بكل تأكيد هذا البرلمان فقدَ مشروعيتَه وصار كالجلطة التي تصيب البدن بالفالج فتُقعده..لقد كتب احد الصحافيين هذا العنوان:نوابُنا خطرٌ على البلاد!.. هذا البرلمان منذ مداولاته الأولى كان مسرحًا للعربدة والبلطجة التي دفعتني الى كتابة المقال : هل بقي بهذا البرلمان من أمان ؟!.. ومجمل قولنا هو أن هذا البرلمان فقدَ مشروعيته وصار العديد من كبار المختصين في القانون والدستور يدعون الرئيس الى حلّه، نذكر منهم العميد الصادق بلعيد..هذا ناهيك عن أعضاء بالبرلمان نفسه كالمنجي الرحوي وزهير حمدي وانور بالشاهد...وقد قرروا الدخول في اعتصام مع 40 نائب من كتلتهم داخل البرلمان... الرّأيُ قَبلَ شجاعة الشجعان النصيحة التي أريد تقديمها هنا للرئيس قيس سعيد هي أن حلّ البرلمان الآن دون اعداد،انما هو عمل خطير يثير عاصفة هوجاء الله وحده الذي يعلم مآلها !..فعلى الرئيس ان لا يَغفل أنّ حل البرلمان أمنيةُ بعضِ الدوائر الحزبية المعروفة التي تطمع في الحصول على مزيد المقاعد (لا سيما وأن ما تنشُره شركاتُ سبر الآراء من نتائج يسيل لعابَها، وربما يمنّيها حتى بإعادة حزب التجمع المُنحل الى السلطة!!).. ولهذا فإن حل البرلمان، ورغم ضرورته،الآن يكون شبيهًا بقرارٍ ارعنٍ من حَكَم نزِقٍ بإعادة ضربة جزاءٍ صدّهَا حارسُ المرمى في مقابلة مفصلية بين فريقين لدودين جمعهما رهانُ "داحس والغبراء"..فهذا الحَكَمُ النزق الذي استهان بحالة الغليان والتشنج على المدارج، إنما كانت تصفيرته ،ولا سيما التصفيرة الثانية المعلنة عن تسجيل الهدف"الشرعي"، اعلانًا عن إنطلاق الحرب الأهلية!! ضرورة تأسيس حزب وطني ! ان تُسقِط سقفَ بيتٍ متهالكٍ دون ان تكون قد احضرتَ دعاماتٍ وأعمدةٍ بديلة، فذلك عملٌ انتحاريٌ!..ولهذا، فالمرجو من الرئيس قيس سعيد، قبل أن يُقدم على حل البرلمان، ان يعلن، ولو تلميحًا، عن نية تأسيس هيكل حزبي كبير لتجميع أوسع الجماهير التي بعثرتها الأحزاب وعبثت بها وأوقعت بينها العداوة والبغضاء الاعتباطية التي ما أنزل الله بها من سلطان. ونحن نعلم ان الاستاذ قيس سعيد تعهّد بعدم التحزّب، وهي طبعا غلطة!...عليه أن لا يغفل أنّ الواجب يفرض التضحّية حتى بالحياة لأجل مصلحة البلاد ،وليس مجرد تعهدات.. وعموما السياسة كالحرب لا مجال فيها للإلتزام المسبق بقواعد جامدة وتكتيك متكلّس..بل أن الإسلام نفسه(السنة وحتى القرآن) به يوجد الناسخ والمنسوخ !!! وليعلم الرئيس قيس سعيد انه من رابع المستحيلات ان يحقق اي نجاح ما لم يكن له حزام حزبي وكتلة برلمانية لها الاغلبية. بل البلاد نفسها من المستحيل ان تقوم لها قائمة إلا بالتوازن الذي كانت عليه قبل الثورة وهو: حزب أغلبي مهيمن شعبيا وبرلمانيا، وحوله معارضة لا تتجاوز في اقصى الحالات نِصفَ حجمِه ! أما اذا تقاربت الاحجام فذلك هو الداء الذي ألمَّ بالبلاد خلال هذه العشرية السوداء..! وفي تونس لا يوجد من له القدرة على تأسيس حزب أغلبي بإستثناء الأستاذ قيس سعيد. وهذا لعدّة أسباب،منها الشعبية طبعا(رغم انها في تآكل متسارع !)ولكن خاصة لمواصفات في شخصه لكونه مركزَ وسطٍ بين جميع التيارات والعائلات السياسية الستة الموجودة في تونس(barycentre) فهو يتقارب مع الشيوعيين ومع القوميين ومع "الديمقراطيين"وكذلك مع البورقيبيين و"الاسلاميين"و الليبراليين.. لقد كتبتُ منذ ايام المقال: ثورة التصحيح والحلقة المفقودة، وفيه نبّهتُ الأستاذ قيس سعيد الى ضرورة انقاذ البلاد الذي لا يكون إلا بالخروج من البرود والغموض و الإنغلاق..