تطلعنا الصريح أون لاين، من حين الى آخر، بكتّاب فقدوا التواضع، وظنوا ان بأغاريدهم تدار البلاد، وبدعائهم تعود الثقة، وهم باقتراحاتهم يزيدون في تشويش الجو المخنق، والاوراق المتبعثرة، وإيعاز تواصل تشتت القوى الوطنية، فيخلقون الشخصيات الخيالية، ويستنجدون بمن خاب في حكمه في ادارة البلاد، ويتحدثون عنهم دون دراية، ولا معرفة، وكم كنت اتمنى أن يفصح الكتّاب عن مؤهلاتهم الادبية والعلمية، وسيرتهم الذاتية، حتى يكون لنقدهم، واقتراحهم، وزن يأخذه القارء بعين الاعتبار، ويعتبره سبيلا للخروج من الازمة، وقد امتاز البعض منهم بالتطفل على الكتابة في كل المواضيع، لاعتقاده في ان له نظرية في كل من هب ودب، وبإزالة الغشاء، والتدقيق في البحث، تجده من انصار حزب، اتخذ من ازدواجية اللغة مذهبا، ومن الدين غطاء، ومن الشعوبية مذهبا، ومن اخفاء الحقائق شهرة، ومن "الفايس بوك" مرجعا، ومن الانتقال الديمقراطي غاية، ومن التشدق بدولة القانون والمؤسسات خداعا، ومن حقوق الانسان نفاقا، ومن الترهات غرفة المهملات، ولا يمكن لمثل هذا المسار اخراج تونس من عنق الزجاجة، وقد استولى على مصيرها من هو ليس من اهلها، ولا عاش في احضانها، بل أتى من جراء انقلاب طبي، ليقتسم الغنيمة مع اهله، وكذلك حل للهيمنة على المشهد السياسي، وما نتج عنه من نزعة الانفراد بالقرار، واتخذ من الشبكات الاجتماعية مأوى، وبعد اكثر من عشرية في الحكم، حيث تداول مئات من الوزراء، لم تشهد بلادنا تقدما في احترام حقوق الانسان، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والحرية والكرامة والتضامن، والوحدة الوطنية، اما الاعتزاز بمكاسب تونس والثقة في مستقبلها، فحدث ولا حرج عن الذين اطاحوا بسمعتها، ولم نجد فيهم المصباح الذي يضيء المسار احسن، بل سمعنا الغناء بنعم ما حدث، وغاب عن الوجود توجيه الشعب الى الافضل، و لم يظهر من يحميه من التدخل الاجنبي وخفاياه، و زرعت فيه النقمة التي ترجمت في بث الفوضى في كل مكان، تحت شعارات ومذاهب مختلفة، ومن هذا الوضع البائس بعثت مئات الاحزاب، وتناثرت في ارجاء البلاد، وكذلك انبثقت آلاف الجمعيات من عدم، كلها في الحقيقة تدور في كنف احزاب، متقلبة الرأي، تكتشف الحلول في كل آونة، غير مؤهلة للخروج الى فضاء العلم والمعرفة، لإعادة تنشيط الاقتصاد، والانكباب على مطالب الشعب، وتحقيق اهداف الثورة، من أمن، وحرية وكرامة، وعيش كريم، ومن سوء حظ بلادنا ان نظام حكم الاحزاب جرب، ولم يجسم الحل البديل، والاستجابة لرغبة التغيير، التي اصبحت ملحة يوما بعد يوم، وسرعان ما تعكرت الاوضاع الاجتماعية بسبب تواصل ارتفاع الاسعار، وتكاليف المعيشة بالنسبة للطبقات الضعيفة والمتوسطة، فتعددت الاضرابات، وعمت كل القطاعات، وتحولت الى مظاهرات وصدامات بين العملة وقوات الأمن، ولبت الحكومة المطالب تحت ضغط الشارع، وهي سابقة خطيرة على مسار البلاد، اذ تجاوزت النقابة العمالية، التي تبقى المرجع الوحيد للتفاوض، ووجود الحلول الموصلة الى الامن الاجتماعي ورعايته، ولوضع حد لهذا التمشي اصبح من الواجب القيام بحملة توعية في انحاء البلاد، لتناول مشاكل المجتمع، وقضايا الساعة بكل شفافية، من ما يحتاج الى تنقية الجو السياسي، وضمان المشاركة الفعلية في ادارة الحكم، وبرهنت تجربة الازمات الداخلية والخارجية وتواليها منذ الثورة،الى وجوب وقفة تأمل للتقييم، وبيان النقائص، والنواحي السلبية، ورسم خطة للعمل الوطني للمستقبل في سائر المجالات، تحظى بموافقة الاغلبية، بدون تمييز، وتعرض بالخصوص الى ضرورة دفع عجلة الاقتصاد، وتنقيح القانون الانتخابي واتمام المؤسسات التي اتى بها الدستور، مع مراقبة سير الموجودة منها من حيث التصرف المالي والبشري، ومدى مطابقتها للقوانين المنظمة لها، ولا مفر من العقاب لمن ظهر فيها اختلالات في تسييرها، او تحويل وجهتها الى اغراض شخصية، او التشفي من الاعداء، مهما كانت الحجة والبرهان، ولنا في محكمة المحاسبات الهيكل اللازم للقيام بهذا الدور، ولنا في تجارب بلدان عريقة في الديمقراطية استنباط مؤسسات مثل "هيئة عليا لشفافية الحياة العامة"، من مهامها مراقبة التصريح بالدخل للوزراء، ومساعديهم، والنواب، والتحقق من عدم وجود إثراء غير مبرر، بين بداية المهمة ونهايتها، و للهيئة الحق الوصول إلى جميع الحسابات المصرفية ويخضع الوزراء كذلك، تحت سلطة الهيئة، لتحقيق معمق لوضعهم، من قبل ادارة الضرائب، والهيئة نفسها مطالبة بنفس الالتزام المفروض على الوزراء، وبهذه الهيئة نخفف الوطء عن العدالة ومهامها، حتى تتفرغ الى عملها الاصلي وهو القضاء، الذي هو ركيزة اساسية لتأسيس أول ديمقراطية ناجحة في العالم العربي، بحكم تقاليدها، ونضج شعبها، وتونس مؤهلة لذلك، وكفانا عناء من المراحل الانتقالية، والازمة الاخيرة التي تعصف على البلاد خطيرة جدا، بلغت من الحدة الى التكهن بنشوب حرب اهلية، فالحاجة تدعو عمليا الى تنظيم الصفوف، لمجابهة المشاكل المصيرية، منها الوباء الذي انهك الجهد، وبعث الرعب، وزاد ذلك وضع الغموض والفوضى التي تتخبط فيه وزارة الصحة، وقلة مصداقية السائرين عليها، والسؤال الذي يطرح نفسه، ما العمل؟ هل نبقى مكتوفي الايدي، صامتين، ننظر لمجرى الاحداث، وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن دليلنا؟ او الاندماج مع الاتحاد العام التونسي للشغل لبناء مشروع ميثاق جديد، في شكل ورشة عمل مفتوحة لكل الحساسيات، وقوة مقترحات ايجابية، يضع حدا للخلافات الداخلية، مؤقتا، ويكون محدود الزمن لإطفاء النار في جو مشحون بالاحتمالات، طال امده، حتى يعود الانفراج، خشية ان يفلت زمام الامور من ايدي الجميع، والتصعيد لا يخدم مصلحة الطبقة الشغيلة، ولا مصلحة الشعب عموما، ولا مصلحة الشباب العاطل وأمله في ايجاد شغل، والحصول على ما اتى به الدستور من حرية وكرامة، ولنبادر السنة الجديدة، اعادها الله على الجميع بالصحة واليمن والرخاء، بالتلاقي من اجل تونس لا غير! "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم هوامش رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد الأمريكية - ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- أول رئيس بلدية ملولش- شغل عشرات السنين رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح - رئيس ديوان وزيرة الصحة الاستاذة سعاد اليعقوبي- مكلف بمهمة لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية...