ونحن نتابع مهرجان كان السينمائي، ونسرع الخطى نحو عروض الأفلام التي لا تتاح فرصة مشاهدتها في تونس، ونتصيد الأخبار، ونراقب سير العمل في الجناح التونسي في القرية الدولية، ونشاهد بفخر صور تونس موزعة في أروقة السوق الدولية وفي الجناح الخاص للمخرج والمنتج "معز كمون"، نتذكر أيام قرطاج السينمائي، ونتألم لمصيرها... أيامنا كانت في سنواتها الأولى محطة سينمائية مهمة، وفضاء بديلا للسينماءات المتاحة في كل مكان... كانت أيام قرطاج السينمائية في سنواتها الأولى فضاء للسينما الجادة، من كل أقطار العالم، وفرصة للسينما الإفريقية المنسية لتقول كلمتها وتؤكد حضورها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم قبل أن تحتج على التعامل غير اللائق مع صناعها من قبل وسائل الإعلام التونسية التي تسعى خلف الوجوه المعروفة ولا تعرف كيف تقيم الأفلام وتميز الغث من السمين فيها، فكان أن حول السينمائيون الأفارقة وجهتهم نحو مهرجانات أخرى تقدر قيمتهم... لا شيء يمنع أيام قرطاج السينمائية من أن تكون مثل "كان" لو التزمت بخط تنظيمي واضح، فلا يلهث الصحافيون خلف "كاتولوغ"، و"بادج"، ولا يقضون كامل النهار في النزل يتصيدون فرصة للقاء أحد الضيوف... مهرجان كان لم يصنع نفسه من عدم، ولا تعود قوته إلى "اللوبي" الذي يسيره، وإنما آمن أصحابه أن السينما أب الفنون وأمه إن شئتم، فخطط ليكون تظاهرة تمتزج فيها الثقافة بالفن فتستفيد المدينة الصغيرة في الساحل اللازوردي، أين يتغير إيقاع الحياة بشكل لافت للنظر، وتحتفي بزوارها كامل الليل والنهار، و"تختنق" بأدب أهلها ولباقتهم في التعامل، حتى رجل التنظيم من حراس البوابة الرئيسية والأبواب التالية يفتشون حقائبك وعلى وجوههم ابتسامة، وعندما ينتهون من تفتيشهم يبادرونك بالتحية "يومك طيب"... أما عندنا فيتطاير الشرر من عيون رجل التنظيم، وينظرون إليك بشيء من الريبة والشك حتى تشك في نفسك، ويتنافسون على الصراخ وكأنهم "عاملين مزية عليك" فيرهقك العراك اليومي المتواصل وتنتهي إلى البحث عن شغفك السينمائي في فضاءات أخرى خارج الوطن أو فيما يعرض من أقراص مقرصنة... ما الذي يمنع أيام قرطاج السينمائية من أن تلتزم بخط تنظيمي يلتزم به زوارها؟ ما الذي يمنعها من أن تمزج هذا الموعد بالسياحة، فتستقطب ضيوفا من كامل أنحاء العالم يشاهدون الأفلام ويتجولون في ربوعنا الجميلة؟؟ تونس بلد جميل، نستمع إلى هذه العبارة من كل من يعترضنا من أهالي كان ومن ضيوف المهرجان، ولكن للأسف تضيق مصلحة الوطن أمام المصالح الشخصية الضيقة، وتمر أيام قرطاج السينمائية مخلفة تركة من "الفضائح" والسلوكات المخجلة، أما في كان فيمر المهرجان كل عام ويخلف وراءه سيلا من الكلام الجميل، المنمق ورصيدا ماليا يكفي لأن تعيش المدينة في بذخ كامل العام... فقط لأن الثقافة عندهم جزء من حياتهم اليومية وفرصة لتسويق صورة مدينتهم الجميلة، النظيفة...