بعد دعوته الى تحويل جربة لهونغ كونغ.. مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد    أبطال إفريقيا: التعادل يحسم الشوط الأول لمواجهة الترجي الرياضي وصن داونز    التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني ونظيره الليبي    طقس الليلة    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا وجاري العمل على تسهيل النفاذ إلى هذه السوق    سيدي بوزيد: ورشة تكوينية لفائدة المكلفين بالطاقة في عدد من الإدارات والمنشآت العمومية    بودربالة والسفير الإيطالي يؤكدان ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية تعزيزا للاستقرار في المنطقة    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة ويساعد على القيام بمهامهم دون التعرض الى خطايا مالية    بنزرت: ضبط كافة الاستعدادات لإنطلاق اشغال إنجاز الجزء الثاني لجسر بنزرت الجديد مع بداية الصائفة    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    منوبة: الاحتفاظ بصاحب مستودع عشوائي من أجل الاحتكار والمضاربة    وزارة التجارة تقرّر التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    أحدهم حالته خطيرة: 7 جرحى في حادث مرور بالكاف    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم من مدريد: أعمال لا أقوال
نشر في الصريح يوم 20 - 02 - 2021

بعض الشيء خير من لا شيء، لأن الكمال صعب المنال. لكن، بما أن من سار على الدرب وصل، وجبت استمرارية بذل المجهودات، لبلوغ الغايات، إذ ما ضاع حق وراءه طالب. بمثل هذه المفاهيم عملت دول كثيرة، فسارت وتقدمت وأحرزت على الكثير من حاجياتها، وحققت أكثر طموحاتها، فها هي في المقدمة نظاما، واستقرارا، وأمنا، وتطورا مستمرّا، لا يعرف الوقوف ولا الملل. كل هذا بعد أن أقامت نظام حكم وإدارة شؤون، يضمن أكثر ما يمكن من الحريات، والعدل، والمساواة، سَمِّه ديمقراطية، هو اليوم، بعيوبه ومحاسنه، أفضل ما بلغه الإنسان لإدارة شؤون الشعوب والبلدان. من بين الدول التي حققت هذا التقدّم، هذا البلد الذي يأوي هجرتي منذ عقود، وهو الذي أقارنه دوما ببلدنا، رغم إلحاح زميل خبير فطن، حاول ويحاول ردعي عن المقارنة لأن الأمر، حسب رأيه، يعود إلى الجينات. لم أرتدع، فلا زلت أقارن، لأن ماضي هذا البلد فيه الكثير مما مرّت به بلادنا وبلداننا العربية جمعاء. فمن مجد وسؤدد إلى انحطاط ووضاعة، بما في ذلك من شقاق وخلاف، وفقر واحتياج، تُوِّج بحرب أهلية، أتت بدكتاتورية وتسلطية، أفقدت البلاد وشعبها بقايا المجد، لكن استمر وتواصل الحفاظ على الأصول وعلى جذور الهوية وعلى الثقافة الموروثة. زالت الدكتاتورية بزوال زارعها، وانتظر العارفون والمتتبعون في العالم بأسره، خاصة ببلاد الجيرة، ما تنبأوا به من زلازل وتنافر، فكذَّب الشعب، تنبؤاتهم بوقوفه بكل شرائحه ومكوناته، بجميع ومختلف أصوله ولغاته، وقفة الرجل الواحد، تاركا جانبا كلّ ما من شأنه يُفرِّق ويُبْعد، وحقق تحوّلا مثاليا أبهت العالم، وأصبح عبرة وأسطورة، بسرعته وقصر مدّته التي لم تتعدّ الثلاث سنوات، - بين وفاة الدكتاتور نوفمبر 1975- وإعلان الدستور الجديد شهر ديسمبر 1978، فكانت بداية إرساء نظامه الجديد الذي يتمتع به إلى اليوم، أي أربعة عقود ونيف، هانئا مطمئنا بما أتاه له من ازدهار اقتصادي، وتطور اجتماعي، وإشعاع ثقافي أعاد للبلاد مكانها بين الدول المتقدّمة المتحضرة. كل هذا بلا جعجعة ولا قعقعة، بدون كلمات رنّانة، ولا عبارات واعدة كاذبة، بل إنجازات متواصلة حسب الإمكانيات تلبية لحاجيات والمطالبات. إن من أبرز ما تحقق استقلال القضاء الذي، كما أخبرت في حديث سابق، الذي حاكم وسجن أكثر من ثلاثين من كبار المسؤولين، ثبتت إدانتهم بالرشوة والفساد واستغلال المركز وما إلى ذلك. لم يسلم من متابعة القضاء ولا حتى زوج ابنة الملك الصغرى. الملك الذي يعتبر المحرك الأول للتحول والإتيان بالديمقراطية، حوكم صهره، وقدمت ابنته أيضا أمام المحكمة للتحقيق، فثبتت براءتها وسجن زوجها، وهو الآن قابع في سجنه كأي مواطن آخر. لعل هذا، وغيره، جعل أحد الزملاء، مراسل إحدى كبريات الصحف البريطانية يقول، ونحن نتابع المحاكمة وتحقيقاتها:" أعتقد أن ما يجري أمامنا هو مبالغة، جاءت نتيجة الحرمان الطويل من الحريات والعدالة." أيّا كان الدّاعي والسبب، فما هو إلا دليل عن استقلال القضاء، ومساواة المواطنين أمامه، إذ لا أحد يعلو على القانون. رغم هذا فلا يزال المواطنون يشكون ويطالبون بأكثر استقلالا، متهمين تدخلات السلطة التنفيذية فيه. أيّة سلطة؟ والذي دعا بي إلى العودة إلى هذا الموضوع، ما هو إلا مثول رئيسة حكومة إقليم مدريد السيدة ك.ف. أمام القضاء، بتهمة تزوير مستندات، وهي شهادة علمية قدّمتها في ملفها، ثبت أنها لم تُحرز عليها. جاء الاتهام، فنفت وأكدت – قولا – صحة وشرعية شهادتها، لكنها استقالت وها هي تحاكم – الأربعاء 21 يناير - ونحن الآن بانتظار صدور الحكم، بعد أن صرّحت القاضية السيدة ك. ر. بأن الشروح التي تقدمت بها المتهمة يصعب تصديقها خاصة وأن الورقة التي عرضتها برهانا عندما شاعت التهمة، مزورة قدّمت لها من طرف آخر." فالرئيسة السابقة معرضة لحكم قد يبلغ الثلاثة أعوام سجنا.
لا ندعي هنا ونقول إن هذا البلد، وغيره كثر، قد بلغوا الكمال أو أنهم وأنظمتهم خالون من العيوب. كلا، إذ لا العقل ولا الحقيقة يقبلان ذلك، لكن نقول ونؤكد، أن غيرنا الذي سار قبلنا في الطريق الذي أدى بنا إلى الغرق حتى الرُّكب في طين التمويه واستعمال كبريات العبارات، وأبلغ الكلمات والمفردات، بلا عمل ولا إنجاز يؤكد ما يقال، ولا تنفيذ يأتي ولو ببعض ما الشعب والوطن في حاجة ماسة مستعجلة إليه.
هنا أتساءل في حيرة وقلق، ألسنا بشرا مثلهم ومثل غيرهم من العاملين لما يقولون؟ أم هم بشر ونحن ماذا؟ أسئلة غير هذه كثيرة، بعضها موجع أليم، أحتفظ بها لنفسي، ولو أن هذا لا يمنع من لمس الحقيقة المرّة، وهي أن بلادنا تتقهقر بسرعة مذهلة خطرة، وانحدارها وكل ما يأتيها من سوء، هو من صنع أبنائها، يقولون ما لا يفعلون، يعِدون بما لا يستطيعون، ويبذلون الجهد كي يستفيدون ولا يُفيدون، بينما المنطق والإخلاص وما يفعله الآخرون، هو يُفيدون فيستفيدون، كأنهم يعملون بفلسفة المثل الشعبي القائل: "اللي يدردر العسل، يلحس صبعه." فحبّذا لو خلطوا العسل ولعقوا إصبعهم وحتى أصابعهم وأيديهم، لأن المقولة الحكيمة تفيد بأنّ " شنقة مع الجماعة خلاعة."
لم يبق لي بعد هذا إلا أن أنبّه الذين سيطروا على مراكز الحركة وتسيير شؤون البلاد، أن يحذروا ويرحموا أنفسهم، لأن الشعوب تُمهل ولا تُهمِل، وأن صبرها له حدود، ويا ويل من يقف أمامها إذا نفد صبرها، فانتفضت لتزيح الظلم والاحتياج وتقصير المسؤولين. إن بطشها، إذا غضبت وثارت شديد مريع، لسنا في حاجة إليه ولا هو من طباعنا. فليتق كل مسؤول غضب الشعب ويأسه، وليقم بواجبه حسب المستطاع لكن بإخلاص وحرص على مصلحة الوطن بما فيه، وإن لم يستطع فليكن صريحا مع نفسه ووطنه، فيبتعد بسلام، تاركا المكان لغيره لعله ينجح فيما فشل فيه هو، فكما يقال " تبديل السروج فيه راحة:" إن العاقل من اعتبر بغيره. لذا أقول للضالين المنتهزين، وللعاجزين ولو مخلصين صادقين، افتحوا أبصاركم واعتبروا ما يجري قريبا منكم على ارض ليبيا الفريسة، وعلى مسافة غير بعيدة، ما جرى ويجري في سوريا واليمن. هل هذا ما يبتغيه ويرمي إليه المتزعمون؟ لقد ضاع وقت طويل ثمين، والمركب توشك على الغرق، أفيقوا يرحمكم الله ولا تكونوا كما كان شمشون فتقولوا " عليَّ وعلى أعدائي يا رب " إذ ليس فينا أعداء، بل منافسون أو مخالفون في الرأي، وأمنا واحدة هي تونس ومن أنجبت. إن الإخلاص لها، وهو سهل بسيط، هو إخلاص لأنفسنا، وفي فائدتها فوائدنا، كثرت أو قلت، ثم أن النهم والأنانية ضررهما أكثر من نفعهما ولا خير وأثمر من القناعة والنزاهة، والله يهدي إلى سواء السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.