يقول الله تعالى وهو اصدق القائلين (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا )الفتح 1/3 وقد ذهب اغلب المفسرين إلى أن المقصود بهذا الفتح المبين هو فتح مكة الذي من الله به على نبيه ورسوله محمد الصادق الأمين في رمضان الكريم من السنة الثامنة لهجرة رسولنا ذي الخلق العظيم ولقد اخترت لإحياء هذه الذكرى المباركة أن اذكر المسلمين بما يؤكد صدق هذا النبي الكريم ونرد في الآن نفسه على الطاعنين في نقاوة سيرته وصدق نبوته من ذوي القلوب المريضة والعقول المنحرفة السقيمة وأول ما سنذكره في هذا المقام هو ما رواه المؤرخون لسيرة نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة ة وازكي السلام من أمر رسالة (حاطب بن بلتعة ألبدري )التي كتبها إلى أهل مكة يخبرهم فيها بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأرسلها مع امرأة استأجرها وقال لها أخفيها ما استطعت فجعلت الرسالة في ضفائر رأسها ثم خرجت واتى رسول الله خبرها من وحي رب الأرض والسماء فبعث عليا بن أبي طالب والزبير بن العوام وقال (أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد اجمعنا في أمرهم (يقصد فتح مكة ) فخذوه منها وخلوا سبيلها) فخرجا حتى أدركاها فالتمسا في رحلها الكتاب فلم يجداه فقال علي كرم الله وجهه (إني احلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك) فحلت قرون رأسها فاستخرجته فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليه الصلاة والسلام حاطبا فقال يا حاطب ما حملك على هذا ؟فقال يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ولكني كنت رجلا ليس لي في القوم اصل ولا عشيرة وكان لي بينهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني اضرب عنقه فان الرجل قد نافق فقال عليه الصلاة والسلام انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فما أعظم خلقك يا رسول الله وأنت تراعي ظروف هذا الرجل ولا تحاسبه على سوء تقديره وتعفو عنه وتنهى عن ضرب عنقه بل تبشره بمغفرة الرحمان ذاكرا حسن بلائه يوم بدر وعاملا بقول رب الأرض والسماوات (إن الحسنات يذهبن السيات )هود 114 وثاني ما سنذكره في هذا المقام أن رسولنا عليه الصلاة والسلام صام في سفره إلى مكة إذ كان الشهر رمضان وصام الناس حتى إذا كانوا( بالكد يد )وهو مكان بين المدينةومكة افطر عليه الصلاة السلام وأمر المنادي أن ينادي (من أحب أن يصوم فليصم ومن أحب أن يفطر فليفطر) فما أعظمك يا أيها النبي الكريم وأنت تخير أصحابك في هذا السفر بين الصوم ورخصة الإفطار ولا تريد أن ترهقهم أو تشق عليهم كما يفعل كل قائد أو زعيم أو حاكم متكبر ظالم جبار ينسى ويتناسى صفات ربنا الرحمان الرحيم الواحد الغفار الذي ذكر عباده أكثر من مرة انه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر وثالث ما يجب الوقوف عنده في هذا المقام هو تواضعه عليه الصلاة والسلام فقد اجتمع الناس يوم فتح مكة لبيعة رسول االله فجلس لهم على الصفا كأيها الناس وهو يرتدي ما يرتديه العامة من اللباس ولم يجعل بينه وبينهم الجنود ولا الحراس وبينما هم يبايعونه على السمع والطاعة إذ جاءه رجل فأخذته الرعدة بين يديه فقال له رسول الله (هون عليك فاني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) فأنبئوني يا أولي الألباب والعقول هل هذا رجل كاذب لا سمح الله في نبوته أم هو نبي صادق وأعظم رسول ؟؟وما أحسن أن نختم هذا المقال بما يزيد في بيان صدق نبوته وعظمته بين الرجال في ما تتابع على هذه الأرض من مختلف الأمم والأجيال فقد جاء صاحبه أبو بكر رضي الله عنه يوم الفتح المبين بابيه (ابن أبي قحافة )يقوده وقد كف بصره فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال( هلا تركت الشيح في بيته حتى أكون أنا الذي آتيه) فقال أبو بكر (هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه ) فأجلسه بين يدي رسول الله فمسح رسول الله صدره وقال( اسلم تسلم )فاسلم الشيخ وهنا رسول الله أبا بكر بإسلام أبيه فما أعظمك يا رسول الله وأنت تكرم رجلا كافرا لم يسجد لله سجدة مراعيا ضعف شيخوخته وفقدان بصره وتود لوأن ابنه وهو صاحبك أبو بكر لم يتعبه بالمجيء به إليك إن موقفك هذا يغنينا عن كل كلام في تأكيد صدق نبوتك بين الأنام على مدى الأيام والأعوام ولا نجد ابلغ وأحسن من نردد ما قاله فيك من أرسلك بالحق والهدى رحمة ونعمة للعالمين في كتابه الكريم (وانك لعلى خلق عظيم )القلم 4.