منذ اندلاع ثورة الكرامة، عاش التونسي محطّات صعبة في حياته لم يتعوّد عليها. عاش الثورة بكل تداعياتها وبكل احباطاتها وبكل قوى الردّة التي تحاول أن تجهضها وتنغص على الشعب فرحته بها، حتى أننا لم نفرح الى حدّ الآن بهذه الثورة الرائعة. عشنا الخروقات والاهتزازات والاضطرابات والتهديدات والاعتصامات والانفلاتات والاختراقات والاحتراقات. عشنا الازمات، الاقتصادية والسياحية والاعلامية والاخلاقية والحضارية. عشنا تصفية الحسابات وتسليط العقوبات وإقامة المحاكم الاخلاقية والموازين المعنوية التي تتعمد بمياه الثورة لإضفاء شرعية على تصرّفات رعوانية. *** وهضمنا كل هذا وقبلناه بكل روح ثورية وشغف حبّ يؤمن بأن لكل ثورة فاتورتها الباهظة. ومضينا ندفع فاتورة هذه الثورة الرائعة ومنتظرين يوم 24 جويلية لتحل الشرعية الحقيقية مكان سياسة الالتفاف والركون والانتهازية. انتظرنا اشهر لنصل الى برّ الامان، حيث سيقول الشعب كلمته وتأكل الاحزاب كعكتها. الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الشعب اليوم هو انتظاره تاريخ 24 جويلية وانتخابات المجلس التأسيسي، فبعد كل هذه المفاصل الدامية من الثورة ها هو الشعب ينتظر الفصل الأخير بعد أن يعلن كلمة الفصل. *** الهيئة العليا المنصبة تتكلّم باسم الشعب، ولم يكلفها أحد عناء ذلك؟؟! والأحزاب تتكلّم باسم شعب لا يعرفها ولا تعرفها!! مكوّنات المجتمع المدني، تغازل الناس باسم الشعب الذي لم تستمع اليه أبدا؟! والشعب صامت ينتظر 24 جويلية ليدلي بدلوه. وفي عمق انتظاراته، تتداعى خساراته على أمل الغد المرتقب. *** ولكن، ها هو فريق آخر يخرج علينا من الهيئة العليا ثلاثية الابعاد ليعلن بأن موعد الفرح المرتقب لا يصلح للانتخابات وعلينا ان نؤجل الاخر الى موعد لاحق في أكتوبر!؟ ولوهلة، يضحى المواطن الذي قام بأرشق ثورة في التاريخ كرة بين الذكورة، ويصحو على كابوس التأجيل وما يعنيه التأجيل من إمعان في الفراغ الدستوري واصرار على غياب الشرعية القانونية وإشعال لمزيد الحرائق في صدر شعب مدّ مفتاح ثورته الى نخب لا تعرف قيمته. ثورة الشعب التونسي هي براءة اختراع صميمة مكّنت بعض النخب التونسية من شرفات الانطلاق والانعتاق ولكن عند الضفة الاخرى لما وراء الباب هناك من يبحث عن الفراغ الدستوري والانفلاتات الادارية وفوضى الانتصاب لأحزاب الفوضى وتغييب الامن والامان وإرساء جوّ من عدم الثقة والترصد المباغت، ولذلك نزلت علينا هذه الهيئة المستقلة للانتخابات بضرورة تغيير التاريخ من أجل أسباب فنية؟! *** يبدو أن هذا القرار غير مسؤول، ويضع المواطن التونسي في حيرة أمام من يصدّق!؟ فلماذا تقبل هذه اللجنة المستقلة وتترشح وهي تعلم بتاريخ 24 جويلية ثم هل هو دورها تعيين التاريخ أم الاستعداد الكامل للانتخابات فيا أصحاب الهيئات العليا والمستقلة أرجوكم، يا أصحاب الهيئات والخارجين منها، احترموا رغبة الشعب في الخروج من هذا المأزق الحاد ولا تجعلوه كرة بين الذكورة، لقد انتظر الشعب طويلا وضحّى كثيرا ولا يبدو أنه مستعد لمزيد من التضحية واستنزاف الطاقة في انتظار تواريخ أخرى تتكاثف فيها الاحزاب وتشرع فيها الابواب وتنهك فيها البلاد ويتعب فيها العباد. ايتها الهيئات العليا والمستقلة، احترموا دماء الشهداء وآراء الحكماء ولا تنصتوا الى ضغط الادعياء.. الوقت لم يعد يسمح بمزيد من الاخطاء.