لجنة المالية والميزانية تشرع في مناقشة فصول مشروع قانون المالية لسنة 2026 فصلا فصلا    رئيس الدولة يتسلم التقرير الأولي للجنة المكلفة بإيجاد حلول عاجلة لقابس    اليوم... المستشفيات دون الأطباء الشبان بسبب فشل جلسة التفاوض...    رونالدو وماسك يحضران عشاء ترامب مع ولي العهد السعودي    سيلفي'ثمين'من البيت الأبيض يشعل الإنترنت    تأهل كوراساو وهايتي وبنما إلى كأس العالم    بالفيديو: هذا ما قاله المعلق الإماراتي على المنتخب بعد مباراة تونس والبرازيل    ترامب يقيم مأدبة في البيت الأبيض على شرف بن سلمان بحضور ماسك ورونالدو    طقس اليوم: أمطار ورياح قوية... التفاصيل    بن سلمان لمراهنين خلال اللقاء مع ترامب: أعتذر عن خسارتكم    غمراسن : تواصل أشغال ترميم قصر بوغالي واستعدادات لتهيئة مدخل قصر الفرش    ميزانية وزارة الشباب والرياضة: نواب الشعب والجهات والأقاليم يركزون مداخلاتهم على المنشآت الرياضية ورياضيي النخبة وقانون الهياكل الرياضية    بن سلمان: نُريد أن نكون ضمن الاتفاقيات الإبراهيمية    الأمن الروسي يرفع السرية عن عملاء للنازيين في الحرب الوطنية العظمى تعاونوا لاحقا مع CIA    وزير السياحة يؤدي زيارة عمل إلى ولاية القصرين يومي 17 و18 نوفمبر 2025    سوسة: بطاقة إيداع ضد طفل إثر محاولة قتل رجل مسن    قضية رحمة لحمر: التمديد في الإيقاف التحفّظي للوزير السابق مهدي بن غربية    الشوط الأول: البرازيل تتعادل مع تونس    انتخاب القائد العام للكشافة التونسية محمد علي الخياري نائبًا لرئيس اللجنة الكشفية العربية    مواسم الريح للأمين السعيدي، رحلة فلسفية في أعماق الذات البشرية    عاجل/ السعودية تعلن عن رغبتها في الانضمام لاتفاقيات ابراهام    التونسية آمنة قويدر تتوج بجائزة الانجاز مدى الحياة 2025 بالمدينة المنورة    انطلاق فعاليات النسخة الخامسة من المناظرة التونسية للمنتجات المحليّة    عمل جديد لسامي الفهري ...و هذي تفاصيلوا    عودة خدمة كلاود فلير تدريجيا بعد تعطل منصات ومواقع عالمية    المنستير: تسجيل معدّل تساقطات لا يتجاوز 9 بالمائة منذ غرة سبتمبر المنقضي (مندوبية الفلاحة)    ندوة علمية تحت عنوان " تقوية العضلات...ركيز أساسية في اعادة التأهيل" يوم 29 نوفمبر 2025 بمدينة سوسة " "    مباراة ودية - المنتخب التونسي تحت 23 عاما يفوز على نظيره الاماراتي 3-2    هل تعاني من تنميل مستمر في يدك؟ علامة خطيرة على هذا المرض    عاجل/ رصد تعويضات بقيمة 30 م د لفائدة هؤلاء..    مونديال 2026: سبعة منتخبات تتنافس على ثلاث بطاقات مباشرة في ختام تصفيات الكونكاكاف    افتتاح الندوة الدولية "الثقافة العربية والتحديات الراهنة"    قائم القروض البنكية المسلّمة للأشخاص الطبيعيين منذ بداية العام..#خبر_عاجل    قبلي: ارتفاع حجم الانتاج الجملي للتمور البيولوجية خلال الموسم الحالي    إجراءات إستثنائية لتنظيم عمليات توزيع منتوجات التمور والتفاح والقوارص والرمان والزيتون    أفلام مهرجان تيميمون للفيلم القصير: تقاطع الذاكرة والمقاومة والهوية في 47 فيلما قصيرا    مباراة ودية: تشكيلة المنتخب الوطني في مواجهة نظيره البرازيلي    عاجل/ لا امتحانات..لا "شفاهي ولاكونترول ولا سنتاز "    تونس: أطبّاء الصحة العمومية يخدموا 120 ساعة في الأسبوع بأجور تتراوح بين 1500 و1900 د    طاقم تحكيم فرنسي لإدارة مباراة تونس والبرازيل الودية    بولونيا تتجه لملحق لكأس العالم بعد الفوز في مالطا    هذا عدد التذاكر المخصصة لمباراة الترجي الرياضي والملعب المالي..#خبر_عاجل    مفزع/ 1052 قتيلاً في حوادث المرور منذ بداية السنة..!    تحويل جزئي لحركة المرور على مستوى الوصلة المؤدّية من الطريق الوطنيّة رقم 3 أ1 نحو سوسة والحمّامات بداية من الثلاثاء    تونس: أمطار هذا الشتاء ستتجاوز المعدلات العادية في الشمال    فيروس من'' الخفافيش'' يظهر في إثيوبيا: يقلق الصحة العالمية ...شنوا حكايتو ؟    فتح بحث تحقيقي بعد العثور على محامية متوفاة منذ 3 أيام في أكودة    ميزانية النقل لسنة 2026: برمجة اقتناء طائرات وحافلات وعربات مترو ودعم الموارد البشرية    واشنطن: رفض حماس لقرار الأمم المتحدة دليل على تقدمنا بالمسار الصحيح    الثلاثاء: الحرارة في انخفاض وأمطار متفرقة بهذه المناطق    الشروع في مناقشة ميزانية مهمة التعليم العالي والبحث العلمي لسنة 2026    في أول زيارة له لمصر:الفنان الأمين النهدي يحضر خصيصًا العرض الرسمي لفيلم "الجولة13"    العلم اثبت قيمتها لكن يقع تجاهلها: «تعليم الأطفال وهم يلعبون» .. بيداغوجيا مهملة في مدارسنا    الكوتش وليد زليلة يكتب: ضغط المدرسة.. ضحاياه الاولياء كما التلاميذ    تونس تتسلّم 30 قطعة أثرية بعد ترميمها في روما    المعهد القومي العربي للفلك يعلن عن غرة جمادى الثانية    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المحسن يكتب: بعد استفحالها في المجتمع التونسي: من يلجم ظاهرة العنف..؟
نشر في الصريح يوم 19 - 11 - 2020

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن إستفحال ظاهرة العنف ببلادنا أصبحت تبعث على الخوف والحذر،إذ غدت هذه الظاهرة (العنف) أحد الملامح الأساسية للمجتمع التونسي مؤخرا. تجسّمت في عنف لفظي اكتسح الفضاء العام وغيّر آليات الخطاب بين الناس، وعنف مادي يُهدّد الجميع في أي مكان .
ظاهرة العنف استفحلت في تونس حتى أصبحت هاجسا يؤرق جزءا من التونسيين الذين فقدوا الإحساس بالأمان. كما أصبح العنف عقيدة الجزء الآخر من الشعب وآليته الوحيدة للتعبير، حتى أن الأمر تطور وبلغ حد تصدير العنف إلى ساحات قتال خارجية..(بؤر توتر في كل من ليبيا العراق وسوريا..إلخ)
اللافت في ظاهرة العنف في تونس أنها امتدت على نسبة عالية من فئة الشباب،حتى أن العنف أصبح السمة الطاغية على هذه الفئة.وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر إيذانا بضرورة التحرك لتطويق هذه الظاهرة والبحث في أسباب تشكّلها وآليات تفكيكها.
في هذا السياق،كشفت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول "العنف الحضري بتونس"،أن المجموع العام لقضايا العنف في تونس تجاوز في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017 أكثر من 600 ألف قضية مسجلة، أي بمعدل 25% من العدد الجملي للقضايا. وهو ما يعكس ارتفاع مؤشر العنف بالبلاد.
وبحسب التقرير السنوى لمؤشر الجريمة العالمي الذي نشره موقع موسوعة قاعدة البيانات “ناميبو” فقد احتلت تونس المرتبة 10 عربياً و53 دولياً من مجموع 125 دولة في ارتفاع نسبة الجريمة للعام 2017،وتشمل الجريمة القتل والسطو والسرقة والاغتصاب.
بعد الثورة دخل المجتمع التونسي مرحلة انتقال جذري ليس سياسيا فقط بل الأهم اقتصاديا واجتماعيا والمعروف أن الشعوب في المراحل الانتقالية تمر بمعضلة تتعلق بالقيم والأخلاق خاصة مع ضعف المنظومة الأمنية و الدولة.
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:
هل أن تسع سنوات لم تكن كافية ليعود المجتمع التونسي لاستقراره وتوازنه؟
الجواب في العموم ان التوازن الأمني يسير بخطى ثابتة لكن هذا لا يكفي لأن المسألة لا تطرح من جانبها الامني فقط.
يمكن العودة أولا لإحصائيات تعتبر متكاملة متعلقة بالجريمة في تونس ومعدلاتها هي أرقام العام 2016 حيث تم إحصاء حوالي 59500جريمة في الثلث الاول فقط منها قرابة الألف اعتداء عنيف على نفس بشرية و92 جريمة قتل عمد .
هذه الأرقام رغم أنها مرتفعة الا ان الظاهرة تزايدت بعد ذلك رغم تحسن الأداء الأمني خاصة في 2018 و 2019 وهو ما يعني أن تزايد العنف ونسبة الجرائم ليس سببها تقصير أمني أو ضعف المنظومة بل يمكن ربط الأمر بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
يرى المختصون في علم الاجتماع أنه لا يمكن الفصل بين ارتفاع معدل الجريمة في بلادنا ومنها البراكاجات وتزايد نسب البطالة لدى الشباب وايضا الفقر فهناك فئة من الشباب او حتى الكهول يجدون أنفسهم في وضعيات مادية صعبة مع انغلاق كل امل في تحسينها فيلجؤون الى الخيارات الاسهل لكنها تكلف غاليا للمعتدي وايضا للمعتدى عليه.
من جهته،أكد المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية،أهمية تعزيز الخطة الوطنية للدفاع الاجتماعي، ودعم الإحاطة بالفئات الاجتماعية ذات السلوكيات الخصوصية، والعمل على توحيد قاعدة بيانات حول ظاهرة العنف وتوفير الإحصائيات في الغرض، بالإضافة إلى تكثيف المراقبة الأمنية بمختلف وسائل النقل، وتفعيل السياسة الجنائية في مقاومة العنف من خلال التطبيق الصارم للقانون.
ومن التوصيات التي رفعتها المصالح الأمنية، التفكير في اتخاذ إجراءات عاجلة من خلال فرض احترام القانون والتراتيب والمناشير وعدم الخضوع للابتزاز وتطبيقها حينيا في جميع الوزارات وتفعيل الدور الأساسي لوزارة التربية، وتنقية محيط المؤسسات التربوية إضافة إلى تجهيز الفضاءات العمومية تقنيا ( شبكة الكاميرا) وتفعيل السياسة الجنائية في مقاومة العنف من خلال التطبيق الصارم للقانون وكذلك تفعيل دور الأجهزة الأمنية (حرس وشرطة ..) خاصّة في المجال العلائقي للحفاظ على السلم الاجتماعية وإلزامها على العمل على فض الاشكاليات مع اقتراح تربصات عمل في المجال الاجتماعي ضمن حلقات التكوين.
أما بالنسبة للأطراف المتدخلة في المجال الاجتماعي، فقد دعت إلى إدراج برنامج الوقاية من العنف ضمن البرامج الوطنية ودعم الطب المدرسي والجامعي والوقاية من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وتنظيم حوار مجتمعي بمشاركة جميع الأطراف المتداخلة والعمل على إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف وتعزيز الدور الوقائي من خلال تطوير المشهد الثقافي والعمل على مزيد الانتداب والتعاقد مع أخصائين نفسانيين مع معالجة الزمن المدرسي لتوفير مساحات زمنية لتعاطي الأنشطة الثقافية والرياضية إلى جانب التنسيق مع المصالح الأمنية قصد حماية الطلبة المقيمين من التعرّض إلى العديد من الانتهاكات من قبل بعض المنحرفين بالأحياء المجاورة للمبيتات الجامعية خاصة في الأحياء الشعبية ودعوة كل الطلبة إلى الإبلاغ عن الحالات المرضية التي تهدد بالعنف حتى يتم التدخل العلاجي الوقائي في الوقت المناسب والتكثيف من المراقبة الأمنية بمختلف وسائل النقل وغيرها من التوصيات.
بدوره،أرجع المختص في علم الاجتماع سامي نصر تنامي ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة إلى 3 عوامل لخصها في اكتساح الثقافة العنفية سلوك الأفراد وانتشار المخدرات وغياب السياسة الردعية.
وأشار نصر في تصريح صحفي،الى أن"الجرائم تطورت اليوم لتصبح عنفية خاصة على ضوء تنامي عمليات التنكيل وارتكاب جرائم خطيرة لأتفه الأسباب”(هنا نستحضر الجريمة التي هزّت الرأي العام التونسي مؤخرا:مقتل الشاب آدم بوليفة بإحدى الفضاءات السياحية التونسية )،موضحا أن “العنف يتطور عبر 3 مراحل اذ ينطلق من سلوك أو ردة فعل فردي ليصبح في مرحلة ثانية ظاهرة اجتماعية ثم يتطور من خلال “المغذيات” ليصبح ثقافة عنفية “.
وأشار إلى أنّ تفشي الجريمة ببلادنا يعود إلى غياب السياسة الردعية في القانون التونسي منها تمتع مرتكبي جرائم السطو و”الزطلة” باجراءات استثنائية منها العفو وتخفيف مدة العقوبة، مشددا على أنه من المفروض أن تسلط على مرتكبي هذه العمليات أقسى العقوبات حتى لا يتطور سلوكهم العدواني الى جرائم ابشع.
بدوره، يقول المحامي منير بن صالحة إنّ ارتفاع نسبة الجريمة في تونس لا يعود إلى غياب الردع فالقانون التونسي يتضمن ما يكفي من الفصول الردعية ويعاقب بالسجن بعقوبات شديدة تصل إلى الإعدام في بعض الجرائم، بل يعود إلى الشعور السائد لدى كثيرين بأنّ القانون لا يطبق، وأنّ في الإمكان الإفلات من العقاب، وبالتالي يوحي أنّ السلطة ضعيفة. يضيف أنّ وجود مثل هذا الشعور لدى العموم يخلق نوعاً من الاستهتار بالجريمة التي أصبحت ترتكب بكلّ سهولة وبساطة، مبيناً أنّ “هناك جرائم بشعة ترتكب لأسباب بسيطة، فأحياناً تزهق سيجارة روح إنسان، ومن أجل مبلغ مالي بسيط قد يقتل شخص، بهدف سلب هاتف جوال قد تغتصب النساء”.
وأوضح بن صالحة أنّ انتشار المخدرات والممنوعات ساهما أيضاً في ارتفاع نسبة الجريمة، وبالتالي، لا بدّ من التفكير في إصلاح عميق نفسي واجتماعي وقانوني للجريمة والعنف في تونس. كما يدعو أيضاً إلى ضرورة إصلاح السجون التونسية التي تعاني من الاكتظاظ وقد لا تؤدي دائماً إلى الإصلاح بل قد تساهم في تكوين المجرمين.
على سبيل الخاتمة:
إن معالجة هذه الظاهرة لا يمكن اختزالها فقط من خلال ما تقوم به الأجهزة الأمنية،بل يجب على المؤسسات التربوية والدينية والتعليمية وغيرها أن تقوم بدورها المأمول في معالجة هذه الظاهرة،فهذه الظاهرة تدل على وجود ازمة ثقافية قيمية وظاهرة العنف في مجتمعنا يجب أن تعالج ثقافياً وتربوياً ودينياً وعشائرياً واجتماعياً من خلال إطلاق المبادرات الخلاقة،ورسم البرامج التعليمية الاستراتيجية الهادفة إلى تكريس ثقافة المحبة والأخوة ونبذ العنف في نفوس أبنائنا وشبابنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.