مربّون لامجرمون: وقفة احتجاجية في كامل الإعداديات والمعاهد.    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    حزب الائتلاف الوطني التونسي يرشح رئيسه ناجي جلول للانتخابات الرئاسية القادمة    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة.    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    اختناق عائلة متكونة من 4 أفراد بالغاز المنزلي..    فيديو لأمني ملطّخ بالدماء ومُحاط بأفارقة: الحرس الوطني يُوضّح.    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي : حادثة إعتداء تلميذة على أستاذها بشفرة حلاقة تفضح فشل المنظومة التربوية    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    تقلبات جوية منتظرة خلال اليومين القادمين (وثيقة)    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مصر تكشف حقيقة إغلاق معبر رفح..    العاصمة: القبض على قاصرتين استدرجتا سائق "تاكسي" وسلبتاه أمواله    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    البرلمان: النظر في تنقيح قانون يتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الاطفال    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    اليوم: طقس بمواصفات صيفية    طولة ايطاليا : جوفنتوس يتعادل مع روما ويهدر فرصة تقليص الفارق مع المركز الثاني    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    إسرائيل وموعظة «بيلار»    «فكر أرحب من السماء» بقلم كتّاب ((شينخوا)) ني سي يي، شي شياو منغ، شانغ جيون «شي» والثقافة الفرنسية    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    طقس اليوم: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    تونسي المولد و النشأة... ترك تراثا عالميا مشتركا .. مقدمة ابن خلدون على لائحة اليونسكو؟    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    قوافل قفصة مستقبل المرسى (1 0)... انتصار العزيمة والاصرار    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    اليوم: لجنة الحقوق والحرّيات تستمع لممثلي وزارة المالية    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشريح كارثة ... (1-3) : إنيو


كتاب يفيض حقدا وكرها للعرب والمسلمين
تأليف: إنيو / عرض وترجمة: بشير البكر
“تشريح كارثة: الغرب” الاسلام والحرب في القرن الحادي والعشرين” هو عنوان الكتاب الصادر حديثا في باريس عن دار “دونويل”.لم تشأ المؤلفة أن تفصح عن اسمها. فوقعته باسم مستعار “إنيو”، أي إلهة الحرب عند الإغريق. وليس الاسم محض صدفة، فالكتاب دعوة للاستعداد لمعارك وحروب، وهذه المرة ليست ضد الآلهة وإنما ضد الإسلام أو الإسلامويين أو ضد الأصوليين الجدد أو ضد الإرهابيين (وكأن الاسلام وحده من يستحق هذه الصفة).
المؤلفة شخصية مرموقة في الاستخبارات الفرنسية،وهي بعد أن حصلت على دكتوراه في العلوم السياسية، مارست التدريس في الجامعة خلال سنوات عديدةُ،ثم دعتها حكومتها للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، فتولت مراكز مرموقة في بلدان ذات ثقافة إسلامية قبل أن تعود لتشتغل في قسم الاستخبارات الخارجية في بلدها منذ سنة 2002. وبهذه الصفة تعمل حاليا في منظمة دولية ببروكسل.
هجمات 11 سبتمبر شكلت تحولاً حقيقياً لمفهوم الحرب
تستهل المؤلفة الكتاب بالعودة إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر ،2001 وتقدم استنتاجا مهما، ففي رأيها إن “جهود الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا اللتين تحاربان الإرهاب عبر الحرب والقمع، ستظل غير مفيدة: فأفغانستان والعراق بعيدان عن أن يتم إخضاعهما، والراديكالية تزداد اشتدادا في حين أن القِيَم الموعودة من الغرب في نكوص في كل مكان”.
وكي تعبر عن قلقها وعدم اتفاقها مع الطريقة التي يُخاض بها الصراعُ، تحاول المسؤولة في الاستخبارات الأوروبية “تفكيك الجهل الكلي للإرهاب الإسلامي”،وتقول “إننا معزولو سلاح أمام محاربي الإسلام. وأمام مشروعهم المتناسق والشامل يُجيب الغرب بالعمى وبتشتت قواه. إلا أنه من دون توقد الأفكار والأفعال، فإن كل حركة ستظل غير ممكنة”.
يستعيد الكتاب أسس اشتغال الاستخبارات: “تأويل الأحداث والولوج في عقل العدو وإضاءة حكمنا. واليوم، إذا كان القِسم المسلح من الإسلام يستهدف الغرب، فلأن العولمة أتاحت منح بعد جديد للجهاد. لقد حان الوقت كي يفهم الأمريكيون والأوروبيون الأمر ويخرجوا من تناقضاتهم ما بين المنطق البوليسي والعسكري والحق في الأمن والدفاع عن الحريات”.
درس التشريح الذي تقترحه المؤلفة، يواجه تناقضاتنا كي يضع حدا لما يسمى بالواقعية السياسية. إنه يدعونا إلى أن نتجرأ على استخدام توجيهات استراتيجية تجديدية، حتى ولو أدى الأمر إلى تحمّل تناقضات عميقة للابتعاد عن عالم متحرك من الأفكار المسبقة.
اعْرف عدوك، ومن أجل الانتصار عليه، اعرف نفسك بنفسك.هذا هو الخطاب الذي يريد أن يقدمه الكتاب. من الأفضل أن نقبل واقع الصراع والعيش مع شياطيننا بدل التخلي عن قناعاتنا.
تقول الكاتبة “في 11 سبتمبر 2001 أقر الجميع أننا أمام حدث ذي حمولة تاريخية: لقد بدأ القرن الواحد والعشرين. وبدأ العالَم الغربي يتساءل، على الفور، حول امتدادات ما يسمى الإرهاب الإسلامي المُعوْلَم، وما هي أهدافه؟ وأية استراتيجية يجب تطويرها لاتقائه، بل وقمعه. وأي معنى يمكن أن نمنحه للحرب التي تدعي الديموقراطيات أنها تخوضها ضده”؟
وترى الكاتبة أنه بعيدا عن البُعْد المأساوي فإن هذا الحدث يعلن ويكشف في آنٍ واحد تقلبات كبيرة: تحوّل حقيقي لمفهوم الحرب، وإعادة تحديد للفاعلين القادرين على القيام بها، وتغير للإسلام وهو يُعانقُ البنيات الصاعدة لعولمة يتمّ انتقادُها، وأخيرا انقسام عميقٌ للمجتمعات الغربية في ما يخص شمولية المبادئ التي تؤسسها. إنّ العشرية 1991- ،2001 على الرغم من كونها ثرية من حيث الصراعات والجرائم والمجازر من كل نوع، لم تتح للأوروبيين أن ينحتوا مفاتيح لفهم العالم بالسرعة التي يتغير بها العالم”.
وتلاحظ المؤلفة من العديد من المؤلفات والكتب التي صدرت بعد تفجيرات 11 سبتمبر حول “الإرهاب الإسلامي” ومَصادره وطرقه وفاعليه، إن بعض المؤلفات نجحت في زعزعة يقينيات الأوروبيين والأمريكيين حول المُحفّزات والتجنيد والأيديولوجيا المسؤولة عن موجة العنف هذه.
إلا أن المؤلفة بناء على ما سبق تلاحظ أنه لا يوجد من كتاب: “حاول استثمار كل هذه المسالك في آنٍ واحد. وقد حان الوقتُ لممارسة هذا التمرين: أي (تشخيصا) يمكن أن نطلقه على عدم الإدراك السياسي والعسكري والثقافي والفلسفي والديني لما يسمى بالإرهاب الإسلامي”.
من المستحيل بالنسبة لجماعة أن ترى الأشياء كما هي عليه: فالفجوة عميقة جدا بين ما تعلمته، بقسوة، وبين ما يتوجب عليها، بشكل مفاجئ، أن تتجاهله. ومن أجل رفع هذا التحدي يتوجب التشكيك في العديد من الأفكار المُسبقة حول “صدام الحضارات” وحقوق الإنسان وتشجيع الديموقراطية وتهدئة الصراعات عن طريق الثقافة والتقدم أو التفاهم الضروري بين الشعوب.. في بحثه المكبوح عن اليقينيات المتوافرة، يُقْبل الرأي العام دائما على المسلسلات التفسيرية التي تطمئنه من خلال تجنّب كلّ حقيقة مثيرة للقلق، حتى ولو اضطر الأمر إلى إعادة كتابة التاريخ بالاستعانة بالأساطير، من أجل جعل الذاكرة في انسجام مع الصورة التي يريد أن يمنحها لنفسه عن الحقيقة. وهذه: “هي الطريق التي يتوجب على “الإنسان الشريف” أن يرفضها”.
وتضيف المؤلفة في مقدمتها: “إذا نجح هذا الكتاب، فقط، في زعزعة أسس القوانين المُؤسّسة الميديوية، وزرع الشكّ لدى القارئ وتخصيب خياله، فإنه سيكون قد كسب رهانه”.
وتطلب منا أن “نأخذ الصفحات التي تلي باعتبارها تحقيقا وفرضية تأويل لتشابك الأفكار والأفعال والأسباب والنتائج، اختيارا ممولا في الذاكرة بين ما يمتلك أهمية وبين ما لا يمتلكها.. كل شيء عدا اعتباره تفسيرا شاملا”. وتستطرد شارحة طريقتها في الكتابة: “ثمة أفعال ونصوص أو أفكار يعتبرها الكثيرون غير مجدية من قبل أغلبية المُحلِّلين سيتم، في كثير من الأحيان، اتّباعُها وتفضيلُها مقابل ثمن بعض التبسطيات التي سيكون لبعض المتخصصين أريحية عدم القسوة علينا باعتبار أن المُؤلَّف يتوجه إلى جمهور واسع”.
تبدو الكاتبة قاسية جدا نحو الغرب، ويظهر الأمر حين تكتب، بصفة صريحة: “إن مفاجأة 11 سبتمبر تُعادل عمى الغربيين منذ انهيار المعسكر السوفييتي”. وهنا تطرح سؤالا واضحا: “أَلَمْ يُصبح الإرهابيون الذين يزداد تنظيمهم ويزداد طموحهم ويقفزون على الجنسيات والحدود، طليعةَ المُحاربين، مُتحدّين الدول الأمم الغربية؟”.
وإذا كانوا مسلمين، فإنه ليس من الوارد أن نجعل من الاسلام فزّاعة لورثة الحروب الدينية ولا جماعة مأخودة بالسلام بفضل تجاور روحي مع اليهود والمسيحيين، ولكن بأن ننظر إليهم كما هم، أو تحديدا اكتشاف وجهه الجديد على طول تطور الأفكار السياسية والدينية، الذي أصبح ثريا، بشكل خاص، منذ أواسط القرن التاسع عشر. وبالفعل، كما ترى الباحثة، أن ثمة مدرستين للتفكير تتعارضان منذ عدة عقود في أوروبا وأمريكا لتأويل قفزات العالم الإسلامي. المدرسة الأولى، هي وريثة لمستشرقي القرن التاسع عشر، تفضّل صورة إسلامٍ أبدي لا يتزحزح. وقد دفعت عقولا، أحيانا متريّبة، لإبراز بورتريه مسلم خطير بالضرورة وهو يُطبّق الكلام القرآني الذي ينادي بالحرب ضد الكفار. وقد استمد المحافظون الجدد الأمريكيون في بداية القرن الواحد والعشرين فهمهم عن الإسلام من هذا التيار- وهو فهم تقريبي إلى درجة أن قراءتهم لنصوص الفلسفة السياسية والتاريخ أو الإسلامولوجيا يبدو، بشكل خاص، مُصْطَنَعا.
أما المدرسة الثانية، التي تتغذى من السوسيولوجيا والإثنولوجيا،فهي ترفض فكرة إسلام واحد ولا تأخذ المسلمين كما هُم، في اختلافاتهم المدروسة محليّاً، وتذهب إلى درجة إنكار وجود الإسلام باعتباره حضارة.
وإزاء تطور الحرب وفاعليها، من جهة، والإسلام بصفة عامة والجهاد بشكل خاص، من جهة ثانية، تبدو ردود الفعل الغربية مشتتة. ولكن جهلَهُم لهذه الظواهر، بنفس قدر انتشار النموذج الإرهابي، هو جزء لا يتجزأ من إعادة تكوين العالم عن طريق العولمة والتشجيع على المجتمعات المدنية والتعليم الجماهيري.
إن رفض فهم هذا التشكّل الجديد يفسّر لماذا لم يتمَّ استثمار سُبُل المقاومة في مواجهة “الجهاد”. وتراهن المؤلفة كثيرا على أهمية كتابه وأهمية الدروس التي يمكن الاستفادة منها: “إن هذا الكتاب هو تحدٍّ لعقلية مجتمع استهلاك الأفكار ذاتها”. إنه، أي الكتاب (ودائما في نظر المؤلِّفة) “يمنح الوقت الكافي لكل خلاصة حتى تلد أسئلة جديدة وحتى نَضَع، من جديد، ما تعلمناه خلال بعض الفصول قبل التقاط التعاليم المُستمدَّة بوقت مبكّر للتقدّم من جديد”. وتضيف متحدثة عن كتابها: “إنه، بطريقة ما، يتضمن عدة كُتب في كتابٍ واحد، وهي كلّها، مع ذلك، ضروريةٌ لفهم الآخرين ولتحديد الأفكار المغلوطة التي تمنع الغرب الأمريكي والأوروبي من تفكيك العوالَم التي يزدهر فيها عدوُّها وفي تشكيل حلول يتوجب اختراعها لمواجهته”.
إن تأمُّلَنا، تقول الكاتبة، يطرح، قبل كل شيء، سؤالا أوّليا، ولكنه جوهري، في فصوله الثلاثة الأولى: إذا كان الإرهاب، منذ ولادته، هو عدو الدولة، فما هو ردّ دولة القرن الواحد والعشرين الغربية؟ هل يمكن للإرهاب الدولي أن يكون الشكلَ الذي ستكون عليه الحربُ في القرن الواحد والعشرين؟ وقبل أن نَلِجَ في تفاصيل الاستراتيجيات والتكتيكات الإرهابية، أو، بالتحديد، من أجل تجنب الولوج فيها، ألاَ يتوجب أن نتساءل عن ماهية الحرب؟
الجواب، في نظر الكاتبة، سيكون مُحدِّداً لأن الديموقراطيات لا يُمكن إدارتُها بنفس طريقة المُجرمين والمُحاربين. هذه المساءلة تفرض نفسها قبل دراسة أي علاقة تربط الإرهاب الإسلامي للقرن الواحد والعشرين مع سابقيه وكيف أن الدولة الغربية، التي بدأت تفقد احتكار الحرب الكلاسيكية، يتوجب عليها حماية مواطنيها ضد الإرهاب.
الفصول، الرابع والخامس والسادس، تسجّل وقفة مع نتائج الفصول السابقة. قبل مواجهة العقائد الإسلامية للحرب مع الإرهاب باسم الإسلام، هذا إذا افترضنا معرفة أسس هذه العقائد. إنّ تذكيرا بتاريخ الإسلام ضروري جدا، قبل توضيح المفاهيم المختلطة في معظم الأحيان للتصوف والإسلاموية والأصولية. وسيكون، من الآن فصاعدا، ممكناً طرح السؤال التي يتم إغفاله، بشكل منتظم، في تحليلات الإرهاب: مكانة الدولة في الفكر الإسلامي ووضعها في نظر صنوها الغربي. في هذه الشروط، وحدها، فإن دراسة مفهوم الجهاد تأخذ معناها، على ضوء ما تعلمناه من الحرب “على الطريقة الغربية”، التي تخوضها، بالتحديد، الدولة.
إذا ما قادت دراسة غير “استشراقية” للعالم الإسلامي إلى توضيح اختلافها، فإنه ليس من سببٍ كي لا نرى نفس الأمر فيما يخص الغرب، الذي يُنظَر إليه كَكُتلة معادية، في غالب الأحيان، في العالم الإسلامي. إنه دور الفصلين السابع والثامن. الغربُ هو، في آن واحد، مُماثلٌ ومختلفٌ، في المدينة. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال عُرضة لسوء فهم جذّاب في العالَم الإسلامي. توجد إذاً طريقتان كبيرتان في أن تكون “غربيا”: الأوروبية والأمريكية، بِقِيَم مشتركة أساسية وبتعارُضات، غير قابلة للاختزال أحيانا. البعض منها مثل البعض الآخر تفسّر اختلاف التعامُل الذي تكرّسه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وهو اختلافٌ منغرسٌ، بشكل عميق، في الطريقة التي يَستقبلون بها (أو يُحسّون بها، بشكل خاص بالمسلمين) المسلمين على أراضيهم.
وفي الأخير، فإن الفصلين الأخيرَيْن يستطيعان التساؤل حول الطريقة التي تُواجِه بها الديموقراطياتُ التعدديّةُ الإرهابَ الجديد.
في البداية، على الصعيد الفكري لأن عالَمَها الخاص التقني والمادي يُقنع، في كثير من الأحيان، الأمريكيين والأوروبيين، بأنهم يتلقون هجمات مُعتَدين قروسطويين في تصوَرهم عن العالَم. ثم، على الصعيد العملي، وبسبب هذا التفكير، فسيكون من الممكن التساؤل حول أية حرب يمكن للغربيين أن يخوضوها كي ينتصروا، وبأي ثمن، على أعداءَ جعلَهُم الإسلامُ الجديدُ غير متأثرين بالخوف من الموت.
الحرب ماتت
هذا هو عنوانُ الفصل الأول. وهو مثيرٌ. وتبدأه المؤلفة بمقولة ل”ويليام شيرمان”، يقول فيها: “الحرب هي الجحيم”. وترى أن تاريخ 11 سبتمبر 2001 يسجل الولادة الحقيقية للقرن الواحد والعشرين، مثلما يعتبر تاريخ آب/ أغسطس من سنة 1914 ولادة حقيقية للقرن العشرين. والبعض يرى، في نظر المؤلف، “أن بعد الحرب ضد الإرهابيين الإسلامويين بدأت، كما لو جاءت لتمنح مصداقية للقائلين ب”صدام الحضارات”،وتعتقد المؤلفة أنه “إذا كانت حرب الخليج أقنعت العالم، وبشكل خاص إيران وكوريا الشمالية، بأن امتلاك السلاح النووي هو وحده الذي يجعل، بفعالية، الولايات المتحدة الأمريكية تتردد أو تتراجع، فإن حرب كوسوفو برهنت على أن امتلاك السلاح التقليدي الأكثر قوة لا يثبط في شيء من عزيمة المحاربين “الكلاسيكيين”. فالحرب التي تسمى ذات الحدة المنخفضة، بأسلحة لا متماثلة وغير متناسقة أي من دون تناظر كمي وكيفي بين المتحاربين-، أصبحت الوسيلة الوحيدة التي تتيح للضعفاء تحدّي القوى العظمى، وتحديدا لأن الغربيين أبانوا عن تفوقهم الذي لا جدال فيه في ميدان الصراع التناظري.
وتقول ان الفكرة الغربية الأولى، في السياق الاستراتيجي ما بعد سوفييتي، تتضمن وضع حدّ لانتشار الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية. ولكن كما ترى الكاتبة فإن “امتلاك إسرائيل للسلاح النووي لا يطرح أدنى مشكلة لأي غربي، بينما فيما يخص إيران فإن الاستراتيجيات يمكن أن تفلت من المنطق العقلاني”. ولذا كان على أمريكا والغرب، بعد تفجيرات 11 سبتمبر، أن يأخذ بالحسبان انبثاق إرهاب جماهيري، وهو ما جعله يُحيي من جديد هذا المكوّن الجوهري لوضعية “الحرب والسلام”، والتي يصبح فيها كلُّ فرد عدوّاً يمكن أن يُضْرَب من قبل خصم غير مُحدَّد: ها هو القلق الدائم، القلق إزاء المجهول الذي يحمله المستقبلُ، في تعارُض مع الحرب الباردة، وهو قلق يمكن التحكم فيه بعقلانية إزاء تهديد مُحدَّد.
حرب العولمة
إذا كان الرأي العام السائد في الديموقراطيات الغربية، كما ترى الكاتبة، يجعل على الفور من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إرهابيا وليس محاربا، فلأنها لا تجرؤ على استخلاص كل النتائج من تطور الحرب وقواعدها، التي ساهمت فيها بقسط وافر. لا يتعلق الأمر بأن نجعل من (بن لادن) منتوج تطوّر بنيوي من أجل تبرئته من كل مسؤولية عن المجازر التي دعا إليها من أعماقه أو ساهم في تنفيذها. ومن المهمّ بالأحرى التساؤل حول ما إذا كان (بن لادن) أول من فهم ما أصبحت عليه حرب القرن الواحد والعشرين، وخوضها وفق صيغ جديدة. بعد ثلاثة حروب عالمية، بدأت حرب العولمة، حيث يبرهن بن لادن من خلال وجوده “على أن هذه العولمة نجحت، وأنه، وهو الفردُ، مع بعض أنصاره، يستطيع، من الآن فصاعدا، أن يهاجم بلداً ويتحدّاه ويضربه في لحمه وفي كبريائه”. وتقول لقد تصرف بن لادن، بحصافة، وهو يعلن مبكّرا، من سنة 1988 أنه أعلن الحرب على الولايات المتحدة وأنه سيعلن الجهاد ضد المصالح الأمريكية في العالَم. وترى “إن هجمات 11 سبتمبر هي فعل حربي حقيقي. وأمريكا من خلال ردّها بالحرب في أفغانستان، تجيب بأنها فهمت الخطاب”.
وتتساءل “أَلَمْ يصبح كلّ رجل مسلح، من دون أُمّة ولا لباس حربي، محاربا قمينا بالاعتراف؟
لا يبدو أن أمريكا تخرج رابحة من هذه الحرب التي أرادها بن لادن. وتفسر الكاتبة الأمر بالقول: “إن حملة أفغانستان سنة ،2001 عشية تفجيرات 11 سبتمبر، تتيح مؤقتا طمأنة العسكريين الذين يعثرون من جديد على فعالية “المدافع”. إن اقتران الغارات بعمليات تقوم بها قوات على الأرض يمكنها تأمين انتصار على عصابات مسلحة، ولكن مقابل تشكيك عميق في التقاليد العسكرية الغربية، بل وحتى مقابل تواطؤ مع المحاربين المحليين، مهما كانت قسوتهم. وقد رأينا لجوء الأمريكيين إلى محاربي كوسوفو الألبانيين لطرد الصرب من كوسوفو في سنة ،1999 كما لجأ الأمريكان إلى قوات تحالف الشمال الأفغاني ضد الطالبان سنة 2001”.
وتقول الكاتبة ان المثال العراقي واضح على أن الحرب التي تتقنها أمريكا لا تكون مفيدة وناجعة بشكل دائم”.أثناء الحرب على العراق، سنة ،2003 واظب الأمريكيون في خيارهم على تلاؤم بين الضربات بالغة الدقة والقوات الخاصة على الأرض. ومن دون ادّعاء تحقيق “صفر قتيل”، التي كان الأمريكيون يحلمون لها في سنوات التسعينات من القرن الماضي، فإن هذه الاستراتيجية فرضت نفسها كحرب كلاسيكية على الطريقة القديمة، تصبو إلى الكمال في ما يخص الأهداف المحققة والخسائر البشرية التي تم التقليل منها. ومن هي القوة العالمية التي تستطيع فعل ذلك، غير الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولكن على الرغم من كل شيء، فإن الأمور لا تسير كما يُراد لها، وذلك لسبب بسيط: “العدو الذي كان إلى وقت قريب مكوّن على الطريقة السوفياتية، والذي استفاد من درس هزيمته سنة ،1991 اختار تحويل ضعفه إلى قوة، والتخلي عن كل القواعد (العسكرية). في سنة ،2003 خاض الأمريكيون الحرب الكلاسيكية تحت شكل بالغ الحداثة، وهي حرب مصممة على هدف واحد وهو قلب النظام البعثي. فانخرط العراقيون في حرب عصابات من دون التردد في اللجوء إلى إرهاب القنابل البشرية، وهي طريقة صراع وجدت دعم العالم الإسلامي منذ سنوات التسعينات”. وتخمن المؤلفة بأنه “يبدو بأن قوة بن لادن وأنصاره آتية من كونهم أعادوا الحرب إلى قوانين قديمة وطرق تصوَّرَ الغرب الما بعد حداثي أنه تجاوزها.فزعماء حرب ومدنيون مسلحون، من جهة، وجيوش نظامية وساسة المدافع من الجهة الأخرى: لقد قامت الحرب بخطوة كبيرة إلى الوراء نحو بنيات قبل- حديثة، على الرغم من التطور التكنولوجي. لقد انتهت الحرب السياسية والعسكرية”. وتغيرت الأشياء إلى درجة أن المؤلفة تقول: “إذا كان تاريخ 11 سبتمبر هو تاريخ ولادة القرن الواحد والعشرين، فإن هذا القرن هو موجَّهٌ كي يكون قرن حرب الجميع ضد الجميع”.
حرب الجميع ضد الجميع، ليس أقوى من هذه النتيجة. “إن 11 سبتمبر هي أول معركة كبرى من حرب غير متماثلة من الناحية الأخرى للدول ولجيوشها، من حرب على صورة الإنترنيت، من دون أراض ومن دون جبهات ومن دون أعلام”.
تستعرض المؤلفة العديد من النظريات الحربية الغربية والأمريكية والصينية، ولكنها تصل إلى القول إنّ: “بن لادن لم يقرأ النظريات الأمريكية والصينية، ولكنه أدرك أن التكنولوجيات الخفيفة واللوجستية الأكثر رشاقة كانت أوراقا رابحة محددة من أجل جعل عمله غير مرئي وفعّالا”. وترى إنّ مثل هذه الحرب هي من الجدّة إن من جانب الفاعلين أو من جانب أشكالها، بحيث إنّ معاصريه يصل بهم الأمر إلى التساؤل حول ما إذا حدثت، بالفعل، هذه الحربُ.
والخلاصة الصارمة في هذا الفصل هو: “الحرب، في القرن الواحد والعشرين، لم تَعُد تُحدّدها الأهداف التي نعزوها لها، ولكن تحددها الموارد التي يمتلكها المُحاربون- والمورد الديني مَعينٌ لا ينضبُ”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.