رغم الارتياح الكبير الذي ظهر في الساعات الاخيرة على وجوه الكثير من أفراد الشعب التونسي بعد القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة يوسف الشاهد بإيقاف مجموعة من الشخصيات التي تحوم حولهم شبهات فساد مالي كبير من شأنه أن يهدد الأمن القومي للبلاد لخطورة العلاقات المشبوهة التي يتوفرون عليها ولشبكة الضغط التي يدورون في فلكها والتي لها ارتباطات محلية وإقليمية في علاقة بكل الأخطبوط من المهربين والعاملين في التجارة الموازية ولوبيات التهريب بمختلف أنواعه بما ذلك تهريب السلاح والمخدرات. ورغم تحسن الحالة النفسية للناس بالقرارات الأخيرة التي أقدمت عليها الحكومة لما أعلنت الحرب على المنظومة الفاسدة وجعلتهم يستعيدون منسوب الثقة والأمل بعد أن اتسعت دائرة الإحساس بالفشل والخيبة والندم على قيام الشعب بثورة تم الانحراف بها و إجهاضها، وهي ثورة أريد لها أن تغير من الأحوال نحو الأفضل بالقضاء على منظومة الفساد والمفسدين وبتأسيس دولة العدل والصلاح التي تحقق الحقوق والحريات وتسهر على توزيع العادل للثروات الوطنية بين كل الجهات وكل الأفراد بالتساوي واستعاد الناس كل تلك الصورة الجميلة التي رافقت قيام الثورة وكل الحلم في مستقبل أفضل وتونس أجمل. رغم كل هذه المشاعر الايجابية التي لا حظناها.. إلا أن جانبا من الشعب أبدى تخوفه وتحفظه من الخطوة التي قام بها يوسف الشاهد بإيقاف ما تم تسميتهم برؤوس الفساد وبارونات التهريب التي اتعبت الدولة وبالإعلان عن البدء في الحرب على المفسدين لأسباب عدة منها أن دعوات محاربة الفساد لم تبدأ الآن وإنما تم المطالبة بها منذ الأيام الأولى للثورة وأن كل الحكومات قد تراخت وتسامحت وتعايشت مع الذين تعلقت بهم شبهات فساد وأن رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد قد تمت إقالته في ظروف غامضة ولأسباب غير واضحة لعل أهمها أنه أراد أن يفتح هذا الملف وأن يشرع في التصدي للمهربين والمتلاعبين بالمال العام وكل المنظومة الفاسدة وهذا يعني أن توقيت هذه الإيقافات يطرح سؤال لماذا أقلتم الحبيب الصيد ؟ ومنها أن هذه الإيقافات التي حصلت قد تزامنت ورافقت تصاعد الغضب الشعبي تجاه سكوت الحكومة على ملف الثروات الطبيعية التي تكونت لها حملات تطالب بالتحقيق في حقيقة ما نملكه من نفط وغاز وثروات أخرى والكشف عن محتوى العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية المستفيدة وكيف يدار قطاع الطاقة والمحروقات وهو ملف كانت كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة ترفض الحديث فيه لارتباطه بمصالح دول أجنبية وعلاقته باتفاقيات يقول عنها من درسها واطلع عليها أنها مهينة و بأنها مواصلة في الاستعمار من بوابة الاقتصاد.. وأن الكشف عنها قد يورط الكثير من الأفراد ويحرج الدول الأجنبية التي لها شركات عاملة في بلادنا، فلو ثبت واتضح أن هناك سرقات في الطاقة وتحايل وتستر عن حقيقة المخزون الطاقي -وهذا وارد-.. ولو صح كذلك أن كل ما يردده أنصار حملة « وينو البترول» عن التستر عن حقيقة ثرواتنا الطبيعية وأن تونس ليست بلدا فقيرا كما يشاع، فإن دولا أجنبية كثيرة ستهتز صورتها وتتهم بالتخطيط لسرقة ثرواتنا ويهتز معها تاريخ طويل يمتد إلى أكثر من 50 سنة ويصبح محل شك وإعادة نظر . ومنها أن كل الذين تتردد أسماؤهم في منظومة الفساد وشبكات التهريب ولوبيات "الكونترا" لهم ارتباطات بالكثير من رجال السياسية والأحزاب السياسية، بل أن الكثير من رجال الأعمال الذين تحوم حولهم شبهات فساد والمعنيين بمشروع قانون المصالحة الوطنية هم معروفون ويتنقلون بيننا وهم من مول الحملات الانتخابية وأغدق الأموال الكثيرة في انتخابات 2014 حتى تتغير معادلة الحكم فكيف نثق في اجراءات حكومية على الفساد تتعرض إلى الكثير ممن ارتبطت أسماؤهم بتمويل حملات انتخابية لحزب أو احزاب معروفة مقابل وعد بتبييضهم بعد الفوز في الانتخابات ؟.. فهل يعقل أن تتقاتل الذئاب فيما بينها ؟ أو تغدر الذئاب بعضها البعض ؟ فما هو معروف لدى الجميع أن رجال الأعمال الذين يتحدث عنهم الشعب التونسي في حملة « مانيش مسامح « هو أنفسهم المعنيون بالحرب التي يشنها هذه الأيام الشاهد على منظومة الفساد فهل يقتل الذئب أخاه الذئب ؟ لهذا نتمنى أن تكذب الحكومة كل هذه المخاوف والشكوك وذلك لا يكون إلا بالمواصلة إلى الآخر في حربه التي أعلن عنها حينما أختار تونس على الفساد فالخوف كل الخوف أن نستفيق بعد مدة على أن ما حصل هو عملية تحويل انتباه الشعب وتحويل وجهة اهتماماته عن تحركات جزء من أفراده وعملية توجيه الأنظار والتحكم في الموقف بعد أن بدأ ينفلت الخوف أن يكون ما يحصل اليوم هو استراتيجية لامتصاص الغضب الشعبي في تراخي الدولة عن الاصلاح والتغيير ومقاومة الفساد والرشوة والمحسوبية والتهرب من الضرائب والإثراء دون سبب وخارج القانون. هذه هي مخاوف الناس رغم ثقتهم في رئيس الحكومة، فرجاء حافظوا على منسوب الثقة الذي عاد ولا تصدموا الشعب مرة أخرى إذا ما اتضح أن ما يحصل هو مسرحية كبرى كما يقول البعض لتحويل الأنظار وامتصاص الغضب وتفويت الفرصة على حملة « وينو البترول « و «مانيش مسامح».