كنت انتظر ذلك منذ مدة وكم تمنيت على صاحبها الصديق صالح الحاجة المغامرة والدخول بها لذلك العالم العجيب الذي لم تقدر أقوى صحف الدنيا على تجاهله بعدما أصبح ضرورة ولا يمكن عليه الاستغناء لهذه الأسباب ولغيرها: أولا : باعتبار أن الإعلام أصبح شانا جماهيريا بعدما كان صوتا للحكام يروجون بواسطته ما ويحلو لهم ويطيب من الاخبار وعلى القراء استهلاكها بدون نقاش أو اعتراض . ثانيا: سرعة المعلومة التي لم تعد تحتمل الانتظار بعد نمو المواقع الافتراضية وتفتحها على القراء الذين يتفاعلون معها حينا ويبدون فيها من النقد والتجريح وما طاب لهم من الآراء والأفكار. ثالثا: تحول الإعلام لخدمة الشعوب بعدما كان حكرا على خدمة السلطان. وخلاصة القول فقد أدركت البلدان الديمقراطية المتقدمة بأنه كان عليها أن تتطور ولو كان ذلك على حساب الصحافة الورقية وبعدما بات القراء هم أصحاب الشأن. لذلك أحسنت الصريح بدخولها لذلك العالم بعدما أثبتت مكانتها لدى القراء باتباعها في الورقية خطا معتدلا متوازنا بعيدا عن الانحياز أو التأدلج السياسي الذي أصبح يزعج القراء. واني أكتب ذلك الآن عن بينة من امري وقد أصبحت في يوم من الايام مدمنا على قراءة تلك الجريدة بالدوام وحتى كاتبا عرضيا فيها في بعض الأحيان. وأتصور أن القراء الكرام يتذكرون كتاباتي تلك التي فيها عبرت عن آرائي المتواضعة في الشان العام أو التذكير ببعض الشخصيات وسيرهم وما قدموه لتونس على مر الايام وتم نشرها تباعا في حلقات على اعمدة الصريح في شكل مسلسلات نالت قبولا وتجاوبا حسنا من القراء وهم الى الان يذكرونني بها ويطلبون مني المزيد منها حتى يعرفها الشباب. قالوا لي ان من محاسنها أنها تذكرهم بأمجادهم وبتاريخهم القريب الذي يطربهم التذكير بِه ويزيدهم اطمئنانا على مستقبل ابنائهم في هذا العالم الذي بات قرية يسمع فيه الإنسان دبيب النملة في اقصى البلدان. لقد كتبت عن بورقيبة وما عرفته منه وعنه مباشرة بحكم المسؤوليات السامية التي عهد لي بها وخاصة لما كنت معتمدا أو واليا او نائبا في البرلمان، وحتى قياديا في حزبه أو محاميا اسعف المظلوم واكفكف دموع الغلالة والمحرومين من جور الزمان. لقد كنت خصصت بعض الوزراء الكبار المقربين من الحكم في الزمن البورقيبي وقدرت أنه كان لهم تأثيرهم في بناء الجمهورية الأولي لما كانوا قادة سواء في زمن الكفاح أو في زمن البناء ومنهم بالخصوص الهادي نويرة ومحمد مزالي وأحمد بن صالح ومحمد المصمودي وأحمد المستيري ولم أغفل عن محمد الصياح وعبد العزيز بن ضياء. لقد تعرضت أيضا للسيدة وسيلة بن عمار ودورها المحوري الذي رأيت فيه عنصر التعديل لمزاج الزعيم في زمن الأزمات، وظهر غيابها جليا في آخر أيامه لما تجرأ عليه القوم وجردوه من الحكم والسلطان. وخلاصة القول، وبعد جهد كبير توصلت الى فتح موقع الصريح الجديد واستعرضت ما انفردت به من أخبار وآراء لعدد من أشهر الكتاب والمع الصحافيين الابرار وغيرهم من أهل السياسة والدبارة وكم كانت تونس في حاجة الى طرقها بموضوعية وأمان. لم يكن دخولي للموقع سهلا كما توقعت وأنا المتطفل على ذلك الميدان ولم تكن لنا نحن كبار السن معرفة بأسراره مثلما هي عند الصغار ولكنني في النهاية وصلت لغايتي وأردت بالمناسبة أن اتفاعل على طريقتي التي يعرفها صاحب الصريح وتعوًّد عليها القراء الكرام. وأنني بالمناسبة ابارك المولود الجديد وأتمنى له الدوام والانتشار للمساهمة في تنمية الرأي الموضوعي والابتعاد عن التمييز والكره والحقد الذي كثرت أعراضه في هذا الزمان والالتزام بعدم الرجم بالغيب قبل معرفة الأسباب وبذلك يمكن لتونس أن تبني مستقبلها السياسي بأمان.