ذكّر فإنّ الذكر تنفع المؤمنين، وفي هذا الاطار استحضر في خضم من تعيشه البلاد حاليا من مرحلة انتقالية على أكثر من صعيد وخاصة فيما يخص اهتزاز الثقة بين الرئيس والمرؤوس وأعني هنا بين السلطة الحاكمة والشعب الذي نفذ صبره وهو يرى وضعه المعيشي في انحدار متواصل أمام تدهور مقدرته الشرائية و ارتفاع الأسعار حيث تاه المواطن البسيط و تقطّعت به السبل و لم يعد قادرا حتّى على تلبية ضروريات الحياة اليومية من مأكل و ملبس و للأسف أيضا وأنّ السلطة السياسية بمختلف مكوناتها و أحزابها، سواء التي في دفة الحكم أو خارجها لم تع بعد وأنّ مستوى معيشة المواطن هي المقياس الحقيقي في النهاية للنجاح من عدمه للطبقة السياسية الحاكمة في البلاد و بالتّالي كلّما زاد تدهور الوضع المعيش للمحكوم إلاّ و سجلت خسارة في رصيد الحاكم وهذه علاقة متلازمة ولكن الأخطر من كلّ ذلك هو أنّ تعيش، كما يشهد عليه الوضع في بلادنا، الطبقة السياسية في بحبوحة من العيش ويشحذ المواطن رغيفا و ملبسا دون أن تكون هذه الطبقة الحاكمة واعية لما وصلت إليه أوضاع " الرعية" و كأنّ كلّ منهما يعيش في واد لا يعلم كلّ طرف ما يجري في الجانب الآخر منه.. قلت منذ البداية هذا الوضع يذكرني في حادثة للزعيم الحبيب بورقية والإنسان ترجع إلى سنة 1959 حين تعرّضت بلادنا إلى موجة فيضانات وتسبّبت في إتلاف المحاصيل الفلاحية وشرّدت عديد السكان وجعلتهم بلا مأوى في الشتاء القاسي وتزامن ذلك مع دعوة بورقيبة من قبل الماريشال تيتو لزيارة صداقة ليوغسلافيا فأقام الماريشال تيتو مأدبة غداء على شرف الزعيم بورقيبة والوفد المصاحب له، وبدأ الجميع يأكلون إلاّ بورقيبة، فسأله الماريشال تيتو تفضّل سيدي الرئيس بالأكل، فبقي بورقيبة ينظر إلى الماريشال تيتو وقد احمرّت عيناه وامتلأت بالدموع التي حاول حبسها ثم انهمرت فجأة وأجهش بالبكاء، فانتفض تيتو من كرسيّه ووضع يده على كتف بورقيبة وسأله: أيبكي الزعيم الذي حيّر العالم بقوة شخصيته وصلابته وحنكته السياسية الجبّارة؟ فقال له بورقيبة: نعم يا صديقي، لقد عزّ عليّا أن آكل من هذه الخيرات التي تكرّمت بها علينا وشعبي يتذمّر جوعا لا رغيف خبز ولا سقف يأويه . لقد بكيت من أجل شعبي، فأبكى معه حتى الماريشال تيتو ومنذ اليوم الموالي تدفّقت المساعدات الغذائية والألبسة والأغطية ومواد البناء التي ساهمت في تشييد عديد المنازل بالبلاد التونسية. رحمك اللّه أيها الزعيم والإنسان وباني مجد تونس ودولتها ولنا في التّاريخ عبر ونظر، فهل يعتبر سياسيو هذا العصر ويقتدوا بالسلف أم يحملون شعار " فارس من ركب اليوم "..؟؟؟