أن تتعرض وسائل الاعلام للانتقاد وللتشهير بها وبأدائها ولمحاولات التشكيك في التزامها الحرفية والنزاهة في نقل المعلومات من قبل السياسيين ليس بالأمر المستجد وغير المعتاد، والأمثلة على ذلك كثيرة وهي لا تقتصر على دول بعينها، بل كثيرا ما نشهد مثل هذا السلوك حتى في الدول التي تدعي قيادتها للعالم التحضر على غرار الولاياتالمتحدة، حيث لا يفوت الرئيس دونالد ترامب مناسبة لمهاجمة الصحافيين المنتقدين لسياساته والمؤسسات التي تشغلهم. ذلك أن السياسيين بصورة عامة وبمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الحزبية سواء كانوا من اليمين أو من اليسار لا يهمهم نقل الحقيقة إلى المشاهدين والمستمعين والقراء بقدر اهتمامهم بنقل صورة لامعة وجذابة عنهم وعن مواقفهم وأفكارهم وآرائهم السياسية لدى عامة الناس، الذين يشكلون الصندوق الانتخابي، ولذلك تراهم يتسابقون للظهور في وسائل الاعلام المختلفة للترويج لتلك الأفكار والآراء... هذه الوسائل الاعلامية التي قد لا يترددون لاحقا في مهاجمتها ونعتها بشتى أنواع النعوت القاسية وغير المنصفة بمجرد أن تتجرأ في إطار أداء رسالتها المتمثلة في البحث عن الحقائق وإنارة الرأي العام بها على كشف عوراتهم وأخطائهم، أو على نقل مواقف وآراء أخرى متعارضة مع مصالحهم وغير متوائمة مع حساباتهم. مثل هذا الأمر عايناه - للأسف الشديد - صبيحة أمس في تونس حيث لم يتردد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي خلال ندوة صحفية عقدها على عجل لتوضيح موقفه من التحوير الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومستنداته وأبعاده وتداعياته في توجيه سهام انتقاداته لصحيفة «الصباح»، ليس بسبب نشر معلومات زائفة أو خرق لأخلاقيات المهنة أو انتهاك لقانون الصحافة، وإنما لنشرها رأيا لأحد كبار الخبراء في القانون الدستوري الذين تزخر بهم بلادنا والذي كثيرا ما تمت الاستعانة به وبخبرته من قبل السياسيين وحتى السلط الرسمية ألا وهو العميد الصادق بلعيد، عبر فيه عن وجهة نظره فيما يتعلق برد فعل رئيس الدولة بعد التحوير. إنه مع إدراكنا لصعوبة التحديات التي يواجهها الرئيس الباجي قائد السبسي في ضوء المنعرجات التي اتخذتها الخلافات ما بينه وبين رئيس الحكومة ومعه حزب حركة النهضة، نرى أن اتخاذه لمثل هذا الموقف من جريدة «الصباح» غير منصف وغير عادل لأن «الصباح» لم تخرق في تعاطيها مع هذه الأحداث تقاليدها المتمثلة في إفساح المجال للرأي والرأي الآخر، والسعي لاستقاء المعلومة الصحيحة من مصادرها دون تهويل أو تهوين. حتما... سنغضب بعض الأطراف والحساسيات السياسية لكننا سنستمر في أداء رسالتنا النبيلة طبقا لذات المبادئ التي خطها المدير المؤسس المرحوم الحبيب شيخ روحه والمرحوم الهادي العبيدي والمتمثلة في إنارة الرأي العام في إطار الالتزام بالحيادية وأخلاقيات المهنة بعيدا عن الولاء الأعمى لأي جهة باستثناء الوطن والشعب التونسيين.