لما انتصرت ثورة الربيع التونسية واصبح الحكم في يد بعض السياسيين الذين اضطهدوا في عهدي بورقيبة وبن علي حمدنا الله وشكرناه وقلنا اننا سنعيش عهدا جديدا سعيدا كم انتظرناه وكم تمنيناه ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن اذ سرعان ما تبين لنا ان شؤون البلاد عامة لن تكون على ما يرام ولن تكون ايامنا وردية كما صورت ذلك وزينته لنا الاحلام فقد اطلت بوادر الخلافات الجوهرية وقامت رؤوس وقرون المناطحات السياسية منذ اول وهلة حول كتابة فصول الدستور الذي لم يخرج ولم يولد ولم ير النور حتى نفذ صبر الشعب وضج وزمجر الجمهور...ثم اطلت ازمة حكومة سي حمادي الجبالي بصفة فجئية وخرج من الحكم صامتا تاركا لمن بعده ضخامة وجسامة المسؤولية ثم اطلت بعدها ازمة حكومة علي العريض اذ لم يلبث غير قليل حتى خرج من الحكومة ايضا متعبا منهكا مريضا اوشبه مريض...ثم اطلت حكومة الصيد وقلنا لعلها تمسك البلاد بيد من حديد لكن قضي عليها هي الأخرى ايضا لاسباب غريبة غامضة لم تقنع كل عقل سليم وكل ذي راي رشيد ثم قامت بعد ذلك حكومة الشاب الطموح يوسف الشاهد وانقسم الناس بين معارض لها وبين مساند ولكن سرعان ما دخلت البلاد في ازمة توريث الحكم وتقسيم تركة السبسي بين ابنه وبين رئيس الحكومة الذين دخلا في صراع وخصومة طويلة تاريخية معلومة ومات السبسي فجاة قبل ان ينتهي ذلك الصراع وترك البلاد تعيش ازمة سياسية خانقة لا يقر لها قرار ولا يثبت في مسيرة سفينتها شراع ثم آل امر رئاسة الحكومة الى سي الفخفاخ ورئاسة البلاد الى سي قيس سعيد وكنا نظن كعادتنا اننا سنعيش اخيرا عهدا سعيدا يحقق فيه ساسة البلاد ما ينعش وما يفيد ولكن سرعان ما خاب ظن الجميع ودخل رئيس الحكومة في ازمة تضارب المصالح وفي صراع مع النهضة من قبيل لي الذراع ودخلت النهضة بدورها في صراع مع من يسعون الى اقصائها من الحكم والى سحب الثقة من رئيسها في البرلمان كما دخل رئيس البلاد في صراع مع النهضة صريح غير خفي واصبح البرلمان ورئيس الحكومة مهددين بما نعلم وبما لا نعلم من المخططات والمفاجآت في كل ساعة بل في كل دقيقة فبحيث لم تخرج البلاد من الأزمات التي لم تعرفها منذ ان نالت استقلالها منذ سنوات فالحكومات في عهدي بورقيبة وبن علي كانت والحق يقال اكثر ثباتا واكثر اتزانا واكثر فاعلية وعدد الازمات في عهدها تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة ولا يستحق ان يذكر منها غير ازمتي التعاضد وازمة العلاقة مع النظام الليبيي وازمة الخبز فاين هذا مما نعيشه اليوم وفي كل يوم من الحيرة والدهشة والشك في كل فعل وفي كل قول وفي كل امر ولا شك ان السبب في ذلك باختصار ودون تطويل ان الشعارات التي تدعي اغلب الأحزاب انها تسعى الى تحقيقها مثل الديمقراطية والحرية والعدالة ومقاومة الفساد والتعاون على قضاء شؤون العباد تخفي وراءها اغراضا وحسابات سياسية ضيقة فئوية وربما شخصية وليس فيها اطلاقا مراعاة للمصلحة الجماعية الوطنية ولا شك عندي انه مهما غيرنا رؤساء الحكومات وغيرنا معهم الوزراء حتى ولو نتجاوز عددهم المئات بعد المئات فان اوضاعنا ستبقى متازمة متالمة فقد ثبت بلا شك ان المسالة ليست مسالة رؤساء ولا مسالة وزراء وانما هي مسالة سوء في النوايا وامراض في النفوس وفي القلوب لابد ان نجد لها الدواء قبل فوات الأوان وانني اراهن فاقول لو مر على رئاساتنا وعلى وزارتنا المئات والألوف لا يتغير حالنا ولا تتحسن الأوضاع و الظروف مادمنا نضمر لبعضنا الشر والحقد والحسد غيرها من امراض القلوب واسقام النفوس وهل كذب ابوالعلاء المعري لما قال متحدثا عن امراضنا القديمة التي لم نجد الى اليوم لها الطبيب ولم نعثر لها على الدواء الذي يحقق الشفاء يا علم السوء ما علمنا ان مصليك اتقياء كم وعظ الواعظون منا وقام في الأرض انبياء فانصرفوا والبلاء باق ولم يزل داؤك الاعياء