ان موت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يطرح أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب الأطلسي عموما تحديات كبرى، أهمها على الإطلاق تأمين عدم ظهور بن لادن جديد. بمعنى آخر حتمية ايقاف كل آليات صناعة الكراهية ضد العرب والمسلمين، لأن أسامة بن لادن وكل الجهاديين في تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الأخرى التي تحارب الغربيين، هم نتاج آلة الكراهية الجهنمية التي برزت بشكل مرعب في الغرب، خلال العشريتين الأخيرتين، وتحديدا منذ حرب الخليج الأولى، وبلغ التحريض ذروته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، وبداية حملة جورج بوش الابن الانتقامية... يقول سعيد الشيخ وهو أحد المعتقلين السابقين في سجن، «أبو غريب» بالعراق، والدموع تنهمر من عينيه المنتفختين فتنساب على وجهه النحيف الذي نهشته التجاعيد، فبدا حاملا لضعف عمره الحقيقي:«لقد أجبروني على أكل لحم الخنزير وشرب الخمرة في شهر رمضان المعظم، ثم أمروني، تحت التعذيب، بشتم النبي محمد صلى الله عليه وسلم». لم يكن هذا التصريح هو الأسوأ في الشهادات المرعبة التي أوردتها صحيفة «نيويورك تايمز الأمريكية» بعد انكشاف فضيحة تعذيب المعتقلين في سجون العراق، ونقلتها أغلب وسائل الإعلام العالمية، وانما كان الأكثر دلالة والأعمق تفسيرا عن كيفية صناعة «الجهاديين». فقد حملت الوقائع التي رواها هذا المعتقل الذي أطلق سراحه لعدم ثبوت ادانته، شحنات من الحقد والكراهية والبغضاء قابلة للتفجير في كل لحظة. واذا ما اعتبرنا ان هذه الأساليب التي لجأ اليها الأمريكيون والغربيون عموما، وطبقوها بسادية قد تم اقرارها رسميا من قبل القيادات السياسية والعسكرية في البيت الأبيض والبنتاغون تبين لنا، بوضوح تام، ان الطريق لصناعة الجهاديين، او الارهابيين كما يسمونهم كانت سالكة ومؤمّنة! فمقولة «الخير ضدّ الشر» التي أطلقها، الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الصغير، وهو يتلو مقاطع مختارة من السفر القديم، وصرخة «إما معنا أو ضدّنا» التي رفعها الغربيون في الحرب على العراق وأفغانستان، كانتا النسغ المغذي للحقد الأعمى ضد العرب والمسلمين، والذي انتج ردّ فعل عنيف تمثل في ظهور فيالق من أشباه بن لادن. وفي سياق الإمعان في صناعة الكراهية المنتجة للحقد المضاد يخرج وزير ايطالي متعصب ليدعو العرب والمسلمين «الى التحاور مع القردة» ويصرخ الفيلسوف والوزير الفرنسي السابق لوكا فيري «لاتفتحوا أبواب أوروبا أمام الله»، وتتعدد المنابر المسيئة للإسلام في امريكا وأوروبا، ويتعمد قس ظلاميّ حرق القرآن الكريم، وتصدر دور النشر الأمريكية القواميس التي تقدم العربي والمسلم ك «لص» و«قاطع طريق» و«متشرد» و«جاهل» و«متهور» وتتبارى الصحف الأوربية في نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، ويتحفنا البابا بقولته الشهيرة:«الإسلام دين عنف» لاشك أن هذا المدّ الهادر من الحقد والكراهية، هو الوقود الذي يضرم أكثر ردود الفعل عنفا، ويفرّخ الجهاديين، وقد تفطن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى هذه الحقيقة في بداية ولايته الرئاسية، فحاول تغيير الخطاب الرسمي حول الإسلام والمسلمين باتجاه المصالحة ولكنه لقي صدّا عنيفا من اليمينيين والانجيليين، ليبقى الأمر على حاله. الآن وقد رحل بن لادن، هل يستخلص الغربيون العبرة من أخطائهم أما ان «محضنة» تفريخ الجهاديين ستظل خصبة؟.