قد لا يمكننا وصف ما يحصل اليوم بالساحة السياسية في ربوعنا بالأمر العادي أو حتى بالهيّن اذ يبدو أن كل المؤشرات تؤكد عكس هذا وتعني لنا أن المشهد السياسي عندنا اليوم يعاني من اضطرابات وربّما من تعكرات قد لا يعلم سرّها الا الله. صحيح أن المرحلة الانتقالية التي نعيشها قد تفرض بعض التوترات على هذا المشهد وعلى هذه الساحة بأكملها الا أنها لا تعني بالضرورة أن نعايش مثل أوضاعنا الحالية.. والتي يفهم القاصي والداني والكبير والصغير أنها تتميز بكثرة التناقضات وبالضبابية المطلقة وتغلي تماما مثل «الطنجرة» ولعلها قد تهدد بالانفجار. أقول هذا.. بصفتي واحد من أبناء هذا الشعب الكريم.. والذي قد لا يعنيه الحديث عن السياسة أكثر من الحديث عن حاجياته اليومية وعن تمكينه من العيش بسلام في بلد آمن وأمين. وأقوله لأنني واحد ممّن أصابهم الاحباط وبدأ اليأس يتسرّب الى قلوبهم بسبب ما يحصل ولأنني واحد ممّن هدّتهم الحيرة فعجزوا عن التوصل للأجوبة اللازمة عن كل التساؤلات التي يطرحها. وأبدأ بوصف بعض ما نشاهده ونلحظه اليوم على الساحة السياسية من مظاهر مازلنا نتابعها بحيرة مطلقة وبذهول كبير لأننا لا نفهم فيها ولا في أسبابها ولأننا لا نعرف نتائجها بل إننا عاجزون عن التكهن بما يمكنها أن تفعله بنا وبمصيرنا وبمصير أبنائنا من بعدنا. ساحتنا السياسية تعج اليوم بالتناقضات وحتى ببوادر وبعلامات المشاحنات والمناورات. وأحزابنا السياسية قد بدأت بعد وقبل انطلاق الحملات الانتخابية في خوض غمارها وأقصد هذه الانتخابات أو لعلها قد بدأت «بشن» حملاتها من أجل التأكد من نجاحها في هذه الانتخابات. والاختلافات بينها قد بدأت تطفو على السطح وتظهر جلية من خلال تكاثر هذه التصريحات والتصريحات المضادة. و«شحمة» المجلس التأسيسي قد بدأت تبدو لبعض العيان أو لعل بعض هذه العيان التابعة لبعض الاعيان قد وقعت على هذه الشحمة فأعجبتها وهامت بها وسال لعاب أصحابها من أجلها. وموعد الانتخابات لهذا المجلس مازال بين مؤيد ورافض له ومطالب بتأجيله. وهيئات سياسية تعلن انسحابها من بعض الهياكل وبلاغات تصدر من هنا وهناك ومن هذا وذاك لتتهم ولتبرئ ولتؤكد ثم تنفي. وحديث في التراكن عن مؤامرات يقولون أن أياد خفية تحركها وكلام كثير حول تورط بعض الاطراف في نسج خيوط هذه المؤامرات وإحجام جماعي عن ذكر هذه الاطراف وعن تسميتها بأسمائها وقضايا عدلية يبدو أنها تتسيّس «وحدة وحدة» وأخرى يلفها الغموض ويتكاثر حولها التساؤل كتلك الخاصة بالوردانين والتي نسمع حولها روايات كثيرة تتناقض كلها مع بعضها البعض ولا نفهم الصحيح حولها. وأقطاب سياسية تتردد بكثرة على قصر الحكومة بالقصبة للحديث مع سي الباجي ولتخرج من هناك منوهة بقيمة سنّة التشاور ومعلنة الاستعداد المطلق للاسهام في انقاذ البلاد من وضعها المتردي والصعب. وحديث عبر قناتنا الفضائية عن الظروف الصعبة التي تمر بها تونس دون شرح أو تحليل لها لما يقصدونه بذلك. ومزابل تتكدّس في كل مكان من العاصمة نتيجة تواصل اضرابات العملة البلديين.. وحيرة بين الناس في خصوص هذه المسألة بالذات والتي يسمعون حولها كلاما جميلا تردده قناتهم الفضائية ليؤكد لهم ان مسألة أوضاع عملة البلديات قد سويت بالكامل، وأن الدولة قد قامت بواجبها كاملا فيها وأنها قد قررت ترسيمهم كلهم وعلى بكرة أبيهم ولقد أذنت «بالأمارة» بإصدار قرارها ذاك بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ كذا. في حين أن هؤلاء وأقصد الناس مازالوا يعانون من تواصل اضراب جماعة البلديات ومازالوا يصادفونهم في الشارع فيسمعون منهم من يؤكد لهم أن وضعهم مازال على حاله وأنهم لم يحققوا مطالبهم الآجلة ولا حتى العاجلة. وحديث في بعض الصالونات عن بعض السيناريوهات المستوردة لبلدنا والتي يقول عنها بعض العارفين والمتابعين انها قد صنعت خصيصا لنا في بلاد العم سام كما أن بعضها قد تمت صناعتها بفرنسا وغالبا ما يذهب أصحاب هذه الروايات الى الابعد من هذا فيؤكدون أن ما شهدته ربوعنا مؤخرا ناجم عن هذه السيناريوهات وعن رغبة صانعيها في تسويقها في بلدنا بالاعتماد على بعض عيونها من بيننا. والانترنات خدام والفايس بوك قائم بواجبه وزيادة وكلام كثير عن الحبّة والقبّة وعن البيض والدجاجة. وبلاغات رسمية تصدر متتالية لتبشّرنا بتضاعف عدد الذين تم القبض عليهم من الجماعة الهائجين المائجين والمشاغبين والمعتدين على أرزاق الناس وجل هؤلاء من الاطفال وبعضهم قد صرح بأنه يتقاضى الاموال من أجل ذلك (وهذه قد قلتها سابقا ولم يصدّقوني) وتمشيط كبير لبعض شوارعنا من أجل مواصلة القبض على هؤلاء وحالة خوف ورعب تعيشها بعض أحيائنا بالليل خاصة وشبه شلل عام يعصف ببعض الاسواق من جراء تعمد أغلب أصحاب المغازات تفريغ محلاتهم من السلع الموجودة بها والهروب بها الى أماكن بعيدة حتى لا «يليّل عليها الليل».. فتطولها ايادي العابثين وسراق الثالثة صباحا. وغموض وحيرة وتساؤل وخوف وتخوف وكلام مبهم وتصريحات شائحة لائحة لا نشتم منها غير رائحة «البولتيك» وبروتوكولاته وهمز ولمز وغمز وإشارة من هذا لا نفهمها لكننا قد نفهم أنها موجهة لذاك ورد من ذاك لا نفهمه لكننا نفهم أنه موجه لهذا. وبعضنا يتابع كل ما يحصل كالاطرش في الزفة أو حتى كالبهلول وبالمقابل فلا حديث عن التنمية في ربوعنا ولا حديث عن الصابة المهددة ولا عن العام الدراسي الذي بدأ يضيع من أبنائنا ولا عن الموسم السياحي الذي «طاح في الماء».. ولا عن الحلول اللازمة للمؤسسات المغلقة ولا عن البطالة التي تضاعفت مرات ومرات في ربوعنا ولا عن «الشهاري» التي بدأت تجف مثل ريقنا ولا عن الجماعة الذين أكلوها صحري وبحري وحصلوا على ميزانية البلد في شكل قروض ولم يرجعوها بعد أن باتوا ما صبحوا ولا حتى عن الجماعة الآخرين والذين فعلوا مثلهم فأكلوا الدنيا وتصحروا بالآخرة وعبّاو بحلالك وحرامك ومع ذلك فها أنهم اليوم يواصلون العيش بيننا مكرمين معززين مبجلين ولا يجرؤ أحد على سؤالهم: من أين لك هذا.. يا هذا أكثر من هذا فلقد نجح بعضهم في التحول الى ثوريين وانضموا الى قافلة المنظرين والمؤطرين والدعاة الى الديمقراطية في هذه الربوع. ماذا يعني هذا؟ الذي نعرفه أننا نتواجد بطم طميننا بالقرب من الحفرة وهذا ما تأكدنا منه بالاعتماد على ما يتردد بيننا من كلام وحتى بالاعتماد على بعض الخطب الرسمية. أما أن نكتشف بأننا قد فعلناها ودخلنا الحفرة بأرجلنا وأقمنا بداخلها وظللنا نحفر فيها علنا نلقى مكانا لنا يناسبنا بقعرها فهذه لم نتصوّرها يوما ولم ننتظرها اللهم إلا إذا حصلت بواسطة ممارستنا «للبوليتيك» بمعناه الشعبي المتداول بيننا والذي نطلق عليه «دڤّان الحنك» ولا نطلقه الا على الجماعة الذين يبقبقون بالفارغ. إذ نقول مثلا على من يحاول أكلنا حشيش وريش بكثرة الكلام أنه يمارس علينا «البوليتيك» أي أنه بلغة العصر وأقصد لغة جماعة الفايس بوك «يفيّس علينا».. أو حتى يضرب لنا في اللغة (وهذه سمعتها من بناتي). الشعب يريد.. «يا جماعة الله لا يفجعكم».. تحدّثنا في حلقة الأمس عن الفجعة الاولى.. والخاصة بفاتورة الستاغ.. الله لا يباركلها وقلنا أن الشعب يريد مراجعتها حتى لا «تسخط» من تبقي سليما منهh فتضيفه الى قائمة المصابين بمرض السكري. والمسألة في نظري وفي نظر الناس ليست مستحيلة اذ يكفي ان تتوفر من خلالها الارادة السياسية اللازمة فتتكفل الستاغ بها وتأذن بهذه المراجعة لتتخلص بذلك هذه الفاتورة من توابعها ومن مشتقاتها (اداءات دفوعات اخرى).. ويعود اليها صوابها. أما عن المعاليم القارة الخاصة بهذه الفاتورة فلابد من مراجعتها كذلك أقول هذا حتى نتمكن بعده من تصديق تلك «النمنامة» التي قد ظلوا يحشرون بها آذاننا والتي تؤكد لنا أن الستاغ مؤسسة عمومية ذات صبغة خدماتية وليست تجارية يعني أنها لا تتولى بيعنا كيلو الضوء بأضعاف أضعاف كلفته وكأن الستاغ لا تفعل بنا هذا اليوم (وروسكم ماهي مقصرة). وأقوله حتى اذا جاءنا من وراء الحدود من يؤكد لنا بأن كيلو الضوء في ربوعنا هو الأغلى في العالم لا نصدقه ونقول له برّه العب قدام حومتك وخلينا رايضين. وأقوله ثالثة حتى اذا طلع علينا مثلما يحصل اليوم واحد من جماعة السياسة ليلقي علينا خطابا طويلا عريضا حول أهداف الثورة التي تحققت في ربوعا وليؤكد لنا أن هذه الاخيرة وأقصد الثورة قد جاءت من أجل تحقيق ما يرغب فيه الشعب الكريم ولكي تساعده وتمكنه من العيش الكريم. قلت.. حتى اذا ما حصل هذا لا نسارع بقذف محدّثنا بالطماطم ولا نقول له: dégage.. ولا يتذكر القلماجي من بيننا ما حصل هاك العام لجورج بوش من طرف ذلك الصحافي العراقي فيحاول النسج على منواله لا قدّر الله. وأقولها في الختام لأننا قد شبعنا من كثرة الكلام والاوهام بعد أن تأكد لنا نحن أبناء الشعب الكريم بأننا لم نجن غيره. يا جماعة سامحوني قد كنت أنوي في هذه الحلقة تناول البعض الاخر مما يريده الشعب لكن يبدو أن قلبي مثلكم تماما معبّي على فاتورة الستاغ.. والتي خصصت له هذه الحلقة كذلك. على كل حال موعدنا غدا اذا ما «طفّاوناش»..