تابعت مثل سائر خلق الله فعاليات قمة مجموعة الثماني التي انعقدت بدوفيل بفرنسا.. وشاركت فيها تونس واستمعت الى كلام كثير والى وعود رنانة.. والى قرارات هامة قد تم اتخاذها من خلالها من طرف جماعة الثماني وبعضها قد خصنا في تونس بل انه قد تم تقريره لفائدتنا. ولاحظت مثل غيري أن جل هذه القرارات قد تركزت على مساعدات قد قيل انه تم تخصيصها لفائدتنا.. وسمعت من يرفع خلال هذه القمة شعارا يقول ان الجماعة يسهمون بذلك في صناعة ربيعنا. وفهمت من كلام سي الباجي الذي حضر هذه القمة ان تونس ليست راضية لكنها مطمئنة. ورغم تأكدي وتأكد الجميع معي.. بأن القطوس لا يصطاد لوجه الله.. ورغم ادراكنا لحقيقة نوايا الآخرينحولنا وتجاهنا ورغم اعتقادنا بأن مسألة المساعدات والدعم الموجهة لنا خصوصا من طرف هذه المجموعة لم تخصص لنا لوجه الله.. ولا لسواد عيوننا.. فلقد سرّنا ما حصل.. واعتبرنا فيه دعما حقيقيا لنا خاصة في ظل ظروفنا الحالية الصعبة. الا أننا ومع ذلك فلم نتمكن من الاقتناع الكلي بأن هؤلاء هم الاقدر على صناعة ربيعنا رغم ما بذلوه من جهد لفائدتنا ومن أجلنا. أقول هذا لعدة أسباب.. أما ما يتعلق منها بغيرنا فلقد ذكرت بعضه والذي أكدت من خلاله أن قطاطيسهم لا تصطاد لربي.. وهذا ما فهمناه سابقا وما قد يتبين لنا لاحقا.. ولا شك أن الظروف كفيلة لوحدها بتأكيده لنا مما يعني أن حديثهم عن دورهم الريادي في صناعة ربيعنا قد نعتبره «بروباڤندي» اكثر من اللزوم.. وسوف لن نأخذه على غير حقيقته والتي تتمثل في حرص الجماعة من خلال هذا الفعل على تنفيذ اجندات تخصهم وتعينهم وتخدم مصالحهم.. ولا تعتبر صناعة ربيعنا مسألة هامة بالنسبة اليهم.. وأما ما يتعلق منها بنا.. فهذه مسألة قد يلزمها كلام كثير.. في هذا الخصوص لابد لنا من الاعتراف بداية بأن هذا الربيع الذي يتحدثون عنه وأقصد ربيعنا في تونس لا يمكن لغيرنا أن يصنعه حتى ولو تكفل بمنحنا كل كنوز الدنيا من أجل ذلك وحتى ولو خصص لنا كل أموالنا. وإذا أدعي هذا فلأننا الاقدر لوحدنا على صناعة هذا الربيع ولأن مسألته تخصنا ولا تعني غيرنا. هذا كلام أقوله أولا لسي الباجي ولحكومته.. حتى لا يتصوّر هو وحتى لا يتصور وزيره للمالية خاصة والذي لاحظنا أنه غارق في شدة التفاؤل بسبب تهاطل هذه المساعدات علينا قلت أقوله لهؤلاء حتى لا يتصوّروا أن مجرد حصولنا على هذه المساعدات كفيل لوحده بإخراجنا من عنق الزجاجة دون التزامنا بحسن التصرف فيها.. وهذه مسألة وإن كنا لا نتشكك فيها تشككا كاملا.. فإننا لم نتمكن بعد من الاعتقاد في امكانية صدقها. وأقوله ثانيا لهذه الاحزاب حتى لا تتعامل مع المسألة.. بما قد «ينوبها» منها من خير عميم فتحسبها بقدر ما تجنيه منها من منح ومن مساعدات.. وأقوله ثالثا لأبناء الشعب الكريم حتى لا يتصوّروا بأن «باب العرش» قد فتح في وجوهنا وبأننا سوف نتمكن قريبا من تحقيق كل رغباتنا.. أما لماذا أقوله لكل هؤلاء فلأنني أعتقد أولا بأن حصولنا على كل هذه الاموال قد يساعدنا على فتح باب المناظرات الخاصة بانتداب أبنائنا العاطلين عن العمل.. لكنه قد لا يضمن لنا النجاح في انتشال المستحقين منهم من أوضاعهم اذا لم نلتزم الشفافية في ذلك ولأنني أتصور بأن هذه الاموال سوف تمكننا من بعث المشاريع لكنها لن تضمن لنا نجاحها وقدرتها على تغيير حالنا نحو الاحسن والافضل اذا لم يتسم الساهرون على بعثها بالنزاهة اللازمة. ولأنني أدعي بأن كل هذه المساعدات قد تمكننا من اقرار البرامج التنموية لكنها قد لا تساعدنا على حسن تنفيذها.. اذا لم نتخلص في ذلك من عقلية الماضي وخاصة اذا عهدنا بتنفيذها الى من لا يتميز بالوطنية الصادقة.. وبالتعلق اللازم بمصلحة هذا الوطن. تبقى مسألة هذه الأحزاب والتي بدأت بعد حملاتها الدعائية.. من أجل الوصول للكرسي وهي حملات قد بدأت آثارها تنعكس على واقعنا لتؤثر فيه بطريقة سلبية ولتدفع بنا الى مواصلة العيش في ظل مناخ متوتر ومنخرم ومهتز وغير آمن. أما هذه فسوف أعتبرها من المسائل التي قد تهدد استقرارنا.. وقد لا تدفع بنا الى الاطمئنان حول مصيرنا.. مما قد يجعل كل أموال الدنيا.. عاجزة لوحدها ولو هبطت علينا دفعة واحدة.. على تغيير حالنا نحو الافضل وحتى اذا بدا كلامي في هذا الخصوص بغير حاجة للمزيد من الشرح.. فسوف اكتفي من أجل مزيد تأكيده.. بنقل تخوفات الناس مما قد يصيبهم من جراء هذه الشطحات السياسية.. والتي بدأت تطفو على سطحنا.. وهي شطحات يدرك السواد الأعظم أنها لا تهدف لغير خدمة مصالح أصحابها لكنها قد تسوق البلد بأكمله الى ما لا يحمد عقباه.. وقد تحكم عليه ولعلها قد بدأت في ذلك بالانقسام.. وربما بالتأهل للحروب الاهلية.. وبخوض غمار الخلافات.. المعلنة والخفية وهذه مسألة.. قد بدأنا نلمس بوادرها.. ونتأكد من خطورتها.. خاصة.. ونحن نفتقر في هذا البلد الى القدرة على تحملها بحكم انعدام خبرتنا فيها.. المهم.. اننا مطالبون كلنا.. حكومة وشعبا وأحزابا سياسية بألا نغرق في التفاؤل المبالغ فيه بالاعتماد على ما سمعناه من عزم الاخرين على صناعة ربيعنا.. ذلك أن هذا شأن يخصنا لوحدنا.. لأننا الأقدر على فعله.. وبمفردنا ولأن كل «أموال الدنيا».. لو تم تخصيصها لنا لما نجحت في صناعة ربيعنا.. بدون استعدادنا لفعل ذلك بأنفسنا ولأنفسنا. وأختتم بهذه التساولات.. أولم تتوفر لنا في عهد الزعبع الاموال.. أولم نحصل على القروض والمساعدات.. أولم نتحدث عن مشاريعنا التنموية الرائدة والتي نجحنا في بعثها.. في تلك الاثناء أولم نكتشف بعد كل ذلك.. بأن أموالنا.. قد حرقت برغم ارادتنا الى الخارج.. وأن بعضها قد فضل الاختباء بداخل الخزائن الخاصة.. وأن مشاريعنا التي تحدثنا عنها قد كانت حكرا.. على «الزعابعة».. آمل ألا يعيد التاريخ نفسه.. وأعترف بأن مجرد التفكير في هذا.. يخيفني ويخيف غيري بل انه يرعبنا..