الليلة: طقس صاف والحرارة تتراوح بين 21 و32 درجة    عاجل: وزارة الصحة تحذّر من منتج 'Lemon Bottle'    عاجل/ يهم هؤولاء التلاميذ: وزارة التربية توجه نداء هام للاولياء..    البطولة الانقليزية: تشيلسي يضم المدافع الفرنسي مامادو سار    هيئة المحامين تعلن عن إمكانية التحاق المحامين بقافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة    هيئة السوق المالية تشرع خلال شهر جويلية 2025 في إنجاز مهام رقابية    العمران: العثور على جثة طبيب والأبحاث تكشف تورّطه في طعن زوجته الطبيبة    حجّاج بيت الله يؤدّون طواف الوداع    عاجل : رسميا... دول عربية وإفريقية على القائمة السوداء لترامب!    عاجل/ الصحة العالمية: جدري القرود ما يزال يمثّل حالة طوارئ صحية    حفوز: قتيلان و3 جرحى حصيلة حادث مرور    رڤوج يتحصّل على جائزة أفضل سلسلة درامية في المهرجان الدولي للأعمال الدرامية في ماتيرا – إيطاليا    دار الفنون تحتضن المعرض الوطني للفن التشكيلي    نابل: الانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب وسط ارتفاع درجات الحرارة يعمّق معاناة أهالي بئر الجدي بمعتمدية الهوارية    هذا ما تقرر في الرئيس الأول لمحكمة التعقيب المعفى الطيب راشد ورجل الأعمال نجيب اسماعيل    الإعلان عن إتفاق نهائي بشأن تنظيم دوائر النقل الحضري المشتركة بين ولايتي نابل وسوسة    رونالدو يرد بقوة: لن أرحل عن النصر.. وهذا قراري النهائي!    عاجل : بشرى سارة للتونسيين المقيمين في إيطاليا    عاجل/ عدم سماع الدعوى في حق خليفة القاسمي    عاجل/ "قافلة الصمود" لم تتحصّل على تصريح الدخول الى مصر إلى الآن    "سيني جنينة" من 11 جوان إلى 16 جويلية 2025 بتونس العاصمة    جمعية مسرح المدينة بجمنة تستعد لتنظيم إقامات فنية لتأطير المشاريع الثقافية للشباب من تونس والمغرب والسنغال في المجال السمعي البصري    اليونيدو تواكب التحول البيئي للقطاع الصناعي في ظل بيانات عن خفض القطاع ما يناهز 13 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون – بن حسين –    منظمة "اليونيدو" تجدّد التزامها بدعم تونس وتعزيز الشراكة الاستراتيجية نحو آفاق تنموية واعدة – الأسعد بن حسين    الحمامات: العثور على جثة رضيع حديث الولادة في حاوية فضلات    عاجل/ المتحور الجديد "نيمبوس": د.دغفوس يبيّن مدى خطورته على تونس    جندوبة: عدد من مربي الماشية يطالبون بالتعجيل في تلقيح قطيعهم    في آخر أيام الحج.. ضيوف الرحمان يرمون الجمرات الثلاث    بعد ليلة عاصفة.. طرابلس تستعيد هدوءها وسط تمركز أمني وانتظام حركة الطيران    انطلاق تظاهرة 'دروب ومسارات' بمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف    خبير مالي: إرجاء اصدار أقساط القرض الرقاعي قد يمكن من نزول نسبة الفائدة في الاشهر القادمة    الدورة ال17 للصالون الدولي للبلاستيك من 17 الى 20 جوان الجاري بقصر المعارض بالكرم    عاجل: لا حالات ضياع في صفوف الحجيج التونسيين حتى الآن    طائرة-استعدادا لبطولة العالم 2025 - المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري رابع بتونس    صدمة العيد: لحوم الدواجن تهزم ''العلوش'' على موائد التونسيين!    نقابة الصحفيين تدعو السلطات التونسية والليبية والمصرية إلى مساعدة قافلة "الصمود"    ناغلزمان بعد الهزيمة من فرنسا: ألمانيا تبني شيئا مميزا    الكاف: تجميع 53700 قنطار من الشعير منذ انطلاق موسم الحصاد    تصنيف لاعبات التنس المحترفات - انس جابر تتقهقر الى المركز 59    إنتقالات: محمد الكوكي في طريقه للعودة إلى البطولة التونسية    عاجل : الدولة التونسية تسترجع 400 ألف حساب بنكي نائم... هل حسابك من بينهم؟    عاجل : الاف التونسيين مهددون بخسارة أموالهم في البنوك دون علمهم... هل حسابك من بينهم؟    تنس : الترتيب الكامل لللاعبين التونسيين لهذا الأسبوع    عاجل/ ملف الأضاحي: الكشف عن تجاوزات خطيرة والدعوة للتحقيق والمحاسبة    روبرت ليفاندوفسكي: لن ألعب مع منتخب بولونيا مرة أخرى .. لهذا السبب    موجة حرّ في انتظار التونسيين وتحذيرات نهاية الأسبوع...تفاصيل    مفاجأة بالأرقام : قطاع المياه المعلبة في تونس يُنتج 3 مليارات لتر سنويًا    عاجل : موسم حج 1446ه آخر موسم صيفي ...تفاصيل لا تفوّتها    عاجل/ ظهور متحوّر جديد من كورونا شديد العدوى    عاجل/ جيش الاحتلال يختطف السفينة "مادلين" المتوجّهة الى غزّة    أكثر من 151 ألف مترشّح يستأنفون اختبارات البكالوريا    حرب شوارع في لوس أنجلوس.. وترامب يهدد بإرسال المارينز    وزير التربية يتابع سير العمل بمركزي إصلاح امتحان البكالوريا بولاية سوسة    في غياب هيكل تعديلي .. التلفزات الخاصة إثارة وانحرافات بالجملة    بسام الحمراوي: '' أريار الڨدام''... فكرة خرجت من حب الماضي وتحوّلت لسلسلة كاملة بفضل الجمهور    رئيس البعثة الصحية لموسم الحج يدعو الحجاج إلى أخذ الاحتياطات اللازمة في ظل ارتفاع درجات الحرارة    جائزة محمود درويش تضيء على إرث الصغير أولاد أحمد وشعر المقاومة    تسليم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    









لماذا لم أحرق؟! (54)
نشر في الصريح يوم 10 - 06 - 2011

تعب عمّ ابراهيم العيّاط من سرد حكاية مرزوق فطلب مني أن يذهب ليستريح قليلا.. ووعدني بأن يكمل لي بقية الحكاية في اليوم الموالي بعد أن ننهي عملنا الشاق في مزرعة المرأة الإيطالية التي لا يرضيها إنتاجنا مهما كان ضخما فهي تطالب دائما بالمزيد ولكنها كثيرا ما تهمس في أذني بأنني منذ مجيئي الى المزرعة تحسّن وزاد بل وتضاعف الإنتاج لكن عليها أن تخفي ذلك عن العمال حتى لا يتراخوا ولا يتكاسلوا.. وكانت كثيرا ما تثني على «وقفتي» وحزمي ومعاملتي الصعبة مع العمال بينما أنا في الواقع كنت أشفق عليهم وأعاملهم بالرفق واللين فهم يعيشون في ظروف صعبة.. وتعيسة.. وصفها عمّ ابراهيم بأنها عيشة لا يرضى بها كلب صاحبة المزرعة الذي تدلله.. وتنفق عليه في اليوم الواحد ما تنفقه على مائة عامل في أسبوع كامل دون مبالغة.. فهو أمير.. ومدلل.. ويعيش عيشة مرفهة.. فله طعامه الخاص.. وسريره الخاص.. ومقعده الخاص.. وصابونه الخاص.. وأدويته الخاصة..
إنه صاحب حظوة وسلطة وعندما يراه العمّال يتبختر أمامهم صحبة صاحبة المزرعة يلعنون الظروف التي اضطرتهم الى الحرقان والمجيء الى باليرمو..
وكم تمنيت أن أطلق رصاصة على هذا الكلب أو أن أكسر رأسه بمطرقة أو بفأس أو أقطع مصارينه بسكين..
إنه يستفزني استفزازا لا حدود له وخصوصا عندما يأتيه طبيبه الخاص لفحصه دوريا..
ثم أنني بصراحة صرت أحقد شيئا فشيئا على صاحبة المزرعة لأنني أدركت أنها تحترم كلبها وتقدره وتدلله أكثر مليون مرة من أي عامل من عمالها بمن فيهم أنا.. وقد أشعرتني ذات مرة بكل فظاظة ووقاحة وقلة حياء أنها تفضل كلبها عنا جميعا ولها ثقة عمياء فيه لا يحظى بها كل الذين يشتغلون لديها دون استثناء..
عندما سمعت منها هذا الكلام تمنيت أن أهجم عليها.. وأكسّر لها أسنانها.. وأسمّم لها ما تسميه بطفلها المدلّل.. وأعطيها درسا قاسيا لن تنساه في احترام البشر خصوصا الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة..
ولكنني لعنت الشيطان.. و«بلعت السكين بدمها».. وتحكمت في أعصابي.. وذكّرت نفسي بنفسي بأن «الصوف يتباع بالرزانة»..
وقلت لها بصوت منخفض:
«وراس أمك ما عندك وين فالته مني يا قردة.. إنت وكلبك»..
سألتني: لم أسمع ما قلت..
فقلت لها: ما شاء الله على دلالك.. وشبابك.. إنك تزدادين جمالا وشبابا وحيوية.. فماهو السرّ يا ترى؟
قالت بشيء من الزهو.. والغرور.. والدلال.. والاقتناع:
إنه الحبّ.. فأنا لا أخفي عنك أنني امرأة عشّاقة.. وفي كل فصل من فصول السنة أعيش قصة عشق عنيفة فأتجدد.. وتتجدد حتى خلايا جسمي..
وأضافت تقول:
إن الحب هو الأوكسجين الذي أعيش به.. ولا أتحمل أن أكون ملكا لرجل واحد.. والرجل مملّ بطبعه.. ولا يحسن كيف يرضي المرأة إلا في البدايات فقط.. إنه لا يحسن العطاء الطويل فهو قصير العمر على ذلك المستوى الذي يهمّني.. وأظنك فهمتني ماذا أقصد..
أشرت لها برأسي بما معناه أنني فهمت قصدها جيدا.. واستأذنتها في الانصراف الى عملي وتركتها هي وطفلها المدلل وقد انتفخت غرورا.. وعجرفة.. وصدقت أنها مازالت على قيد الحب والجمال وأنها مازالت ممتلئة بالأنوثة.. ويشتهيها الرجال..
لقد بلعت الغبية «الحربوشة» فقررت أن أنتقم منها ذات يوم بحرمانها من هذه «الحربوشة» وأن أكشف لها حالتها وأصدقها القول وأصفها الوصف الحقيقي فأصدمها صدمة «لا تقرا ولا تكتب»..
ربما يأتي اليوم الذي أنتقم فيه لكل العمال التوانسة البؤساء والمساكين وعلى رأسهم البائس الأكبر عمّ ابراهيم العياط ذلك الرجل المرهق والذين تستغلهم وتفضل كلبها عليهم..
من يدري فقد يأتي اليوم.. وقد تسمح الظروف.. وقد أجبرها على أن تندم على كل ما فعلته في المعذبين في الأرض من الذين حرقوا من تونس فاحترقوا..
عدت الى غرفتي وقررت أن أنام حتى دون أن أتعشّى وأستريح من عناء وأرق وقلق الأيام الماضية..
أطفأت النور وفوق مخدتي المبللة بدموعي التي لا تجف وضعت رأسي المثقلة بالهموم والأحزان وبصورة مرزوق المسكين المظلوم الذي ذهب ضحية (صبّة) كاذبة وحاقدة ورحت أتساءل:
بالله ماذا سيربح هذا «الصبّاب» الذي «قوّد» برجل فقير وبائس وطيّب وصاحب عائلة؟.. وماهي مصلحته؟ وماهي غايته؟.. ثم هل يبلغ الغباء بدولة بطمّ طميمها أن تشغل وقتها وبالها وامكانياتها بقضية رجل بسيط محروم لم يجد في الاستقلال ما كان يحلم به ويتوقعه؟
ماهي قيمة دولة تدخل في حرب مع مواطن لا يملك غير قوت يومه ولا حول له ولا قوة؟
ما هذه الدولة التي عوض أن تخطط للانجاز والابداع والانتاج تضع الخطط لتجعل من مواطنيها مجانين..؟
ألم يكن من الأجدى لو مكنت الدولة مرزوق من النفقات التي أنفقتها عليه لتجننه فيحسن بها وضعه.. وييسر بها أمره.. ويدخل على أولاده ذات مساء بما يفرحهم وبما تشتهيه أنفسهم المحرومة..؟
وعندما سوّيت الوسادة جيدا وأخذت أستعد للنوم قلت بصوت مرتفع وكأن هناك من هو معي في الغرفة:
والله العظيم ثلاث مرات.. هذه دولة حمقاء غبية.. عوض أن تنفق مالها في الخير وفي ما ينفع الناس تنفقه في الشرّ وفي ما يضرّ بالناس..
وخيّل إليّ أن هناك من هو في الغرفة بصدد تسجيل أقوالي فتركت فراشي وأشعلت النور.. وأخذت أبحث عن «القوّاد» الذي تسلّل إليّ في الظلام ولكنني لم أجده..
انحنيت وتطلعت تحت السرير علّني أجده مختبئا فللقوادة أساليب شيطانية لا تخطر لنا على بال ولكنني لم أجد أحدا..
قرأت بعض سور القرآن الكريم واستعذت بالله من الشيطان وذكّرت نفسي بأنني في باليرمو ولست في تونس وتنفست الصعداء وشتمت الصبابة والقوّادة.. ومعهم القفافة فشعرت بشيء من الهدوء النفسي.. وبدأت أتثاءب.. الى أن استولى عليّ النوم..
ولكن!
«على وضوك يا سي خليفة»!
هل تعرفون ماهي المشكلة الجديدة الآن المنتشرة بقوة وتكاد تكون عامة ولا تقتصر على فئة دون فئة.. أو جماعة دون جماعة..؟
إنها مشكلة أننا لم نعد نسمع بعضنا البعض.. فأنت تتكلم ولكنك كأنك تكلّم نفسك لأن من تكلمه غير مشغول إلا بمشكلته الشخصية التي أرقته وأقلقته وأرهقته..
ومن تذهب اليه لتحكي له عن مشكلتك يقاطعك.. ولا يسمعك.. وينطلق في الحديث عن مشكلته.. أي «اللي تمشي باش تشكيلو.. يبكليلك»..
لقد غرقنا الى «العنكوش» في المشاكل من كل نوع.. ولون.. وصنف وصرنا جميعا نسبح في بحر واحد وهو بحر الصعوبات والخلافات والعقبات والديون والأعباء التي تفوق طاقة الاحتمال..
ولذلك إذا كانت لديك مشكلة ما كبيرة أو صغيرة فما عليك إلا أن تشغل بها نفسك فقط ولا تتوقع من هذا أو ذاك المساعدة او التفهم او المعاضدة أو المساندة أو حتى التعاطف لأن من ستطلب منه ذلك هو بنفسه له مشكلة وربما مشاكل أكبر من مشكلتك..
ثم ان الذي «خمّج» الوضع و«الخمج» كلمة عربية فصيحة وليست عامية مثلما يظن البعض هو أننا أصبحنا نلجأ ببعضنا البعض الى القضاء وغالبا لأسباب تافهة وتفاصيل صغيرة الى درجة أنه ربما نصل الى اليوم الذي لا يقول فيه الجار الى جاره صباح الخير أو مساء الخير ولا يرد عليه التحية.. يقاضيه ويقدم ضده قضية بدعوى «المحقرانية» و«قلة التربية»..
إن الساحة القضائية أصبحت اليوم تشهد مباراة وطنية في التقاضي وجميعنا أصبحنا نمارس رياضة التقاضي ضد بعضنا البعض وتناسينا أساليب الصلح.. والتسامح.. والتوادد.. والتراحم.. و«ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم»..
أما عن لغة التهديد والوعيد والقوة فحدث ولا حرج..
قالت زميلة صحفية ذهبت لإجراء مقابلة صحفية مع رئيس من رؤساء الأحزاب ومنذ اللحظة الأولى وقبل أن تسأله أي سؤال حذرها وقال لها:
«شوف إذا خرج كلام ما يعجبنيش في المقابلة نقاضيك ونقاضي الجريدة»..
ومعنى ذلك أن على «وضوك يا سي خليفة».. حذرها وهددها وهي مازالت لم تسأل ولم تتكلم ولم تكتب ولم تنشر فهل هذا معقول؟
فما كان من الزميلة إلا أن قالت له بكل أدب: «السلام عليكم وخلّي حديثك عندك»..
وذهبت وتركته يتكلم مع نفسه ويكلم نفسه..
وكأني بالتقاضي أصبح عندنا موضة.. ولكنها موضة ليست لطيفة.. وضررها أكثر من نفعها لأنها ساهمت في تعكير الاجواء بيننا.. وفي تسميم العلاقات مع بعضنا البعض.. بحيث تحوّل مجتمعنا الى مجتمع عداوات.. و«نبزيات».. وخلافات.. وخصومات.. ومشاكل لا أول لها ولا آخر..
وماذا يملك الإنسان أن يقول أمام هذا الوضع غير «ربي يهدينا على بعضنا».. و«ربي يحنّن القلوب على بعضها»..
إلى من يريد أن يفهم:
لا يقول الملح عن نفسه بأنه مالح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.