسسات الاعلامية نفسها مجبرة على الإبتعاد عن التوظيف السياسي وخرجت عن قالب الإعلام الموجه الصانع للرأي العام لتتحول إلى وسيلة معرفية لتزويد المواطن بكل المعلومات التي تنتظرها بخصوص انتشار الوباء وتقريب المعلومة بدرجة كبيرة من الحقيقة من دون تلاعب أو تشويه بما يجعله يرتقي إلى مصاف الإعلام الوطني الذي لا يعنيه إلا تحقيق الوعي من خلال نشر المعلومة من مصدرها الصحيح من دون التعويل على إدخال البلبلة أو التوظيف الايديولوجي أو التوظيف الإعلامي للإطاحة بخصم سياسي أو تشويهه . ما تم ملاحظته خلال التغطية الاعلامية للإعلام التونسي في ظل الجائحة أن الكثير من وسائل الاعلام قد توخت سياسية تحريرية ابتعدت بها عن نظرية التهويل والإثارة التي ترمي إلى كسب عدد أكبر من المتابعين وتحقيق أكبر نسبة من المشاهدة أو الاستماع أو المبيعات كما ابتعدت عن سياسة التوظيف واستكمال الحروب الايديولوجية التي لم تستكمل بعد حيث اتضح أن ما كان مطبقا قبل الوباء هو إعلام يعمل لحساب الأيدولوجيا والسياسية والمال. وهذا يعني أنه منذ الإعلان عن فيروس كورونا جائحة وبائية عالمية تهدد كل المجتمعات والدول تحول الكثير من الإعلام إلى إعلام وطني وظهر في صورة مختلفة حيث تم الوقوف على أداء إعلامي مختلف و لعب دورا كبيرا في عضد المجهودات التي تبذلها الحكومات لتخطي هذا الوباء بأقل أضرار في الأرواح حيث لم نر في العموم وفي الغالب تغطية إعلامية موجهة ومعادية للسياسات الحكومية ما جعل ثقة المواطن في الإعلام تكبر وتعود من دون أن ننفي أو نستبعد وجود البعض من وسائل الاعلام التونسية قد واصلت سياساتها العدائية للحكومة ونهجها القديم في توظيف المعلومة لإحراج الأحزاب الحاكمة ولم تقم بتعديل خطها التحريري إلا بالقدر الذي لا يجعلها تتخلى عن نهجها المعارض المعادي للحكومة. وفي هذا المجال تم مناقشة مدى نجاح الإعلام العربي في التعاطي مع مصادر المعلومات التي يتولى تقديمها والمحاور التي يتناولها كموضوع الحجر الصحي ومعنى الإغلاق الشامل ومسألة التحاليل الطبية ومعضلة الكمامات والسياسات الوقائية من الوباء وقضية الأضرار الاقتصادية والتداعيات النفسية لإجراء الحجر الصحي والتوقف عن النشاط المهني وموضوع الاعانات والمساعدات المالية والاجتماعية التي تم إقرارها في اطار مرافقة الحكومات للفئات الفقيرة والهشة وهنا عاد الحديث بكثافة عن مفهوم الدولة الحاضنة ودور الدولة الاجتماعي في مقابل هيمنة القطاع الخاص والتوجهات الليبرالية ونقد السياسات التنموية للحكومات وخاصة مسؤولية مناويل التنمية في تراجع الخدمات الصحية والاجتماعية والضعف الفادح للمنظومات الصحية والاجتماعية التي فشلت في وضع برامج وسياسات تقلل من حدة الفقر وتحسن وضع الفئات المهمشة والمقصية وقضية تفاقم الديون الخارجية وكيفية معالجتها في ظل هذا الوباء وموضوع الحريات والحقوق الديمقراطية التي أجبرت الحكومات أن تقلل منها في مقابل الحماية الصحية وموضوع أيهما أولى المعطى الصحي أم المعطى الاقتصادي ؟ وهل نضحي بالاقتصاد لصالح الصحة أم أن المجتمعات تحتاج إلى الاثنين ؟ وما هي الوسائل الممكنة للتوفيق بين الرهانين ؟ ما تم معاينته أن الإعلام في ظل الجائحة قد تناول في معظمه كل هذه القضايا وكل هذه المواضيع بطريقة مهنية مختلفة عن التعاطي الذي كان سائدا قبل الجائحة بما جعل البعض يتحدث عن بروز إعلام بديل بدون قيود الايدولوجيا أو السياسة إعلام جديد يقترب من مفهوم " إعلام القرب " أو الاعلام الوطني غير المحكوم بالهاجس أو الهوس الأيديولوجي . ما تمت ملاحظته أن الكثير من المؤسسات الإعلامية قد عدلت من نهجها الإعلامي ومن سياستها التحريرية بطريقة خدمت المواطن في الحصول على المعلومة من دون خوف من عملية التلاعب بالعقول أو التوجيه الممنهج وفي نفس الوقت ساندت الحكومات فيما تقوم به من عمل في مواجهة هذا الخطر الوبائي ولكن من دون السقوط في الولاء أو الاصطفاف الحكومي أو الترويج لسياسة من يحكم والاحتفاظ بمسافة للنقد الموضوعي ودون التخلي عن إنارة الرأي العام خاصة في محاور وقضايا حساسة وخطيرة كموضوع الفساد حيث لم تمنع هذه الجائحة التي فرضت على الكثير من وسائل الإعلام تغيير وتعديل خطها التحريري من أن يبقى الاعلام التونسي يقضا تجاه كل المحاولات التي تستغل الظرف الوبائي لتمرير سياسات مضرة بالمصلحة الوطنية أو اتخاذ اجراءات من شأنها أن تزيد من تكريس الفساد وتمدد شبكاته أو تسمح للأشخاص التي تعلقت بهم شبهات فساد من الاستفادة أكثر بما يشغل الرأي. ما يمكن الخروج به من هذه الندوة إن الإعلام التونسي في ظل انتشار فيروس كورونا كان أداؤه في الغالب مقبولا إلا بعض الاستثناءات التي تخص جانبا منه بقى وفيا لسياسته التحريرية القديمة كقناة وإذاعة شمس أف أم في بعض برامجهما مثلا وهو اليوم أمام فرصة كبيرة لإعادة البناء من جديد والظهور بمظهر مختلف وأمامه فرصة تاريخية للتخلص من كل المعوقات التي كانت تمنعه من أن يكون إعلاما وطنيا في خدمة الشعب وإعلاما بديلا يحتاجه المواطن في الحصول على المعلومة من دون تلاعب ولا توجيه ولا صناعة للرأي العام يقترب من مفهوم إعلام القرب الذي يقدم نفسه اليوم على أنه هو إعلام المستقبل. فهل سيحافظ اعلامنا التونسي بعد انتهاء هذه الأزمة الصحية على ما حققه من مكاسب ويحقق التحرر النهائي من القيود الايديولوجية والولاءات الحزبية وخاصة الانصياع لاكراهات اللوبويات المالية والحزبية ؟