هل ثمة من فارس لم يسقط ولو مرة واحدة على الجواد الذي يريد؟ فكرة الثبات، والزائل، والذاكرة، ثابت رئيس في هذا النص الوليدي الجميل الذي أصرّ، لكن بطريقة ناعمة أن يكون أكثر «كاميكازيا» من ديوانه الاول «كاميكاز». شكرا لحضارة الشرق أيضا التي ألهمتنا هذا المجاز / ولا أقصد غير اليابان: «بلا فكرة ثابتة، تسير الحياة نحو الكتاب الاخير للاعب النّرد» «حياة طبق الاصل. لا أهل لها ولا فصل هل كنت أخونني؟ لا. إني عاطفي. لست محايدا. أحب إلا ما يعجبني. الذي يعجبني هو الذي أسمح له بأن يؤلمني. يقول الشاعر الكاميكازي: «وطني أيها السر الكبير ما هذه العقدة التي سببتها لنا لنتصرف في كل شيء كاللصوص وقطّاع الطرق وأن نحيا بسرية تامة نكتب بسرية... نبكي بسرية حتى أصابتنا عقدة السر الكبير فهجرنا زوجاتنا وأدمنّا العادات السرية». كما أقتلني بي...! 5 في النص الوليدي استرجاع للحظة حاسمة، أليفة وربما قاتلة. ولادة الحدث السردي المتعلقة فعلا، بالحدث الولادي ولادة الشاعر في ذلك المكان،عينه، إياه، هو نفسه الذي يشي به الحبر. بماذا يشي الحبر؟ طفل يولد في مقام «الإله الصامت»... استحضار الالوهية والروحانية والصوفية وشفافية الانتماء للذات، كلية الحضور في هذا النص الشعري، الى تهجّي أبجدية الخلق الاولى، لذلك تحضر سريا أفعال الاندهاش والانشداه من فعل الخلق ذاته. كيف خلقت؟ من أين جئت؟ هل الواقفة أمامي أمي؟ هل الذي يأمرني أبي؟ هل الذين يحبونني إخوتي؟ اندهاش يفتح التسيار الحبري الى الشك، في جميع الجهات والجبهات: الجهات والجبهات، جبهة الحاضر الآسر، وجبهات المرئي اللامقدور عليه الى حين... 6 في ديوان وليد الزريبي: «ليه يا بنفسج» يستحضر ثقل الاشياء وجبهة الماضي التي تريد الذات الشاعرة الكوجيطو الشعري لدى وليد الزريبي، القبض على المنفلت من لحظتها، فكانت الخيبة وكان البكاء، واستحضار الوجعي والغزلي من أداء غنائي شرقي «ليه يا بنفسج». 7 يحدث للعشق أن يُبكي.. وأبكي. ونبكي مع «ليه يا بنفسج» مرتين. مرة حين يتسقّط السمع آخر الليل لليه يا بنفسج. وأخرى حين أقرأ هذا الديوان على شموع غير عاطفية بلا أسف مني عليّ... وعلى الدنيا. ثمة من سينوبني عن حزني وتوغّلي الحبري. فلماذا أنا حزين إذن؟؟؟ 8 هكذا تعلمت من هذا النص «ليه يا بنفسج» التدرّب على التفاؤل، طالما أنه ثمة من يجترحون، بلذة ومحبة، وتوغّل عاطفي مثل هذا « اللّيه يا بنفسج» للشاعر التونسي وليد الزريبي. 9 الشعر أداء كتابي لدى وليد الزريبي في: «ليه يا بنفسج» لا يقول إلا للخسارات العاطفية... وما يليها. كم أجدني في هذا النص الذي كنت أرجو أن أكون كاتبه! 10 يظل الشاعر الحبري والليلي، المتوحّد بذاكرته المؤلمة، موجع وموجوع، لكنه يستطيب وجع الذاكرة، يتداوى بحبره. يشكّ... يرتبك... يحنّ... يئنّ... يرقص قلبه على إيقاع الخبب حينا، لا يلتفت إليه... قد يحنّ الى الرّجز، لا يلتفت اليه... المنسرح، لا يلتفت اليه... الى ما يعلم من بحور الخليل، لا يلتفت اليها... لأنها منه. هل ثمة أحزان كلاسيكية؟ الاجابة للشعراء. 11 أجدني أتهجّى... وجعا... كنت أزعم أني أختص به. وإذا بي أجدني دون وعي مني في هذا النص الشعري الوليدي الزريبي المكتوب بوعي ملحمي... أني أنا المُبكَى عليه. 12 الطفولة، هذا الحس الطفولي الايكولوجي المزارع، هو حسّي. 13 الشعر، كما الجمال في جميع جمّاع لغات العالم، يُحيل الى الاحساس. 14 الموضوعية شأن أكاديمي. 15 صوت المديح العالي، مشاهد الطبيعة، الرعاة، أهل العشابة والعشّاشين، سادة العشب الفعليّيين هم سلالة الشاعر، وسلالتي. 16 لا حياد في الحب كما في الحرب كما في الشعر تماما. ولست محايدا! 17 «هل عليّ أن أصدق أني جلست يوما على كومة من تبن غارقا في الرماد أصغي لفرس عضّني» الجواد لا يخون الجواد، وحدهم المجروحين بالخيانة لا يدركون قيمة الجواد. 18 ثمة، فعلا، ثمة نزعة رعوية أكيدة في هذا المكتوب الشعري... وثمة تقتّل حبري أنيق، يرصد عناصر التكوّن والتلاشي للهوية الكاتبة. تقتّل حبري يمارس أخطر أشكال اللعب على الاطلاق: اللعب اللغوي لتهجّي جرح نرجسي. 19 ما الذي يفسر استحضار البنفسج؟؟ البنفسج أخ النرجس، النرجس من رأى نرسيس صورته في الماء، ولنرسيس أخ توأم يمكن تسميته نرسيس الصحراء. الشعر لدى وليد الزريبي منغرس في الحضارات والحواضر الكتابية لكنه شفوي المدى! نرسيس الصحراء، لنرسيس الصحراء أدوات صيد كما كان لنرسيس الماء: الرؤية... البوصلة... البصيرة ناهيك عن حدة البصر... ليس صدفة أن يعود صاحب نص ديوان: «ليه يا بنفسج» الى الافق الرحمي، مسقط أنامل الشاعر ومزرعة الكائنات الحميمية لديه، بكل ما يؤديه النص من شفافية قاتلة في المضي الى جغرافيا اليومي وتشقيقه المعاني مستحضرا مساحات الفيض الحبري. الاعتناء بالمرئيات كثيف، وكذا الشأن للمسموعات والمشمومات، مع شغف غريب للايقاعي. وليد الزريبي الشاعر الكاميكازي «مانومالي» الى حد الوجع، إيقاعي: «فم الريح...» «الموشح». «النشيد»... «ليه يا بنفسج»... جميعها مؤدّاها حدائيّ، عتابي حد التلف، تلف الذات بل أسف منها عليها. يقول الشاعر: «ذلك الشتاء في الزريبة، رأيت نايا مليئا بالثقوب يضع رأسه على كتفي أمه رأيت دالية تندلق من فم الريح وتتثاءب في الكؤوس» وأكثر: «رأيت الحطب ينسدل ضفائر على أكتاف النساء وأكثر: رأيت الرغيف يتسع لأكثر من فم» وأكثر: «رأيت البدو يزرعون الماء في المناقير والجرار بين فخذي الشمس» وأكثر: «رأيت أرجوحة الريح... خدعتني طفلا وأوصلتني إليك»... وأكثر: «رأيت... ما رأيت رأيت الزريبة تمطر ولا تمطر غير أني لم أعد أعرف كيف أبتلّ بالذكريات»! فكيف ساتلفني؟ 20 شاعر، هذا شاعر ضد الشعراء الذين هم بلا موهبة، تسعفهم فقط العادة الحبرية بالاستماع! 21 الآن وقد توغل الليل في بعضه... أجدني أشكرك لأنك تجرّأت أن أقدم بعد موتي، وحين حياتي، حبرك. شكرا لك لأنك شرفتني بتقديم أجمل حبرك. شكري لأم مرسيل. شكرا لمرسيل، عسى أن يذكرني حين يلفّني كتاب الكون. سأكون أكيدا معك. ذات فجر تونسي، وقد توغل الليل في بعضه (الكاتب الحر سليم دولة)