كيف ينظر الغرب، وخاصة أوروبا، الى الثورات العربية ومساراتها الراهنة والمستقبلية؟ هذا هو السؤال الذي يتبادر الى الاذهان في الاوساط الفكرية والسياسية، ويحاول العديد من المختصين الاجابة عنه من جوانب مختلفة، وطبقا لمرجعيات ايديولوجية ومصلحية متعددة. المسألة لا تتعلق، في جوهرها، بالنظرة الانطباعية العابرة أو المواقف المنبرية، وإنما بمدى قدرة البلدان الأوروبية وأمريكا على مساعدة البلدان العربية التي اختارت التحرر وارساء انظمة ديمقراطية متطوّرة. وهذه المساعدة التي نتحدث عنها ليست أقوالا، بل أفعالا، بمعنى أنها لا تُختَزَل في التصريحات الديبلوماسية والبلاغات الاعلامية والتنويه الجماهيري والنعوت والأوصاف الرومانسية ك«ثورة الياسمين» و«عودة الفراعنة» و«ربيع العرب» وإنما يجب أن تتأكد وتتجسم عبر المبادرات الفعلية والبرامج الانمائية، والمساعدة اللوجستية، والخبرات، وخاصة في ميادين التنمية الشاملة والنهوض الاجتماعي والتكوين المعرفي والدّربة الديمقراطية والتربية على ثقافة حقوق الانسان. فلا يكفي أن يقف أعضاء الكنغرس الامريكي منوّهين بشجاعة الشعب التونسي، أو أن يصدر الاتحاد الأوروبي البيانات الداعية لحق أبناء الأمة العربية في التمتع بفضائل الحرية، وجنوحهم المشروع نحو الديمقراطية، وإنما يتحتم ان تصاحب هذه المواقف أفعال تمكّن هذه الشعوب من انجاح ثوراتها والوصول بها الى شواطئ الحرية والكرامة والرفاه. وإن كانت المسؤولية الاساسية في إنجاز هذه المهمة المصيرية، تبقى من مشمولات الشعوب التي صنعت ثوراتها دون مساعدة من أية جهة خارجية، فإن مقتضيات العولمة، في مفهومها الايجابي، تستدعي اطلاق مبادرات دولية داعمة من الولاياتالمتحدةالامريكية، باعتبارها القوة الاكبر في العالم، ورافعة شعار الحرية والديمقراطية، ومن أوروبا التي ترتبط مع أغلب الدول العربية الثائرة برباط الجوار، عبر البحر الابيض المتوسّط، ومن مصلحتها الاستراتيجية أن تعمّ الحرية والديمقرطية والأمن الاجتماعي والرفاه جيرانها العرب. فالتوتّرات ومظاهر الفوضى، والانهيار الاقتصادي، والانخرام الاجتماعي في بلدان جنوب المتوسط من شأنها أن تؤثر تأثيرا سلبيا بالغا على شعوب الضفة الشمالية وتهدد استقرارها وأمنها ومصالحها الاقتصادية. فبعد الحرب العالمية الثانية تأكدت الولاياتالمتحدة من أن مصلحتها تكمن في نهوض أوروبا من تحت ركام الدمار بأقصى سرعة ممكنة، فكان «مخطط مارشال» الشهير، الذي أعاد القارة العجوز الى المسار التنموي السليم، وإن من مصلحة الولاياتالمتحدة، أيضا، ان يعود الارخبيل الياباني قويا اقتصاديا لمواجهة المدّ الشيوعي في القارة الأسياوية، فكانت المساعدات المكثّفة التي تم ضخّها في الاقتصاد الياباني، الذي سرعان ما استعاد عافيته، وبعد انهيار الاتحاد السفياتي أغرق الاتحاد الأوروبي، بلدان أوروبا الشرقية المتحررة، لتوّها، من هيمنة المعسكر الاشتراكي، بالمساعدات والمشاريع الاستثمارية، حتى يؤمن الاستقرار والرفاه في القارة بأكملها. إن هذه التجارب الناجحة من شأنها أن تكون حافزا للولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الاوروبي، على المبادرة بمساعدة البلدان العربية المتحررة من الديكتاتوريات، وضمان ارتقائها الى مستوى تحقيق أهداف شعوبها، لما في ذلك من مصلحة للجميع. فاستقرار وأمن ورفاهية أوروبا، مرتبط، في جوانب عديدة وأساسية، بنجاح التجارب الديمقراطية الناشئة في البلدان العربية.