صدر هذه الأيام باللغة الفرنسية كتاب اقتنيته في باريس بعنوان (كيف سيكون العالم عام 2025؟) وهو في 300 صفحة عن دار النشر (روبير لافون) بتعليق الخبير الجيوستراتيجي (ألكسندر أدلر) وهو نفسه الذي نشر تقارير المخابرات الأمريكية السابقة وقدم للكتاب رئيس المجلس الوطني الأمريكي للمخابرات (توماس فينغر) هذا التقرير أعدته أجهزة المخابرات الأمريكية عام 2010 وهو خلاصة تشخيصات و تحليلات مجموعة من الأكاديميين و علماء إستشراف المستقبل من مختلف جامعات الولاياتالمتحدة، وكالعادة يحتفظ المجلس الوطني للأمن على بتفاصيل التقرير لعدة سنوات ثم إذا مرت مدة معينة يتيح نشره للرأي العام الأمريكي و العالمي وهو ما وقع مع هذا التقرير الذي وضع ملامح العالم بعد 15 عاما (من 2010 الى 2025) من النواحي السياسية و الأمنية و الاقتصادية و الاستراتيجية وهي توقعات تستند إلى معطيات علمية ثابتة غايتها تنوير الإدارة الأمريكية بمجموعة من الحقائق لتساعدها على سن السياسات و اتخاذ المواقف عن روية و عن إدراك للمسارات العالمية و تطورها و مألاتها و تداعياتها. يقول (توماس فينغر) في مقدمة التقرير بأن العالم سيكون بعد 15 سنة (أي بعد خمسة أعوام) رهن التفاعلات الجدلية بين الاقتصاد و السياسة و العلاقات الدولية و يعطي مثلا بحالة التردي الاقتصادي و المالي لعديد من دول العالم الثالث و ما ينتج على ذلك الانهيار من فقر و خصاصة تؤدي بعدد لا يستهان به من شبابها إلى اعتناق الإرهاب و سلوك سبل العنف إما ضمن منظمات راديكالية موجودة أو عن طريق الذئاب المنفردة تعبيرا عن حالة اليأس و انخراطا غير شرعي في مسارات المقاومة للظلم وطنيا و إقليميا و عالميا. وهنا يفيد التقرير بأن أمن العالم سيكون مهددا بإرهاب عابر للقارات لا يعترف بالحدود و ربما محاولة مجموعات ارهابية امتلاك أسلحة بيولوجية و جرثومية و ربما نووية محدودة! وكما رأينا الهجرات السرية تتفاقم سنة بعد سنة ليبلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين عام 2025 أكثر من 20 مليون من البشر هاربين من الحروب الأهلية و بؤر التوتر و دول الفوضى (خاصة من الشرق الأوسط و افريقيا) أو بحثا عن العمل و لقمة العيش (كما في دولامريكا اللاتينية و أسيا) و يتنبأ التقرير بحدوث موجات تسونامي بشرية من الجنوب الى الشمال كما يتوقع تنامي السياسات الدينية (و ليس الإسلامية فحسب) على حساب الثقافة العلمانية (اللائكية) الرائجة منذ عقود و السبب هو أن الأديان تقدم للشباب خاصة مشاريع أخلاقية إنقاذية بسيطة و جاهزة تحشد جهودهم ضد ما يعتبرونه ظلم و اضطهاد طبقات حاكمة أو ثرية تمنعهم من المشاركة في العمل السياسي و اقتسام الثروة بالعدل! الغريب أن التقرير يتهم النمط الرأسمالي المتوحش المفروض من الغرب على الأمم المستضعفة بكونه نظاما جائرا و يطالب الإدارة الأمريكية بعدم دعمه بتأييد الأنظمة القمعية المستبدة و عسكرة الحكومات و كبت الأصوات الحرة! و يستعرض التقرير ما سماه رئيس فريق العلماء (ماتيو بوروز) المؤشرات التي تنبأ بالمستقبل و منها أن القوتين الصاعدتين هما شرقيتان (الصين و الهند) و أن الصين لديها مشروع علاقات دولية مناقض لمنظومة الليبرالية الغربية الأمريكية وهو مشروع (طريق الحرير) و أن كل المؤشرات تؤكد انتقال رؤوس الأموال من الاستثمار في دول الغرب الى الصين و الهند و تشير بعض الدلائل الى أن أزمة الشرق الأوسط ستتفاقم بسبب ما نعته التقرير بتصلب راديكالي لنخب فلسطين و إسرائيل (هنا لاحظوا البهتان في المساواة بين الجلاد و الضحية) و يقرأ التقرير ما سماه (الدول المغاربية تدخل منطقة المطبات الخطيرة) ليؤكد أن ليبيا ما تزال بلا دولة كما كانت منذ 1969 (حينها كان العقيد ما يزال في ليبيا و التقرير كتب قبل اندلاع الربيع العربي بأسابيع) و أن تونس و المغرب تتمتعان بتقاليد أرسخ في إدارة المؤسسات الرسمية و أن الجزائر (عام 2010) تسيطر عليها لوبيات مافيوزية مستغلة حالة الرئيس بوتفليقة و تمكن جنرالات الجيش من تقاسم صفقات الدولة دون رقيب! و يستخلص التقرير أنه لهذه الأسباب فإن عام 2025 سيشهد انتقال العنف و الفوضى من المشرق الى المغرب أما عن منطقة الخليج يتكهن التقرير باضطراب في أسعار الطاقة خارج عن إرادة حكام الخليج لكن ذلك لا يؤثر جديا على استقرار الإقليم نظرا لترابط مصالح شعوبه و تشابك الأسرة الخليجية الواحدة (المخابرات الأمريكية لم كن تحسب حسابا لتولي محمد بن زايد و محمد بن سلمان مقاليد السلطة في الامارات و السعودية مما غير قطع الشطرنج على رقعة لعبة الأمم بمفاجأت لم تتنبأ لها أجهزة الاستشراف الأمريكية)! لكن التقرير يتنبأ بسباق دول شرق أوسطية الى امتلاك السلاح النووي خوفا من انفراد إيران به مثل مصر و تركيا و السعودية. أما بخصوص الحرب الجرثومية و البيولوجية فإن التقرير يسجل أمرين: الأول إمكانية انتشار فيروس خطير من مخابر دول بسبب إهمال المحاذير الأمنية و الثاني (صفحة 227) إمكانية امتلاك مجموعات إرهابية مثل هذه الأسلحة الهجومية بسبب توسع وسائل الاتصال الاجتماعي و سهولة تداول المعلومات! هذه ملامح العالم كما تصورتها المخابرات الأمريكية وهي جديرة بالاطلاع من قبلنا نحن العرب حتى يرفع الله سبحانه عن أمتنا غشاوة الغفلة.