لقد قرأت وعلمت ان أحدهم قد دعا في برنامج تلفزي مرئي ومسموع الى تحويل المخدرات الى مادة تجارية حرة تبيعها الدولة... فقلت ورددت في نفسي بمزيد الحسرة وبمثلها من الأسف ما يقوله وما يردده التونسيون اذا رؤوا شيئا غريبا او سمعوا كلاما عجيبا يجعلهم يضربون كفا بكف (هاذي اخرتها وكانت تشخر زادت بف) ولم يبق لنا ان نسمع بعد هذا الكلام إلا من يخرجون بيننا وفينا متظاهرين محتجين ومطالبين الدولة بتوفير مادة المخدرات وتوزيعها مجانا في الطرقات وفي الشوارع وفي الساحات... أ لسنا في عهد الدلال و الحرية والكرامة وغيرها من الكلمات الفضفاضة المنتسبة الى هذه الشعارات الثورية او هذه الموضة اوهذه النمنامة...؟ وانني لأشهد وانا في خريف العمر وقد رايت من عجائب ومن غرائب هذا الدهر ما رايت وما قد يملأ النهر والبحر انه لا احد من التونسيين في مثل مرحلتي العمرية كان يتوقع او حتى يحلم يوما ان يسمع صوتا في وسائل الاعلام التونسية المرئية او المسموعة او المقروءة يدعو الى تحويل المخدرات الى مادة تجارية حرة تبيحها و تبيعها الدولة الى شعبها في يوم من الأيام ولكننا عشنا وشفنا وسمعنا في هذا الزمان ما لم يكن لنا في الخاطر ولا في الخيال ولا في الحسبان وما احسن ان اختم هذا المقال بقول ذلك الشاعر القديم الذي سمع يوما بخبر جعله يحوقل ويطلب اللطف والستر الذي يطلبه العقلاء كلما حلت بالناس الازمات والخطوب والرزايا والمصائب (هي الأيام قد صرن كلهن عجائب حتى ليس فيها عجائب)... أما في ثقافتنا التونسية الموروثة عن الشيوخ وعن العجائز فاننا قد حفظنا عنهم قولهم الذي يقولونه في كثير من الأوقات اذا ساءهم وأفزعهم فساد الناس وتفشي البدع والأهواء والشطحات التي تشيب لها رؤوس اولي العقول والألباب وذوي الحجا (ستر في ما مضى يكمل في ما بقى)... فاللهم سترك وعفوك ولطفك ورحمتك بهذه البلاد ولا تاخذنا بما يدعو وبما يطلب وبما يرجو أولائك الذين ضلوا طريق الهدى واضاعوا بوصلة الحكمة وتاهوا عن سبيل الرشاد والسداد...