عرفناه منذ منتصف الثمانينات شاعرا طفلا في قلبه الكثير من الأماني و الأحلام بضحكته الذافئة و قبلاته الجمة حين يضم الأصدقاءفي تلك الصباحات ..مقهى باريس و الحديث المفتوح عن الشعر و الثقافة و الصحافة و دروب المدينة و لقاءات مقهى الدباغين و مجالس الراحل " بوزيان السعدي" و منتدى الشعر صلاح الدين ساسي و ...و ذكريات مقهى سمرقند ببوزيد لقاءات مقهى باريس الصباحية في حضرة الجميل لطفي اليوسفي و الفيلسوف الشاعر سليموف و نعني ابن دولة الراحلة رحمها الله سليم دولة نعم .عرفناه ( الطيب شلبي الأنيق في صمته الباذخ في معاجم العزلة الحقيقية..)..عرفناه الشاعر المسكون بالحضارة واشتقاقها الرمزي يعلن الرحلة وفي قلبه شيء من حمّى المثل والقيم... كانت الكلمات لديه سلاما يلوّح به تجاه الآخرين الذين أحبّهم للبساطة... للأمل... شاعر تأخذه هشاشة الكائن الى وحدته إنه تمجيد آخر للعزلة... للغياب وللادراك أيضا .................. " منسدل ومنفرد... واحد، ووجه الله أحد سلاما لمقدم ا لشمس لغياب فضيلة الحق سلاما لاشراقات من أعرف ومن فيها تطلع الغرابة تنتقط... تتعدّد في أسوار ادراكاتها سريالية صورتها وحلو أيّامها كأنّها حضارات تتقدّم... كأنما اشتقاق بهيّ من كل ما يتردّد: صوت لون عسل رحلة ارتحال وأجل... ... انسدال خيوط الأيوبيين جوابي الأفق من ثوبها تفترش أمم بساطتها للأمل تتعارك، تعترك " الطيب شلبي شاعر وانسان مسكون بالحزن وهو في ساحات الفرح لا يخفي لونه القاتم... إنها حالات الوعي بهذه الدراما الانسانية في تجليّاتها الوجدانية والوجودية المختلفة... والشاعر يبكي الآخرين في قصائده بالنظر لحبّه المعهود للأمل والتجدّد فإنه لا يرى الحزن غريبا عن البهجة... بل هو عنوان من عناوينها الكبرى... يحتفي بالموت بل يذكره بكثير من الرفعة والمكانة ويرى فيه مناسبة لادراك أحوال العناصر والتفاصيل وهو بهذا المعنى يحتفي بذاته لدى الآخرين دون إدانة للنهاية... الموت... تلك الحقيقة الكبرى " من أمام شباك دارنا سيخرج النعش الذي تسقيه البرية بأوراق اللوز والعنب الوحشي وألسنة الطّير وسيقول سلاما لمن أودع روحه لأجل أن تسكن أعماق الانسان من أمام الشباك ودارنا حيث الموت بالمجان ستقفز روحي من النعش أو من خلف ظهور الرجال وسيقول المخلّدون: صار هذا الولد ممتلئا بالبكاء في أقصى البرية وستحزن عليه غزالات النهار في بلدتنا وتزغرد الحبيبة الواحدة بوعي من جاء الى العشاء متأخرا ولأجل هذا الوداع يبكي الغاب الصوت الذي مضى في اثر شجرة اللوز" قارة من العشق ... وهنا يسبح الشاعر الطيب شلبي في مياه النقاء والبياض والضياء يتخيّر صوره التي تطغى فيها أصواته وهو الطفل لا يملك غير نار المحبّة ونواح الموسيقى زاده في رحلته نحو أمّه... الأرض والأمكنة الحميمة... يحكي بشوق وصفاء نادرين ملحمة الموجوعين الهاربين من جحيم غربتهم " ولدت قرب البحيرات الصديقة انغرست في الرمال وتعلّمت في الرمال وتعلّمت بكاء الموسيقيين الموجوعين بال: هو الهاربين من جحيم غربتهم الى نقائهم الأصلي، قد كانوا ربّانيين بمحض إرادتهم عادوا الى أوّل السطر والموسيقى من عادتها الغناء حين يهمي مطر " إنها رحلة الشاعر الى جهات القلب حذو النهر الى عالم منسيّ ينتمي الى ذات هي الحلم والوحدة الأنيقة، والكتابة هنا بوح آخر يشهره الراحل باتجاه الأمكنة المحبّبة بالشمال كما بالجنوب " أحاول المستحيل حتى أغلبه، بالهوى أغلبه، سواعد من فضّة بالزّبرجد الكليّ سأسير مدى نصف الدهر قضّيته حذو نفسي أتماسك بنصف الدهر تعاودني الذكرى التي لا تنثني... أمضي في طريقين في عالمين خصوصيين ممتطيا المسافة الأقصر الى قلبي الى عالمي المنسيّ لحظات المنتمي الى نفسه يغادر روحه يمتطي اللحظات الحالمة حذو النّهر... غادرت روحي لا أعلم الى أين... تعلّمني أن أكون وحيدا مع قلمي لعلّني أتّجه شمالا لعلّني جنوبا أسير ما لك نفسي وراحتها المتعدّد المنثني الحالم المتفكّر أريد غربتين كي أستريح. أريد ممشى كونيا أسير فيه الى أقصى النهايات..." ها هو العاشق المسموم يبلغ قارته ممتلئا بأشجان الشّعر يتذكّر كل شيء... يبكي... يفرح... يهزّ الأكوان يضحكه... يحاور ذاته... كل ذلك تمجيدا للشعر وللحظاته الصافية باتّجاه الشمس... أليست الشمس مهدا للكلمات...