(0 - تقييم القراء) مساء أمس كان من الأمسيات التي يجوز أن نقول فيها وعنها: «عندما يأتي المساء».. فلقد كان من الأمسيات الاستثنائية جدا.. إنني أشير الى الموعد الجميل الذي ظهرت فيه السيدة فيروز أمام جمهورها في بيروت بعد غياب طويل وظننا أنه سيطول أكثر.. وقد يتحول الى غياب أبدي! وعودة فيروز الى جمهورها حدث ثقافي فني وثقافي كبير ما في ذلك شك وهو من الأحداث التي لم تعد تحدث في عالمنا العربي الا قليلا في ظلّ التراجع الثقافي والجمالي الرهيب المهيمن على ساحاتنا الثقافية.. وفي ظل الرداءة الفنية والأمية الثقافية التي زادت في تأزيم الواقع العربي وترديه وانحاططه.. هو حدث إستثنائي جميل ما في ذلك شك.. ولكن الحدث الذي أعتبره أهمّ وأعظم ويلفت النظر والاهتمام هو احتفاء الصحافة اللبنانية بعودة فيروز.. لقد أعطت لهذه العودة أهمية كبرى.. وخصصت لها مساحات كبيرة وصفحات كثيرة فنشرت المقالات والتعاليق وهناك من الصحف من خصصت صفحتها الأولى بالكامل لهذا الحدث.. جريدة «الأخبار» على سبيل المثال أهملت أحداث وأخبار وفواجع العالم ولبنان معه وأعطت صفحتها الأولى لفيروز.. إنه كرم صحفي رائع.. ولكنه كرم في محله وغير مبالغ فيه.. لقد ظللت أمس أتأمل لفترة في الصفحة الأولى ل «الاخبار» وأنا في حالة انبهار.. كانت الصفحة الأولى عبارة عن لوحة جميلة ومعبّرة اجتمع فيها الذوق.. والجمال.. والفن معا.. كانت صورة فيروز تحتل الصفحة الأولى بالكامل وقد كتبت الصحيفة تحتها عنوانا صخما وبارزا من كلمة واحدة.. لقد كتبت الصحيفة في عنوانها كلمة «الدائمة».. وهي تعني بذلك أن فيروز باقية معنا.. ودائمة في حياتنا.. ومستمرة في العطاء.. ثم بالاضافة الى الصفحة الأولى خصصت الجريدة ما يشبه الملحق لعودة فيروز.. نعم ملحق كامل وبالألوان ومن عدة صفحات... وهل أستطيع أن أخفي إعجابي بهذا الاحتفاء الصحفي الراقي.. وبهذا الاهتمام الثقافي.. وبهذا التمسك بالجميل والاصيل..؟ إنني لا أستطيع أن أخفي لا إعجابي.. ولا تقديري.. ولا إحترامي للصحافة التي تعطي للثقافة والفن والجمال والذوق ما تستحق من عناية واهتمام وحظوة ومساحات هامة وواسعة.. ولكن القبلة لا تكون قبلة الا إذا تمت بين اثنين.. وكذلك الصحافة هي في الغالب الأعمّ (يصنعها) ويحدد ملامحها ومحتواها القراء أولا ويالأساس ثم أهل المهنة وما يجوز في الصحافة اللبنانية ربما لا يجوز في صحافة أخرى.. وأقول ربما وأنا أتمنى من أعماق أعماقي لو أن ربما هذه لم تكن موجودة في موضوع الحال أصلا.. ولكن ما كل ما نتمناه ندركه..