بلغني أن المستشار المصري العربي د. طارق البشري يرقد في أحد المستشفيات القاهرية وروى أحد أحبائه د. هشام الحمامي أن طبيبه الذي يعالجه في قسم العناية المركزة عرف قيمته وهو طبيب شاب لم يتجاوز الثلاثين طالع كتبه فقال للحمامي: "لن يعوض الفكر العربي هذا الرجل لأجيال قادمة" وأنا شخصيا كتب الله لي أن رافقت وصادقت د.طارق البشري حين كان يدعى لدوحة الخير والثقافة في مناسبات كانت أكثر تواردا من اليوم حيث اضطرت الجائحة أهل الثقافة في قطر أن يحدوا من فعالياتهم ونشاطاتهم و ندواتهم كما في العالم أجمع، ونتمنى أن تزول الجائحة وتعود قامات الفكر الى مناسبات قطر الثقافية لأن حضرة صاحب السمو أميرها حفظه الله من أشدّ القادة حرصا على تمكين الثقافة و دعم مجالاتها بالندوات و رعاية المؤسسات وإنشاء أعظم الجوائز كجائزة الشيخ حمد للترجمة وهي الأكبر في العالم. كنت تعرّفت على د.طارق البشري و د. أحمد كمال أبو المجد وزير الإعلام الأسبق و أحد أعمدة الفكر العربي (توفي منذ سنتين رحمة الله عليه) حين قدمني لهما رفيق دربهما زميلي في جامعة قطر د. جمال عطية السجين السياسي الأسبق وصاحب كتاب ( الدفاع الشرعي في القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة) و كتاب (بين القانون و الأخلاق) و أذكر جيدا هذه اللقاءات المتكررة و التي جمعتني أيضا مع صديقي الكاتب الفذ فهمي هويدي الذي أيدني في المبادرة التي قمت بها من أجل مناصرة صديقي المفكر المسلم الشهير (رجاء غارودي) رحمه الله وهو الرجل الذي رافقته في فرنسا منذ نشرت له كتاب (حوار الحضارات) في مؤسسة نشر (جون أفريك) الباريسية حين كنت فيها مديرا للنشر عام 1979 كما حضرت محاكمته في محكمة باريس عام 1998 حسب قانون (غيسو) الفرنسي الجائر والذي يحكم بالسجن والغرامات على كل قلم حر يشكك حتى في عدد ضحايا المحرقة النازية لليهود! وهو صاحب الكتاب الذي أثار ضده اللوبيات الصهيونية بعنوان (الخرافات المؤسسة لدولة إسرائيل) فتمت محاكمته واعتدت علينا بالعنف عصابات ميليشيات صهيونية متطرفة في بهو المحكمة وحكم على (جارودي) بغرامة قدرها عشرون ألف دولار جمعناها من أهل الفضل والخير القطريين وسددنا الغرامة. وأحب أن أشير هنا إلى مقولة مهمة قالها الأستاذ طارق ذات مرة: إن المعارك الفكرية مثلها مثل المعارك الحربية تستقطب فيها المواقف وتجنح إلى المفاصلة وتغلق فيها الحدود وتوضع عليها الحراسة الشديدة! وتستبعد منها مساعي التوفيق وإمكانات الاحتكام إلى مبدأ أو منهج تتراضى الأطراف على قبول نتائجه.. كما أن المعيار الذي يسود لا يتعلق بالخطأ والصواب بقدر ما يتعلق بالنصر والهزيمة ويحذرنا تحذير الصديق قائلا: ومن أهم مراحل هذه الحروب "مرحلة ضرب الجسور".. وذلك لمنع أي شكل من أشكال التوافق والتراضي ذاك التوافق الذي هو بالأساس قاطرة المشروع الوطني العام. ومن القامات الباسقة التي حالفني الحظ فتعرفت عليها و تحادثت معها طيب الذكر الكاتب العربي الكبير يوسف السباعي قبل اغتياله بأسابيع حين كان وزيرا للثقافة المصرية في عهد محمد أنور السادات على أيدي متطرفين و كان أيضا طيلة عقدين رئيسا لاتحاد الكتاب الأفرو آسيويين ودعاني لحضور مؤتمر هذا الإتحاد بمدينة (ألما أتا) السوفييتية مع المرحوم الكاتب التونسي مصطفى الفارسي عام 74 فسافر مصطفى الى الاتحاد السوفييتي و حضر المؤتمر بينما رفضت سفارة موسكو في تونس منحي تأشيرة لأني حسبما أسر لي به ملحقهم الثقافي "مصنف كعدو للاتحاد السوفييتي!!!" السبب هو أني كتبت كثيرا في الصحف التونسية و في مجلة الفكر عن المنشقين العباقرة عن الاستبداد الشيوعي و أبرزهم الروائي الروسي الشهير الحائز على جائزة نوبل (ألكسندر سولجنيتسين) صاحب روايات (قسم المرضى بالسرطان) و (يوم من أيام دينيسوفيتش) فدفعت ثمن انحيازي لتيار الحرية والتاريخ غاليا والعجيب أنني كنت أنا على حق مع آلاف غيري وكان (الرفيق ليونيد بريجنيف) على باطل فانهار الإتحاد السوفييتي كقصر من الورق و انتصر الأحرار مع العلم أن (سولجنيتسين) نزعت عنه موسكو الجنسية السوفييتية و أعطته واشنطن الجنسية الأمريكية وعاش فيها ومات فيها قامة عالية من الأدب الروسي الحر. وفي الدوحة عندما زرتها في أواخر السبعينات لأشارك كناشر تونسي في أول معارض الكتاب العربي في قاعة قديمة بمنطقة اللقطة تعرفت على العبادلة الثلاث قادة النهضة العلمية الخليجية وهم الشيوخ عبد الله الأنصاري و عبد الله أل محمود و عبد الله السبيعي رحمهم الله و أذكر أن الشيخ الأنصاري أهداني ساعة في بيته الكريم في آخر شارع النصر. كما تعرفت على أشهر روائي سوداني الطيب صالح رحمه الله صاحب (موسم الهجرة للشمال) وهو مؤسس مجلة (الدوحة) التي كانت وما تزال منارة ثقافية مثل أختها (العربي) الكويتية وربطتني صداقة بعميد الصحافة القطرية أخي ناصر العثمان مؤسس (الشرق) الغراء درة تاج الصحافة الخليجية. أكرمني الله سبحانه بهذه الأفضال فالحمد له سبحانه.