يحتفل العالم يوم 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية وذلك بمناسبة الثامن عشر من ديسمبر عام 1973 والذى شهد إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأممالمتحدة وذلك بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 لمنظمة اليونسكو و مع الزمن تأكدت شخصيا أن اللغة العربية ما تزال مهملة من قبل أهلها و سعدت باحتفال دولة قطر بهذا اليوم الذي تصادف مع العيد الوطني لقطر و رغم تلك الصدفة لم تنس وزارة الثقافة القطرية و لا المجتمع المدني القطري أن اللغة العربية هي أصل حضارتنا و في فرنسا على سبيل المثال يحتدم جدل حول تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية وهو تدريس يقاومه اليمين الفرنسي العنصري و يدافع عنه الوزير الأسبق للثقافة و التربية (جاك لانغ) المدير الحالي لمعهد العالم العربي في باريس والذي يلح "على عدم الفصل بين تعليم العربية في فرنسا واللغة الفرنسية في العالم العربي لأن الأمر يتعلق بمعركة واحدة في العمق كما يقول ويكرر فاللغتان عريقتنا غنيتان جذابتان لكنهما يعانيان تراجعات مستمرة متزايدة أمام لغات أخرى في مقدمتها الإنجليزية التي توشك أن تكون لغة الشباب عندنا وعندهم وفي كل بلدان العالم من هنا فإن تعليم العربية في المدرسة الوطنية الفرنسية وبدءا من المراحل الأولى كما يقول هو فرصة يجب أن تتاح لكل تلميذ يريد ذلك، ولأي سبب" و هنا عادت إلى ذاكرتي بعض ما عشته حين فوجئت في مؤتمر دعيت اليه انعقد في عاصمة خليجية بأن منظمي المؤتمر أعدوا مترجمين فوريين للزملاء التوانسة والجزائريين (من الفرنسية الى العربية) فسألت المسؤول عن تنظيم المؤتمر عن السر لأن المؤتمر عربي وأعماله ستدور بالعربية صارحني بأن الزملاء من تونس والجزائر في تدخلاتهم الشفاهية كثيرا ما يستعملون لغة هجينة خليطا من العربية والفرنسية للتعبير عن مواقفهم. وأدركت أن قضية اللغة الأم هي قضية سياسية وحضارية بالدرجة الأولى ويكفي أن تشاهد على قنواتنا التلفزية أو في مجلس النواب نخبة السياسة لا يجدون العبارة العربية فيلجؤون للفرنسية التي غرسوها فينا منذ المدرسة الى الجامعة لا كلغة ثانية كما خططنا للتعريب منذ السبعينات بزعامة محمد مزالي بل كلغة بديلة كما هو واقع اليوم. إن الذي يتأمل العلاقات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال يبدو له مشهد العلاقات البينية الأوروبية مشهدا ورديا يحمل أجمل العبارات الدبلوماسية والمجاملات التشريفاتية بينما اكتشفت أن مؤتمرات الإتحاد الأوروبي يحضرها مترجمون أكثر من عدد المؤتمرين لأن أوروبا تتكلم 22 لغة وهي مجتمعة في اتحادها الأوروبي ونحن العرب نتكلم لغة واحدة ونتفرق شيعا وقبائل وطوائف. وحين يلتقي الزعماء الأوروبيون ويتبادلون التحيات الزكيات لكن الواقع مختلف تماما حين يجد الجد ويلجأ المسؤولون في كل دولة أوروبية كبرى إلى القوانين القاسية لحماية اللغة و الثقافة في بلادهم من الهيمنة المفروضة للغة أخرى على لغتهم. وهنا لابد أن نذكر بقانون السيدة (كاترين تاسكا) التي كانت وزيرة الثقافة والفرنكوفونية في فرنسا في الثمانينات وسنت قانونا لحماية اللغة الفرنسية يصل الى الحكم بالسجن والغرامة المرتفعة على كل من يستعمل في الإعلان أو المراسلات أو المؤتمرات لغة أخرى غير الفرنسية في حال وجود العبارات ذاتها في اللغة الأم. وبالفعل فإن بعض الشركات وبعض الخواص وحتى بعض الإدارات وجدت نفسها أمام القضاء في مواقف لا تحسد عليها مطالبة بالتبرير لاستعمال عبارة (ويك أند) عوض نهاية الأسبوع أو عبارة (الفير بلاي) عوض الروح الرياضية...إلى آخر هذه المشاحنات الفرنسية التي لا تستهدف في الحقيقة المنافس البريطاني وحده لأن المقصود من حماية اللسان الفرنسي هو المزاحم الأمريكي الناطق باللغة الإنجليزية. في التسعينات تولى وزارة الثقافة والإعلام في الحكومة الاشتراكية الفرنسية السيد / جاك لانغ فلم يكتف بالاحتفاظ بالقانون المسمى قانون تاسكا، لكن زاد عليه قانون استثناء الإنتاج الثقافي الفرنسي من قائمة المواد التجارية المدرجة في قائمة منظمة التجارة العالمية، و بذلك تجاوز حماية اللغة الفرنسية إلى حماية المجتمع الفرنسي مما سماه بصراحة الغزو الثقافي الأمريكي المتمثل في الألعاب الالكترونية و الأغاني و المسلسلات و البرمجيات القادمة من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبالطبع فان قرارات كهذه تشحذ أسلحة العداء بين الحلفاء الغربيين لكنها لا تمنع المناورات. فالشريك الأمريكي في مجال اللغة والغزو الثقافي لديه ألف حيلة وحيلة للمراوغة والالتفاف على قوانين تاسكا و جاك لانغ. من ذلك مثلا التسامح الأمريكي مع المستولين من الشباب على الإنتاج الثقافي الأمريكي من شبكة انترنت بلا مقابل بينما تتصدى وزيرة الثقافة الفرنسية الراهنة إلى مستعملي الشبكة العنكبوتية بالقوانين الزجرية الرادعة البالغة حدود السجن لسنوات في حالة الاتجار بالإنتاج الثقافي المسروق من الشبكة. من الحقائق الثابتة في العقل الباطن للمجتمعات الأوروبية أن العرب في المشرق والمغرب هم أمة من الجنوب بمعنى أننا لديهم أمة نامية باللغة الدبلوماسية التي تعني المتخلفة و لذلك لا مناص من محاولة تدجيننا إما داخل الفرنكوفونية و إما داخل الانجلوفونية. فاللغة العربية لدى النخبة الأوروبية وفي المخيال الشعبي الأوروبي العام لغة شبه ميتة. ولا يكفي أن ننكر نحن ذلك ونتمرد عليه. فاللغات هي دائما في مستوى دفاع شعوبها عنها ونحن أهملنا لغتنا والترجمة منها وإليها (أسوأ إحصائيات الترجمة في العالم لدينا نحن العرب بعد أن كنا في العصر العباسي والأندلسي في طليعة الأمم المترجمة بل وأنقذنا التراث اليوناني من التلف).