قصّتي مع مسرح قرطاج قصّة جميلة طريفة قديمة إبتدأت ذات ليلة في صائفة سنة 1980 عندما إختار مدير المهرجان آنذاك المؤلّف المسرحي و الممثّل الكبير رجاء فرحات إحياء حفل الإفتتاح بأصوات شابّة تميّزت وقتها بنجاحها في إضافة لمسة فنّية جديدة مثمرة على ساحتنا الغنائية الولّادة البَهيّة... لطيفة العرفاوي، منية البجاوي، عبد القادر العسلي ، لطفي بوشناق وصديقكم عدنان... جمعتنا الأقدار ليلتها في حفل كبير مشهود حصل لي خلاله أمر مفاجئ غير معهود أثّر إيجابا في كامل مسيرتي الفنّية وحوّلني ، فجأة ، بفضل ربّي ، من مبتدئ متردّد شبه محترف، إلى مبدع مؤمن بقدراته وسعيد بمشروعية وشرف إنتمائه إلى عائلة كبار فنّانينا ووقوفه معهم و لو في آخر الصّف.... وقع ليلتها ما لم يكن في الحسبان عندما صعدت على الرّكح ونطقت بأوّل جملة من أغنية "ياناس ما أحلى السّهر في اللّيل تحت القمر " فإذا بالسّماء تزمجر و تثور و تباغتنا بهطول أمطار غزيرة جعلت الجماهير تشرع في مغادرة المدارج ... لن أقدر على وصف حالتي النّفسية آنذاك و أنا مبتلّ مدهوش منكوب و حزين على حظّي التّعيس... وفي لحظة ، جاءتني فكرة فقرّبت المصدح المتقاطر ماءًا من شفَتيّا المرتعشتين و قلت :" أرجوكم ..إبقوا في أماكنكم..... لا تخافوا ، فالمطر رحمة و خير و بركة" ثمّ غنّيت : يا ناس ما أحلى السّهر في اللّيل تحت " المطر" عوض عن " تحت القمر".... وإذا بالجمهور يتجاوب معي و يبقى ماكثا في مكانه يشاركني هذه اللّحظة المرتجلة الفارقة الرّائعة بالتّصفيق الحارّ و المطر لا يزال ينزل بشدّة و يدشّ كامل أرجاء المسرح ... سبحان الله ، قطرات ماء نازلة من السّماء غيّرت مجرى حياتي و زادت في إيماني بخالقي و في رسوخ قناعاتي بأنّ الإنسان ، بفضل عقله الذي حباه به الرّحمان ، قادر على تخطّي المصاعب و أعتى المفاجآت بتحويلها من معضلات مدمِّرة إلى رهانات مُحفِّزة على مغالبة النّفس و إجهاد الفكر للخروج بأخفّ الأضرار من أيّ موقف حرج أو مسلك غير آمن محفوف بالأشواك و المطبّات و الأخطار...