لقد وردت احاديث كثيرة مشهورة في فضل المداومة على قراءة سورة الكهف مرة في الأسبوع على الأقل كقوله صلى الله عليه وسلم (من قرا سورة الكهف يوم الجمعة اضاء له من النور مابين الجمعتين) رواه الحاكم والبيهقي ولا شك ان هذا النور متأت من العلم العظيم العجيب ومن الايمان العميق الكبير الذي سيكسبه المسلم الواعي الذي سيقرا هذه السورة بمنتهى المتدبر وباعمق تفكير وكيف لا يزيد ايمان المؤمن بقدرة رب العالمين وهو يقرا قوله تعالى(اذ اوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا فضربنا على اذانهم سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا ...الى قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا)؟ فسبحان الله العظيم كيف نام هؤلاء الفتية كل هذه السنوات ثم بعثوا من مرقدهم واجسادهم سليمة صحيحة لم تؤثر فيها عوامل الطبيعة التي تعود الناس جميعا ان يروا فعلها واثرها وتغييرها وتشويهها في كل من فقد الحركة وفقد الطعام ولازم مكانا واحدا واصبح شبه ميت او شبه جماد كبقية الجمادات؟ وكيف لا يتواضع الانسان مهما كان علمه امام علم رب العالمين وهو يعلم من خلال ايات هذه السورة العجيبة ان نبي الله ورسوله وكليمه موسى عليه السلام رغم ما تلقاه مباشرة ودون واسطة بينه بين ربه من كلمات ووحي رب العالمين قد تبين له بعد حين انه ليس اعلم الناس بل ان هناك من هو اعلم منه بفارق شاسع واسع مبين لم يستطع ان يبلغه ولا ان يصبر على طلبه كما ورد ذلك في قوله تعالى وهو احكم الحاكمين( فوجد عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا قال انك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا قال فان اتبعتني فلا تسالني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا ...الى قوله تعالى( قال هذا فراق بيني وبينك سانبئك بتاويل ما لم تستطع عليه صبرا)وهكذا فان موسى عليه السلام عجز عن الصبر ومن ثم عجز عن استيعاب علم هذا العبد الصالح وتعلم انه ليس اعلم الناس واخذ درسا لا ينساه في وجوب التواضع والاعتراف بالعجز وهما حقيقتان قد يغيبان كثيرا عند اكثر الناس فياخذهم تيار العجب والاستكبار ولا يتركهم حتى يودي بهم الى الضلال والى عذاب النار وكيف لا يشعر الانسان بضعف مركزه وموقعه و وقلة حيلته وقدرته وسلطته وسلطانه مهما كان وهو يقرا قوله تعالى ذاكرا لعباده سلطان وقوة وقدرة ذي القرنين التي متعه بها الله وميزه بها منذ قرون سنين(ويسالونك عن ذي القرنين قل ساتلو عليكم منه ذكرا انا مكنا له في الأرض واتيناه من كل شيء سببا فاتبع سببا حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا...الى قوله تعالى(ثم اتبع سببا حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا...) فهل في ملوك الأرض اليوم وهل في سلاطينهم من بلغ مغرب الشمس ومطلعها ومن كانت له مثل هذه القوة ومثل هذا التمكين ومثل هذا السلطان الذي امتن به الله سبحانه وتعالى على عبده ذي القرنين منذ زمان وزمان وهو الرزاق وهو الكريم المنان؟ اوليس الذي يقرا هذه الايات ويستوعب معانيها في عقله وفي قلبه يصبح قريبا من ربه وبعيدا كل البعد عن وسوسة الشيطان التي تزين للانسان سوء اعماله فتجعله من اهل الكبر واهل الغفلة واهل الطغيان وتبعده عن النور الذي يطلبه ويرجوه كل انسان عاقل في كل زمان وفي كل مكان؟