ألا نخشى أن نكون ثرنا على الفساد فزرعنا فسادا آخر من حيث ندري ولاندري؟ ثرنا لأن الطاغية المخلوع وعصابته نشروا الفساد في كل ركن من أركان البلاد وظلموا العباد، فلما فاض الكأس بعد صبر دام ثلاثا وعشرين سنة انتفضنا وثرنا وقلنا: سنقضي على الفساد، سنطهر البر والبحر والجوّ من الفساد فهل نقضنا ما قلناه؟ هل أوفينا بوعودنا وقد انضمت الى الجمعيات والمنظمات أحزاب وأحزاب؟ تعالوا نتساءل ونتصارح ونصف الواقع الذي صرنا نعيشه ونتنفسه ماذا يقول الواقع في امتنا؟ ألا يقول أن أعراسنا صار يحرسها رجال أجر الواحد عشرون دينارا ومعهم كلب جرايته في ساعات قليلة من الليل ثمانون دينارا خوفا من الإنفلات الأمني؟ ماذا يقول الواقع في ساحاتنا؟ ألا يقول: ان الانتصاب الفوضوي صار هو السائد السيد فيها واذا كلمت «صاحب نصبة» وأنكرت عليه هذه الفوضى صاح في وجهك قائلا: (نحن في عهد الحرية وعهد الديكتاتورية مشى مع الديكتاتور الله لاترحمو) ماذا يقول الواقع في النظافة؟ ألا يقول: ان نوابا في بعض البلديات عوض ان يتحاوروا بالعقل واللسان تحاوروا (بالبونية) وتركوا الزبالة تتكدّس في الشوارع؟ ألايقول الواقع: ان بعض النواب في بعض البلديات وجدوا أنفسهم أمام تحكمّ و«تسردك» أفراد من نقابات والتهديد بإضرابات؟ ماذا يقول الواقع في منظماتنا؟ ألا يقول: انها في بعض المواقع نسيت رسالتها وصارت تتخاصم على الكراسي والجسور هو الذي يخطف أكثر المواقع؟ ماذا يقول الواقع في أحزابنا أليست لاتنام ولاتصحو الا كما يصحو الدجاج في القفص فينقر بعضه بعضا أليست تصرف جهودها وأوقاتها في البحث عن عيوب الآخرين وتصطاد فقط الضعف عندهم ليضربهم الضربة القاضية؟ ماذا يقول القائل في سلطتنا القضائية؟ أليست قد رفعت عنها جلباب الهيبة والوقار ودخلت في معارك ساخنة مع المحامين ومع بعضها بعضا؟ ماذا يقول الواقع في اطاراتنا الأمنية؟ ألا يقول: ان أغلب رجال الأمن جلسوا على مدارج الفرجة وقال قائلهم عنا في طرقاتنا وساحاتنا وخصوماتنا حابشو يتحابشو ان شاء الله يتكابشو؟ ماذا يقول الواقع في مصحاتنا ومستشفياتنا الا يقول: انها تحوّلت بالتسلط في بعض المواقف النقابي الى قاعات افراح وأعراس وموسيقى ورقص والمرض لايجعلهم باش ناموا ومدير المستشفى خايف و الوالي خايف والوزير يسمع ويسكت؟ وين ماشين؟ ماذا يقول الواقع في الرشوة؟ أليست مازالت حشيشتها في اداراتنا خضراء؟ ماذا يقول الواقع في عهد الثورة في قفة الزوالي؟ سألت الزوالي فقال لي: وهل بقيت عندنا قفة في هذا الغلاء الذي لم يرحمنا فيه تاجر ولا فلاح؟ القفة طارت. ماذا يقول الواقع في الإعلام؟ سوق الإعلام امتلأت وفاضت بالسلع المعروفة ولايوجد من يبارك بعضها ويحيي بعض مافيها، (متاكلة ومذمومة) ماذا يقول الواقع في هيئات حماية الثورة؟ أليست تعيش على الهوامش وتدخل من خلاف الى خلاف ولانجد الوفاق ولاتصل الى الوفاق الذي راهنت عليه؟ ماذا يقول الواقع في عمل الحكومة الانتقالية؟ ان مانتورعه ومانغوسه اليوم تدوسه أقدام الاضرابات وتقضي عليه الاعتصامات وكلنا أو أغلبنا صامت يضيق صدره ولاينطلق لسانه؟ فهل هذا يا نساء تونس ويارجالها ويا أطفالها ويا شبابها يرضينا؟ هل هذا هو الذي يصل بنا الى غد مشرق متى نتقي الله في وطننا وشعبنا ونشمر على سواعد الكد والجد والزرع والغرس وقلوبنا واحدة وأيدينا متضامنة ظاهرة من فساد الأنانية وفساد السياسة؟ متى لاتسمع في كل نشرة اخبار وتقرأ في كل صحيفة الا أخبار البناء وقد فاح في كامل ربوع وطننا عطر الإصلاح والصلاح ونسينا الفساد وعهد الفساد؟ هل أتفاءل وأقول: كل آت قريب ام أتشاؤم ؟ أسأل وأحب أن أفهم