بعد القرار المنفرد الذي أقدمت على اتخاذه دولة الإمارات العربية المتحدة بإرجاع العلاقات مع دولة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية وما خلفته نية التطبيع هذه من ردود أفعال غاضبة واستنكار واسع شعبي وسياسي، وبعد اللبس في الموقف الرسمي للدولة التونسية وما نتج عنه من صدمة وحيرة بعد اعتبار عملية التطبيع التي قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة و إرجاع علاقاتها مع الكيان المحتل شأنا داخليا يهمها ويخصها هي وحدها، خرج الدبلوماسي المحنك ووزير الخارجية السابق "أحمد ونيس" ليوضح الكثير من المسائل ويضع الموضوع الذي أحدث كل هذه الضجة وهذا اللغط في إطاره السياسي والتاريخي ويتولى تدارك ما حصل من أخطاء في الخطاب السياسي الرسمي. يعتبر أحمد ونيس أن حصل ما حصل حتى الآن ليس اتفاقا وإنما بيانا مشتركا بين ثلاث دول هي الولاياتالمتحدةالأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة نعتبرها خارجة عن النظام الدولي وهي إسرائيل أما عن مسؤولية الإمارات فيما يتداول من قرار التطبيع فالمهم الذي علينا أن نوضحه ونؤكد عليه هو أننا نشترك مع دولة الإمارات في مشروع عربي تم وضعه بالإجماع مع الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية والتي نشترك معها هي الأخرى في خطة سلام قوامها ما حصل في إحدى القمم العربية من إجماع حولها وروحها كلمة شرف عربية ومضمونها شروط مفروضة على دولة الاحتلال وإلى حد اليوم لم يحصل أي اتفاق جديد ينهي ما اتفق عليه سابقا. ما حصل هو صدور بيان مشترك يعد بفتح مفاوضات بين دولة الإمارات العربية المتحدة التي هي عضو في الجامعة العربية وفي المؤتمر الإسلامي وإسرائيل في موعد تم تحديده تتضمن ست أو سبع اتفاقيات قطاعية تهم مسائل تنموية علمية واقتصادية وتجارية ومالية وهذا حقها ولكن أملي أن تحترم دولة الإمارات العربية المتحدة عندما تشرع فعليا في المفاوضات وهي جدية وخطيرة الاجماع الذي هي عضو فيه ومنه وهذا الإجماع يضع خطة للسلام بين الدول العربية وإسرائيل تنص على أن الإجماع العربي لا يعترف بإسرائيل ولا يقيم معها علاقات تطبيع طبيعية و قانونية إلا عندما يحترم هذا الكيان جملة من الشروط القانونية والأدبية حتى ترفع هذه الشروط وهي أن يوقف الاحتلال الإسرائيلي بناء المستعمرات وأن يخلي تلك التي قام بتشييدها وأن يطبق ما يهم القدس ويلتزم بحدود 4 جوان من سنة 1967 ويتخلص من سياسة التمييز العنصري التي يمارسها على الإنسان الفلسطيني باسم الدين اليهودي ومن الجانب الإماراتي فعليه أن يشترط حينما يشرع في المفاوضات أن تحترم إسرائيل خطة السلام العربية وعندما يتحقق كل هذا ونضمن موافقة إسرائيل على هذه الخطة حينها فقط نقول مرحبا بهذا الاتفاق. ما هو معلن إلى حد الآن والذي أعلمه هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد اشترطت على إسرائيل أن تعدل عن برنامجها بضم بعض الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وما قاله ناتنياهو ردا على هذا التصريح الإماراتي بتكذيبه ليس غريبا لأن الاسرائيين تعودوا أن لا يلتزموا بما تعاهدوا عليه ولدي معلومات من أن المسؤولين الأمريكان قد استمعوا إلى ما قاله الإماراتيون ووافقوا عليه ولكن هل يتحقق هذا الكلام أم لا ؟ للجواب عليه نبقى ننتظر حتى موعد المفاوضات الحقيقة حينها تبرز الحقيقة. ولكن ما حصل من كسر للإجماع العربي بخصوص القضية الفلسطينية من طرف دولة الإمارات العربية المتحدة هل يعد شأنا إماراتيا داخليا لا دخل لنا فيه ؟ أم هو أمر خطير يهم القضية الفلسطينية ويهم تونس باعتبارها شريكا في الموقف الموحد الذي اتخذ في خطة إحلال السلام ما يجعله شأنا عربيا ؟ اعتقد أنه يجب أن يكون هناك إلتزام بين دولة الإمارات التي سوف تفتح مفاوضات قريبة مع الكيان الصهيوني وبين الدولة الفلسطينية التي تحضى باعتراف إماراتي وإذا لم تحترم الإمارات هذا الالتزام حينها تكون هذه الأخيرة قد قامت بالاعتداء على القانون الذي يجمعنا والاتفاق الذي يربطنا ويربط كافة الأعضاء في جامعة الدول العربية وفي المؤتمر الإسلامي وحتى أعضاء في الأممالمتحدةوتونس لها ضلع في هذه المسؤولية بحكم اشتراكها مع دول عربية أخرى منها دولة الإمارات في شروط خطة السلام. وما نعنيه بالسلام الذي اتفقنا عليه وأجمعنا عليه هو أن لا تتولى إحدى الدول في هذا الإجماع العربي بمفردها وبقرارها الخاص القيام بمفاوضات مباشرة ودون عودة إلى الإجماع العربي مع الكيان الصهيوني فهذه هي نظرتنا في تونس. فنحن مثلا لم نجر مفاوضات منفردة مع دولة جنوب إفريقيا العنصرية لما كانت تطبق التمييز العنصري واليوم إسرائيل تمارس التمييز العنصري لا فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكن هي تمارسه حتى داخل الكيان الغاصب ضد مواطنيها من كل الجنسيات. أما عن الموقف التونسي الرسمي الذي أغضب الكثيرين فقد قرأت موقفا لمجلس نواب الشعب الذي أصدر بيانا بالمناسبة وعلمت بحصول مظاهرة شعبية احتجاجية تندد بما عساه أن يحدث ويؤثر على القضية الفلسطينية جراء هذا الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي وهذه أعمال وتحركات تشرف التونسيين ولكن هذا في اعتقادي غير كاف لأن التحرك التونسي بخصوص موضوع التطبيع المرتقب يجب أن يكون أهم من ذلك ويجب أن يكون معلنا وواضحا. ما يحصل غير مطمئن وهو مهدد للإجماع العربي وسياقه الذي حصل فيه يتزامن مع ما أسماه أحمد ونيس " بطلقات " أخطر من هذا التطبيع يصل إلى دولة السودان التي قام قائدها العسكري الرمز خلال شهر فيفري من السنة الحالية بمقابلة ناتنياهو وهذا مستغرب من دولة مثل السودان التي قامت بها ثورة ديمقراطية أن تربط علاقات مع الكيان الغاصب بمفردها والأخطر أن يبرر هذا اللقاء تمهيدا لإمكانية التطبيع . وما تقوم به القيادة السياسية الإماراتية اليوم من اتصال منفرد مع الكيان الصهيوني لإرجاع العلاقات هو مخالف لسياسة الشيح زايد آل نهيان الذي كان يعتبر دولة اسرائيل دولة غير ديمقراطية ودولة غاصبة. وأنهى أحمد ونيس حديثه بقوله : اذا لم تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بما تم الاتفاق عليه عربيا فإن تصرفها هذا يعد عارا في وجه دولة عربية وغير منتظر من سلالة شيخ زايد وهي بذلك تعرض الجميع إلى الخطر لأن القوس المهدد للأمن العربي لم يعد بعني حلفاء إسرائيل بل أصبح القوس الثاني الذي يصل إلى دول الخليج وإلي السودان وغيرها واعتقد أنه على تونس التي تحتل اليوم المنصب العربي الوحيد في مجلس الأمن لسنة 2020 و 2021 أن تلعب دورا أكثر وضوحا ويحتم على رئيس الجمهورية أن يدفع في اتجاه احترام الخطة العربية لإحلال السلام العربي الاسرائيلي التي نحن جميعا ملتزمون بها وأن يوضح للرأي العام التونسي والعربي معالم الطريق لأننا ننوب العرب جميعا.