هذه المقولة تنسب إلى حمادي الجبالي حين كان رئيس حكومة الترويكا…هي مقولة معتبرة، لكن بمزيد التدقيق نجد أنها "نصف صحيحة"!فكيف؟ من المعلوم النخبة صنفان: الأولى علوم صحيحة وتقنية، والثانية علوم انسانية ودين وفنون. فأما العلوم الصحيحة فهي طبعا غير خلافية وقوانينها لا تكاد تتغير بتغير المكان "أو حتى الزمان"( فمثلا قوانين الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات هي نفسها في "القطب الشمالي أو الجنوبي أو خط الإستواء".هي حقائق غير خاضعة للأمزجة والأهواء..) وعلى نقيض هذا تماما نجد المعارف والفنون الأخرى شديدة الإرتباط بالأمزجة، ومن هنا بالضبط مدخل التنازع!فكل الصراعات التي تشهدها البلاد وغيرنا من الأشقاء إنما مردها الى "الأهواء"حيث نجد تشتتا فكريا وأيديولوجيا كبيرا الى درجة التقابل التام دون أدنى قاسم مشترك .فنجد الفكر والأمزجة السلفية المنغلقة التي لا تحترم روح العصر -الزمان- . وعلى النقيض نجد الفكر التغريبي المتفسخ الذي لا يحترم - المكان- الخصوصية الحضارية أو"الهوية"( أضعها بين قوسين لأنني لا أستسيغها،وخاصة حين تجاوز الحد وتوحي بالإنغلاق وحتى العنصرية. فهوية الإنسان هي الإنسانية، وحتى آيات كثيرة من القرآن تشير إلى هذا : - يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..-). إذن,وبكل تأكيد، بين هذين الفريقين لايمكن أن ننتظر غير التنافر والمناكفات وحتى التقاتل!... خطورة الإنتخابات! في هذا المشهد لن تكون الإنتخابات سوى لعبة خطيرة جدا!!وتشهد على هذا أوضاع البلاد العربية (ومنها حتى تونس منذ الثورة ،رغم أنهم يسمونها "نوارة الربيع العربي"..)..إن العديد من المنزلقات العربية الدامية كانت الانتخابات سببه.فمثلا الصراع بين بورقيبة والحركة الإخوانية مطلع الثمانينات كان نتيجة انتخابات ، وكذلك بينهم وبن علي.أما العشرية الدامية بالجزائر فكانت شرارتها إنتخابات تشريعية،والإقتتال بين فتح وحماس إنجر عن انتخابات 2006 (أمريكا وكندا والعديد من بلدان الغرب زجوا بحماس في لعبة الإنتخابات،لكن حين فازت بها رفضوا الإعتراف ب"حكومة ترأسها حماس"!) الله!... والصراعات والإغتيالات التي شهدتها مصر، حتى زمن عبد الناصر أو فاروق، كان للإنتخابات دور كبير فيها.أما ارهاب وصراعات مصر ال0ن فهي نتيجة للإنتخابات التي مكنت "الحنش الإخواني" من الولوج إلى كهف السلطة.والاقتتال في ليبيا ال0ن نتيجة الخسارة الانتخابية التي مني بها جماعة الاخوان"المسلمين"صائفة 2014،فتمردوا على الصندوق و قالوا كلمتهم الشهيرة " السلطة حصلنا عليها بالسلاح فلن نسلمها بالصناديق"!!..) لقد كانت الانظمة العربية تعمد الى تزييف النتائجية،وهو طبعا عمل سيئ، لكنه افضل بكثير مما نحن عليه ال0ن،فربما تستحق تلك الأنظمة التي لا تعتمد الانتخابات، أو تعمد إلى تزييفها، تستحق أن توصف ب"الحكيمة"! فسلطان غشوم خير من فتنة تدوم! لكن النخبة الفكرية والطبقة السياسية عندنا تأبى الإمتثال للحق وتكرر العبث بالبلاد كأنما الإنتخابات والصراعات الحزبية مقدسة كأنما هي "قوانين فيزياء يجب إعتمادها "دون تردد ولا ترمرم"( بل هي حتى قوانين الفيزياء، أحيانا كثيرة يحدث أن نتمنى لو نجد مهربا منها، ومن ذلك مثلا حين يسقط لنا شيء عزيز أو ثمين من مرتفع!..). هذه النخبة فاسدة بشقيها الحداثي والمحافظ،فالأولى تغريبية تتبع خطى الغرب "خطوة بخطوة حتى وإن دخل جحر ضب"( كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام!..).أما الثانية هي كما قلنا لا تحترم الزمان..(لا نتحدث هنا عن الحركات الإخوانية التي أظهرت جيلا بعد جيل أنها منافق وأنها أشد وأخطر حتى من التغريبيين،فذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها.وهي أصلا حركات عميلة تستقوي بالأجنبي،كما فعلوا في ليبيا أو سوريا ..وختى زمن عبد الناصر...). أخيرا ولكي نتجاوز النقد الى المقترح: نذكر الذين كانوا منذ سنوات ينادون بضرورة نظام رئاسي إن الخلل يكمن بالضبط في البرلمان(لكن أليس البرلمان إبن الإنتخابات؟!..) فمن اجل برلمان شعبي ووفاقي حقيقي، فإن الحل السليم يكون بتقاسم البرلمان بالتساوي بين التيارات السياسية.وهذه التيارات يمكن بسهولة تبويبها الى6: ثلاثة يسارية وثلاثة يمينية، وهي نزولا من اليسار الى اليمين : الأحزاب ذات الخلفية الشيوعية، الأحزاب القومية،الأحزاب ذات التوجه الديمقراطي ثم في اليمين :الأحزاب الدستورية البورقيبية،الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وأخيرا الأحزاب الليبرالة. وكيفية اختيار النواب تكون مثلا بإختيار 6 أفراد من كل ولاية لتمثيل التيارات الستة التي ذكرنا.وبما ان لنا 24 ولاية فهذا يعني أن البرلمان سيضم 144 نائبا(6×24=144).واختيار النائب يكون خلال مؤتمر مخصوص بكل تيار تحت اشراف هيئة الإنتخابات. لقد كتبتُ في هذا العديد من المقالات،لكن لا حياة لمن تنادي رغم أن البلاد متواصلة في التدحرج المطرد!!.. وطبعًا نؤكد على أن هذا المقترح هو على الأقل لمرحلة إنتقالية لما يسمى" الإنتقال الديمقراطي "( نشير هنا إلى أن هذا هو الوفاق الحقيقي!.وهم ايضا بعد كل انتخابات،يصرحون بأن البلاد لا يمكن حكمها إلا بالوفاق!،لكن حينها طبعا الوفاق لا يجدي نفعا حين يصير البعض يتطاول على البعض بعدد المقاعد ،وربما يدفع به الفرح والغرور وقلة الأدب إلى وصف غيره ب"الصفر فاصل" فأي حوار بين " راكب زرافة وراكب حمار !؟.(انظر مقالي:الصريح،الإنتخابات أم النكبات)