صدرسنة 2001 في لغات أوروبا أخطر كتاب يحمل عنوان: توقعات مركزية المخابرات الأمريكية للعالم سنة 2020 وهو تقرير صادر عن المجلس القومي للمخابرات( ناشنال أنتليجنس كنسل) الذي يعتبر العقل المفكر و المخطط و المستشرف للمستقبل التابع للمركزية و المستشار الموثوق للإدارة الأمريكية و المتعامل المرن مع الرئيس الأمريكي و الكونجرس على السواء. و في باريس صدر الكتاب لكن بمقدمة مطولة كتبها المنظر المعروف للصهيونية و الكاتب المتحيز لإسرائيل وهو من أصل يهودي (ألكسندر أدلر) و الذي لا ننكر خبرته الطويلة في الشأن السياسي الدولي لكن لا نشاطره حماسه ضد العالم العربي و الأمة الإسلامية. و جاءت المقدمة للكتاب الذي أصدرته مؤسسة (روبير لافون) الباريسية في شكل موجز للتقرير الذي يتشكل من 260 صفحة و لكن في الحقيقة تأخذ المقدمة محتوى إيديولوجيا معاديا بكل المقاييس لا أمانة علمية و لا تاريخية فيها كأنما كلف (ألكسندر أدلر) بمهمة تأليب الرأي العام الدولي ضد القضايا العربية العادلة و تغليب مصالح إسرائيل وحدها على العالمين و ذلك كله بتلاعب ذكي و خفي بالمعلومات و توجيهها لخدمة عقيدته و تدليس التاريخ حتى القريب منه بالأكاذيب المضللة و الخرافات العنصرية و البراهين المشبوهة. و نحن انتظرنا حلول عام 2020 لنستعرض التقرير و نلمس مدى اعتماد خبراء المخابرات الأمريكية على المعلومة و توظيفها لفهم الحاضر و استشراف المستقبل. لخص التقرير أبرز ملامح العالم على أعتاب سنة 2020 كما يلي: 1- العولمة تصبح حقيقة ملموسة و مؤثرة على الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية والاتصالية و لا رجوع عن مكاسبها، لكن العالم سيكون أقل تمحورا حول الغرب و قيمه ومصالحه. 2- يتعولم الاقتصاد العالمي بفضل اتساع مجالات التجارة الإقليمية و الدولية. 3- ستشمل التكنولوجيات المتقدمة كل المؤسسات و الشركات الكبرى و المتوسطة، وتتوارى تقريبا كل الوسائل التقليدية للاتصال مثل البريد و الهاتف الثابت و ستلعب الأقمار الصناعية دورا أكبر في انجاز أهداف العولمة. 4- صعود القارة الآسيوية إلى مرتبة الشريك الأول للولايات المتحدة قبل الاتحاد الأوروبي ذلك بفضل التحاق كل من الصين و الهند و قريبا اندونيسيا و تركيا و ماليزيا بالدول الصناعية الكبرى. 5- ستؤثر قلة الولادات على بلدان عريقة في الاتحاد الأوروبي وروسيا حيث تصاب شعوبها بالشيخوخة المبكرة وتفقد عناصر الحيوية والشباب. بل ستطالب ألمانيا بدخول المهاجرين من الأدمغة و الأيدي العاملة من بلدان افريقيا و اسيا و الشرق الأوسط. 6- ستكون عام 2020 مصادر الطاقة كافية و ملبية لحاجيات التنمية و الصناعات في العالم حتى في صورة اكتشاف طاقات بديلة و متجددة. 7- اتساع شبكات المنظمات غير الحكومية بشكل يضعها في مصاف اللاعبين الأساسيين في الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية في كل أرجاء العالم. 8- سيكون الإسلام السياسي قوة فاعلة و يتنامى نفوذ الإسلاميين المعتدلين بعد حل أغلب الأزمات الدولية الراهنة. 9- تحصل دول أخرى على أسلحة الدمار الشامل لكن استعمالها سيكون أكثر صعوبة بالنظر إلى الضوابط و الالتزامات الدولية الجديدة. 10- سيمتد هلال من الأزمات العرقية و الدينية ليضم شعوبا من الشرق الأوسط و آسيا وإفريقيا و ربما اندلعت حروب إقليمية محدودة الانتشار بين مكونات عرقية و دينية في دول من هذه القارات و بخاصة الهند و الصين و بورما. 11- احتمال أن تتورط دول عظمى في هذه الحروب يبقى احتمالا ضعيفا، و أقل منه احتمالا قيام حرب عالمية بالمعنى التقليدي للكلمة تاريخيا. 12- سوف ترقى المسائل المتعلقة بحماية البيئة و عودة القيم الأخلاقية إلى مصاف الشؤون الخطيرة التي تقرر العلاقات الدولية مع تزايد الوعي بإنسانية الإنسان و حقوقه و حاجياته البيئية و الروحية. 13- ستحافظ الولاياتالمتحدةالأمريكية على تفوقها و ستظل هي القوة العظمى الأولى في العالم على الأصعدة العسكرية و الاقتصادية و الثقافية و التكنولوجية. هذه الملامح الأساسية الثلاثة عشر للمستقبل حسب التقرير و لكن هناك ملامح ثلاثة عشر أخرى لما يسميه التقرير ملامح عدم الاستقرار أو النقاط التي يخيم عليها الشك أي في الواقع تلك التي لم يتفق بشأنها الخبراء الذين أعدوا التقرير، و هذه النقاط هي: 1- صحيح أن العولمة ستتسع و لكنها لن تحل معضلة الدول الأقل حظا من التنمية و سيبقى الظلم على مستوى العلاقات الدولية مصدر قلق و أزمات حادة إذا لم يقع تدارك الهوة السحيقة في التنمية بين الشعوب. 2- ستكون الهوة الاقتصادية بين الأمم سببا مباشرا في تصاعد الحركات الدينية و العرقية المتطرفة و تتأخر الديمقراطية عن مناطق كاملة من القارات الفقيرة أي آسيا و إفريقيا. 3- سينطلق سوء تفاهم بين مناهج الحكم بين التقليديين و الإصلاحيين في تحديد المرجعيات الفكرية للسلطة. 4- هل سيكون صعود الصين و الهند بلا منافسة مفتوحة بين هذين الدولتين أم سيحتد الجدل و التنافس بينهما في مجالات الطاقة و الزراعة و الصناعات التكنولوجية؟ 5- هل ستحل أوروبا مشاكلها الراهنة مع العمال المهاجرين المستقرين في الاتحاد الأوروبي و هل ستنجح القارة الأوروبية في الاندماج في دورة الاقتصاد العالمي مع مشاكلها القائمة بسبب العملة المشتركة اليورو و الفوارق التنموية بين أعضاء الإتحاد الأوروبي؟ 6- إلى أي مدى سيتأثر سعر الطاقة و الغاز و المواد الأولية بالمعضلات السياسية و العرقية للدول المنتجة للنفط و المعادن الثمينة و الضرورية للاقتصاد العالمي؟ 7- كيف سيتوصل المجتمع الدولي إلى إيجاد صيغ مقبولة و متفق عليها للملائمة بين دساتيرها و قيمها و بين المواثيق الأممية و الدولية فيما يسمى اليوم بالخصوصيات الثقافية و التاريخية للأمم؟ 8- هل سيحل العالم الإسلامي إشكالية تنامي ظاهرة الإسلام الجهادي؟ و مدى صمود استقرار بعض الدول المسلمة أمام المد الجهادي السياسي مع عدم حل الأزمات الإقليمية الراهنة و تحديدا في الشرق الأوسط (العراقسوريا مصر بلدان الخليج)؟ 9- هل ستتوصل بعض التنظيمات العنيفة و الإرهابية إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل البيولوجية و الكيماوية و النووية في ظل الفوضى الحالية في العلاقات بين الدول؟ 10- يتوقع سقوط بعض الأنظمة التي لم تدرك التفاعل مع التحولات الدولية و تطوير أساليب الحكم و التعامل مع المجتمعات المدنية و خاصة الأنظمة العسكرية أو شبه العسكرية. 11- ستتسبب المزاحمة حول امتلاك المواد الأولية و مصادر المياه الصالحة للشراب والري في أزمات إقليمية لن تتحول إلى صدام عالمي لكنها يمكن أن تصيب بالفوضى العلاقات الإقليمية، و قد لا تستطيع منظمة الأممالمتحدة إدارة هذه الأزمات (خاصة بلدان مجرى النيل أثيوبيا السودان مصر). 12- ربما يسير العالم إلى تصادم بين الاكتشافات التكنولوجية و الطبية و بين النواميس الأخلاقية و الدينية و بخاصة في المجال الهندسي الوراثي و الإخصاب. 13- إمكانية تقدم كبير لبعض الدول في مجال التقنيات الالكترونية لتتفوق حتى على الولاياتالمتحدة، مما يعقد قطاع التعاون بين المجتمع الدولي و هذه القوى الصاعدة. خلاصة المفكر ألكسندر أدلر: الصدام بين الغرب و الإسلام قدر العالم ! قرأنا أبرز الملامح التي يرسمها علماء مركزية المخابرات الأمريكية منذ عقدين لعالم 2020 ، لكن كاتب مقدمة التقرير يتلاعب بالنتائج و يسخرها لخدمة إيديولوجيته الشخصية عوض خدمة الحقيقة. فهو يقسم اتجاهات الإنسانية في مطلع القرن الحادي و العشرين إلى مسارين أساسيين يطلق عليهما شعارين من عنده و هما : 1- مسار دافوس. 2- مسار الخلافة. و يقول الكاتب بأن مسار دافوس هو الذي اتفقت عليه الدول المشاركة باستمرار في قمة دافوس الاقتصادية التي تنتظم كل شتاء في جبال سويسرا وهو المسار الذي يكرس نهاية التاريخ باكتساح النموذج الغربي الليبرالي أو تحديدا الأمريكي للعالم بأسره، وهو المسار الذي ينعته الكاتب أيضا بالعولمة الأمريكية التي يقبل الجميع بتفوقها و يحتضنون قيمها السياسية و الثقافية دون عقد و القبول بها وصية على مصير البشرية باتساع استعمال وسائل الإتصال الإلكترونية التي هي أساسا أمريكية. أما مسار ما أسميه الخلافة فهو المسار النقيض لمسار دافوس و الداعي إلى قيام الوحدة الإسلامية, وهنا بالفعل فان التقرير يقول في الصفحة 83 حرفيا ضمن توقعات عام 2020 بأن إمكانية قيام تنظيم سياسي عالمي خارج عن نطاق الدول القطرية مؤسس على حضارة الإسلام هي إمكانية لا بد أن نأخذها بعين الاعتبار و نقرأ لها ألف حساب. و هذا يعني بأن خبراء المركزية الأمريكية يتوقعون قيام وحدة إسلامية لكن بالمعنى الاقتصادي و الثقافي والأخلاقي الحديث كما خطط لها رجال من أمثال علي عزت بيغوفتش و نجم الدين أربكان والمفكرون المسلمون المعاصرون.
يستعرض (ألكسندر أدلر) التحولات العميقة التي تعيشها القارة الأمريكية الجنوبية منذ سنوات قليلة أي ما توقعه الكاتب في مقدمة الكتاب بأن (شي غيفارا) يستلم السلطة في دول أمريكا اللاتينية. يقول الكاتب: ان أمريكا اللاتينية سنزلق تدريجيا نحو اليسار المعادي للولايات المتحدة بثبات منذ العام 2003، فالبرازيل ربما سيوصل للحكم الاشتراكي (لولا)، و الأرجنتين لعله يوصل لسدة السلطة الزعيم البيروني الاشتراكي (نستور كيرشنار) و سيصل الى الحكم في تشيلي (ريكاردو لاغوس) الاشتراكي المتشدد و في الأوراغواي سينجح المناضل (تاباري فاسكز)، و تصاب البيرو والاكواتور بنفس أعراض الفينزويلي (هوجو شافيز) المعجب بالزعيم الكوبي و نفس التوجه نلاحظه في بوليفيا. المهم بأن قارة أمريكية متاخمة للولايات المتحدة أصبحت حمراء بفعل الانتخابات الحرة لا بفعل الثورات المرة! وهذا ما يقض مضاجع هذا الكاتب الذي يقول بأن الخطر القادم على مسار دافوس هو التلاحم بين أمريكا الجنوبية و الوحدة الإسلامية!
استعرضنا كيف تنبأ علماء أمريكان كبار يتعاونون مع الإدارة الأمريكية بمستقبل بعيد نسبيا أي بعد عشرين عاما و نحن بلغنا أعتاب هذه السنة فلنقرأ نحن المسلمين و العرب ماذا يخبأ لنا الغرب في توقعاتهم لأننا نحن أمة لا تستشرف المستقبل بعلم بل ترجم بالغيب و تتخبط دون تنسيق بينها. ولهذا السبب نبارك قمة ماليزيا الأخيرة (18-21 ديسمبر 2019) لأنها بداية عصر وعي إسلامي استعجالي و ضروري.