ان تكون محظوظا في حسم مصير مقابلة أو مآل مقابلتين فذلك لايعني بالضرورة أن الحظ أصبح لك حليفا وفيا تطمئن اليه عندما تعوزك الحيلة وتنقطع امامك السبل وتستبد بك الحيرة... ذلك ماينطبق بالضبط على حال النجم الساحلي الذي وان نجا من عثرتين وشيكتان في سوسة أمام النادي الافريقي ثم عند مواجهته للشبيبة في القيروان فإنه لم يتفاد نصف عثرة توجس من حدوثها أحباؤه في رحلته الأخيرة الى قفصة... كنّا تناولنا في ورقات سابقة مردود النجم في الجولات الأخيرة وفق مقاربة تحليلية لما هو كائن ولما يجب أن يكون ولكن يبدو أن الانتصارات الصعبة للفريق كانت بمثابة الشجرة التي حجبت الغابة عن الأنظار وأجلت الحديث عن ضحالة الأداء التي كانت حاضرة هذه المرّة أيضا للإخبار عن ماهية المردود الذي قدّمه زملاء عبد النور في قفصة ولكن ورقة التوت التي كان الفريق يتغطى بها في اللحظات الأخيرة سقطت هذه المرّة فعرّت سوء الطريقة العقيمة التي طبعت خرجات الفريق في الجولات الأخيرة وأصرّ الكبيّر على مواصلة انتهاجها وفق فلسفة غائية الغاية فيها تبرر الوسيلة... الدرس...والعقاب من المعلوم بداهة في عالم الكرة الساحرة أن لكل فريق نقاط قوّة مثلما له أيضا مكامن ضعف... من البديهي ايضا في نفس هذا النسق أن يستثمر الفريق نقاط قوّته لفرض سلطانه على منافسيه بنفس القدر الذي يركز فيه على مكامن ضعف خصمه لاستنباط ايسر الأساليب لمباغتته...واذا كان من المسلّمات كذلك حسب ما تظهره على الأقل النتائج والإحصائيات ان قوّة النجم تكمن أساسا في مخالبه الهجومية الطويلة والقادرة على الفتك بأحصن وأعتى الحصون الدفاعية وخماسية الترجي تبقى من أهم الشواهد التي تقفز الى الخاطر عند الحديث عن هذا الباب فإن اصرار المنذر الكبيّر في الجولات الأخيرة على تغييب هذه النزعة التي كانت طاغية على أسلوب الفريق والتي أصبحنا بالكاد نلمسها في ظل الإعتماد المبالغ فيه في بعض الأحيان وخاصة في الحالات التي يكون فيها الفريق متقدما في النتيجة على الطابع الدفاعي العقيم بالحط من جبهة الضغط والنزول بها الى منطقة متأخرة قرب مرمى البلبولي... فكل ذلك من شأنه تحييد القوّة الضاربة للنجم بل ويمنح المنافس مهما كان حجمه جرعة من الثقة تغطي فلول الرهبة الساكنة في أعماق لاعبيه والتي كانت تفرضها هيبة النجم الكامنة أساسا في روح المبادرة التي كانت تغذي أسلوبه وتنمق طابعه وتنحت كيانه كأحد اللاعبين الكبار في ميادين كرتنا واللاعب الكبير في نظرنا يجب أن يتحلى بخصال لاعب الشطرنج الماهر الذي يقود خصمه دائما الى رد الفعل لأنه ببساطة يمسك دوما بزمام المبادرة من أول نقلة للقطع على الرقعة وقس على ذلك أيضا ماهية فلسفة من يروم البحث عن البطولة وعن الإبداع والذي يجب ان يتطلع باندفاع منهجي الى الأمام صوب ما رسمه لنفسه من أهداف لا أن يتقوقع على نفسه ويجعل كل همّه تحصين مواقعه الخلفية فلايصل في النهاية الى مراميه وحتى ان أدركها فإن وصوله يكون دائما متأخرا... مابقي من رحلة قفصة ماذا بقي من لقاء قفصة في الأذهان؟ وماهي المحصلة الفنية لهذا اللقاء؟ اسئلة ستظل أجوبتها بجوفاء بالنظر الى تكرر سيناريو المردود الباهت للفريق وبالنظر أيضا للنسق الرتيب الذي سار عليه اللقاء... خروج بطيء وبطيء جدا بالكرة مع الإعتماد المكثف على النقلات العرضية وحتى وان وقع البحث عن العمق فإن ذلك يكون اعتباطيا وبصفة ارتجالية عن طريق كرات لاتحمل عنوانا واضحا في اتجاه كوبا ديارا الذي ظل ّوحيدا، عاجزا ومستسلما للمحاصرة الدفاعية... تغيير النسق في الأمتار الأخيرة لمناطق الخصم لايدخل في النسق العام الذي اختاره النجم لهذا اللقاء... أخطاء دفاعية بالجملة تواصل فرض نفسها في كل لقاء وأداء هجومي باهت أصبح يتسم بصيغة فردية لاعتماده بصفة تكاد تكون كلية على انجاز قد يأتي أو لايأتي من رحم مبادرة فردية فالنجم خلق طوال مباراة كاملة فرصة واضحة أو بالكاد فرصتين فهل بهذا الزخم الهجومي يقدر الفريق على الوصول بمباراته الى برّ الأمان حتى بعد عودة القوافل في اللقاء ومثل كل لقاء في السلسلة الأخيرة لم نشاهد من زملاء الشاذلي ردة فعل تشفي الغليل وتلمح حتى الى أن أبناء الكبير لايرضون بالقليل ذلك ما ستحفظه ذاكرة الملاحظ والمشاهد العادي بعيدا عن ديماغوجيا الحسابات التكتيكية المعقّدة وفلسفة القراءات الفنية المعمّقة والتي لن تغيّر من واقع الأمور شيئا ونحن وان كنا نقرّ بأن درب البطولة لازال طويلا وشائكا فإنه لزام علينا الاقرار أيضا بأن كل عثرة من شأنها أن تقلص من هامش الخطأ أمام أبناء الكبيّر وهامش الخطإ الآن اصبح منعدما تقريبا لأن كل خطوة اخرى غير محسوبة قد تجعل مصير البطولة بعيدا عن...الممكن وقريبا من المستحيل... غمزة من يشاهد مباريات النجم الأخيرة في البطولة لايتبادر الى ذهنه ولو للحظة أن أبناء الكبيّر في كل الصور المذكورة معنيون ولو من بعيد بالمنافسة على لقب البطولة فالروح في غالب الأحيان مفقودة والرغبة في الانتصار والاندفاع على الكرة لانكاد نلمس لهما أثرا على آداء اللاعبين الا في احيان قليلة ونادرة ففي لقاء قفصة الأخير كان أبناء خالد بن ساسي أكثر تحفزا من نظرائهم في النجم وكأن نتيجة المباراة مصيرية بالنسبة لهم وشكلية بالنسبة لأبناء الكبيّر انظروا الى عدد الانذارات التي رفعها يوسف الشرايري لكبح جماح لاعبي القوافل واندفاعهم والى عدد الانذارات التي لم يشهرها ايضا وقارنوا مردود أمير العمراني ورغبة عبد الرحمان بعبورة بالوجه العام للاعبي النجم... لاعبو النجم المدللون الذين يتمتعون بمنحهم وجراياتهم في اوانها ولاعبو القوافل الذين يحصلون على مستحقاتهم بعد اضرابات وعناء ولكنهم عندما ينزلون الى الميدان لايفكرون الا في بل قميصهم ولو بذلوا من أجل ذلك عرقا يلون الدماء..