إن ما يحدث هذه الأيام من إصرار على مزيد صب الزيت على النيران المضطرم،هو إمتداد لما حدث سابقا وإن إختلفت المطالب والشعارات، وهي ممارسات تحريضية مؤلمةومفزعة ومحبطة ولكن الأدهى والأمر من كل ذلك هو أنها مخجلة ومهينة لكل التونسيين دون إستثناء . أجل إنها مهينة في بلد أسس لمسار ديمقراطي ونظم إنتخابات نزيهة و0ختار بكل حرية وديمقراطية ، سلطة شرعية تحكمه ، ومما زاد من أثقال الإهانة ان وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم تتناقل حيثيات هذه المهازل وخلفياتها وأهدافها الدنيئة ومقاصد مقترفيها والمحرضين عليها، مشوهة بذلك صورة تونس ومصنفة إياها كبؤرة لتكوين الإرهابيين وتصديرهم !!! بعد أكثر من ستين سنة من الإستقلال وبناء الدولة الحديثة ، وبعد ست سنوات من البناء الديمقراطي وتكريس قيم الحرية ووضع آليات دستورية لصيانة حقوق الإنسان نجد أنفسنا وقد عدنا إلى مربع الفوضى والإنفلات والتطاول على الدولة ومؤسساتها وعلى القوانين والتشريعات ،وغرقنا من جديد في مستنقعات الفتن لتضيع كل الأحلام والطموحات وبحل الخوف محل التفاؤل ونصبح منعوتين بأصابع الإدانة الدولية. لا أحد وجد الجرأة الكافية ليسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، كلهم يتحدثون عن "حملات داخلية وخارجية مغرضة" مع إيحاءات تشير إلى بعض الأشخاص الذين تعاقدوا مع تشويه سمعة البلاد والتحريض على التمرد وإثارة الفتن ، ولكن ، وبالرغم من إرتفاع نسق هذه الممارسات اللاوطنية الدنيئة و0تساع رقعتها ،لم تصل جرأة المسؤولين في السلطة الحاكمة إلى الحد الذي بمكنها من توجيه التهم إلى هؤلاء الأشخاص الذين باعوا ذممهم وضمائرهم خدمة لطموحات شخصية غير شرعية وتنفيذا لأجندات أجنبية بدقة، حتى ما تم تمريره ،في بعض الأوقات ، إلى وسائل الإعلام، لم يكن مصحوبا بتوضيحات إضافية ولم يتم اتخاذ أي اجراءات في ما يخص هذه المسألة ، ولم تحاول السلط تطبيق القانون على المتورطين في التحريض والإساءة للبلاد مما أثار حيرة المواطنين وتساءلوا بمرارة :" ما الغاية من تجنب الكشف عنهم وعدم إإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم ؟ . إن الشعب يريد أن يكون على بينة مما يحدث ومعرفة كل الذين يعملون على تأجيج نيران الفتنة وتأزيم الأوضاع وتشويه سمعة البلاد ، وما على حكومة يوسف الشاهد إلا أن تتحرك بجدية وفاعلية وتستخلص العبرة من أخطاء الحكومات السابقة وتأخذ الدرس المفيد من تجارب الديمقراطيات الكبرى في العالم وذلك بتوظيف شرعيتها للقطع مع التذبذب والإرتجال والتردد والحسابات الضيقة ، تلك التي تؤثر سلبا على مصداقيتها وعلى معنويات المواطنين ، فالمسألة على غاية من الخطورة وتشير إلى تدهور في المنظومة بأكملها ، ومع ذلك لم نسمع بأن السلطة ومؤسساتها قد استعملت صلاحياتها في الكشف عن الحقائق أو إتخذت إجراءات عملية فاعلة للحد من هذه الممارسات التخريبية بالرغم من تعمد الكثير من الأشخاص إختلاق الأزمات طبقا لأجندات مشبوهة ، وبث الإشاعات المغرضة والتحريض العلني على الإحتجاج والتمرد والعصيان، مستغلة هشاشة الأوضاع بالداخل والتوتر الذي تشهده المنطقة. إن هذه الممارسات التي يأتيها " سياسيون" و تيارات تدعي الدفاع عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان تهدد المسارالديمقراطي الناشئ وتعرقل انسيابه وتطعن منظومة القيم والمبادئ والإلتزامات التي بني عليها، في الصميم. وهي لا تؤدي في نهاية الأمر إلا إلى الفوضى العارمة وضياع المكاسب ، كما أنها تعطي للناس صورة سيئة عن الحرية والديمقراطية وتمكن أعداءهما من مبررات إضافية للقدح في جدواهما أو إدعاء عدم نضج الشعب لتبنيهما وتطبيقهما لأن الديمقراطية الحقيقية هي إنضباط و0لتزام و0حترام للشرعية، وما على الفاعلين والمؤثرين في الأحزاب والتيارات والإتحادات والمنظمات إلا إعطاء المثل في احترام القيم الديمقراطية و0لتزاماتها القانونية والأخلاقية. لا شك ان التجاوزات موجودة في كل الديمقراطيات دون استثناء وبنسب مختلفة ، لكنها تمثل حالات معزولة سرعان ما يتم تداركها وهو ما لم يقع في بلادنا إلى حد الآن إذ يتواصل غض الطرف عن هذه الممارسات الخطيرة التي تهدد المسار الديمقراطي برمته ، وتزعزع أمن البلاد و0ستقرارها.