أريانة: حملة مشتركة للتصدي للانتصاب الفوضوي    بودربالة والسفير الإيطالي: ضرورة تكثيف جهود مواجهة الهجرة غير النظامية    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    شركة النقل تتفاعل مع "الشروق": نحرص على عودة النسخة الشعبية ل "إيبيزا" في أقرب الأوقات    سيدي بوزيد: انطلاق ورشة تكوينيّة لفائدة المكلّفين بالطاقة بالإدارات والمنشّآت العمومية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    70 بالمئة من الأمراض تنتقل من الحيوانات ..مختصة في الثروة الحيوانية توضح    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    المالية العمومية تتعافى: تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6٪ من الناتج المحلي    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    كم تبلغ معاليم مسك الحساب بالبريد التونسي؟    تقلص العجز التجاري الشهري    سوسة/ القبض على منحرف خطير مفتش عنه..    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    سوسة: الاطاحة بمنحرف خطير من أجل ترويج المخدرات    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    تكوين 1780 إطارا تربويا في الطفولة في مجال الإسعافات الأولية منذ بداية العام الجاري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحامي البشير الخنتوش ل «التونسية»:شهادة «عجز» بورقيبة اغتصبت من الاطباء تحت التهديد
نشر في التونسية يوم 10 - 08 - 2014

بورقيبة قال أمامي: «أهل صفاقس غاضبون وهم ركيزة في اقتصاد البلاد.. لا بدّ ان أسترضيهم»
الزعيم قال لبن علي:
«لاحظت عندك برشة بوليسية.. كِيف يكون الشعب يحبك ما حاجتكش بعدد كبير منهم»
العدالة الانتقالية كذبة.. والقانون الانتخابي هجين
حاورته: صباح توجاني
في ما يلي الحلقة الثالثة والاخيرة من حوار «التونسية» مع المحامي البشير الخنتوش.
عايشت بورقيبة لآخر لحظة ،هل كان فعلا فاقدا لمداركه العقلية وغير قادر على إدارة شؤون البلاد ليلة السابع من نوفمبر 1987 ؟
بلا انحياز مطلق لبورقيبة الذي أكنّ له كلّ المحبة والتقدير وانتقدته علنا شفاهيا وكتابة عندما كان في أوج قوته وسلطانه ودفعت الثمن غاليا من أجل ذلك،وللإجابة على هذا السؤال أقول طبعا إنّ بورقيبة مع تقدمه في العمر ومع ما عاناه من السجون والمنافي لسنوات طويلة تصل إلى العشرين عاما تقريبا فمن الطبيعي أن يصيب الوهن جسمه كما يصيب أيّ إنسان في سنه دون ان يكابد ما كابده هو ، وكان يعترف بذلك بنفسه بالقول:أنّ «الكركاسة» (la carcasse)، تعبت الجسم تعب، لكن في ما يتعلق بمداركه العقلية فمن من باب الأمانة التاريخية وبكل موضوعية وبحكم معايشتي له إلى آخر فترة من رئاسته أجيب على سؤالك بلا،،، برأيي الشخصي فحسب الذي قد يوصف بالإنحياز لبورقيبة بل بأمثلة واقعية ملموسة لا يمكن دحضها:
المثال الأول الدامغ: في 10 نوفمبر 1987 وبجريدة «لوموند» صرّح السيد الهادي البكوش الوزير الأول لبن علي بما نصه حرفيا : «إن الرئيس بن علي يتمنى مقابلة بورقيبة من وقت إلى آخر وإعلامه ببعض القرارات». فكيف يا ترى أن يطلع بن علي الرئيس المنقلب عليه والمنفي بورقيبة ببعض القرارات التي تهمّ الدولة لو لم يكن بورقيبة متمتعا بكامل مداركه العقلية حتى بعد 7 نوفمبر 1987 ، أليس في ذلك اعتراف صريح لا يقبل الشك من بن علي ووزيره الأول بتمتع بورقيبة بكامل مداركه العقلية خلافا للشهادة الطبية التي اغتصبت من الأطباء تحت التهديد ؟
المثال الثاني: لما استقبل الرئيس الهارب بقصر قرطاج بعد 7 نوفمبر 1987 بورقيبة قال له هذا الأخير : « لاحظت عندك «برشة» (كثير) بوليسية في القصر، كيف يكون الشعب يحبك ما حاجتكش بعدد كبير منهم في القصر»، وفي ذلك أكثر من معنى ودليل ،علما انه لم تكن لبورقيبة حراسة مشددة سواء بالقصر أو خارجه وحتى عندما كان يمارس رياضة المشي بالمرسى وهو أمر معروف لدى الخاص والعام.
المثال الثالث: في إحدى مقابلاتي للرئيس بورقيبة قبل شهرين تقريبا من 7 نوفمبر 1987، استبقاني لديه بعد المقابلة وتمشينا سويا في فناء القصر مدة ليست بالقصيرة وكان مهموما بوضع تونس بعده وأسرّ إليّ قائلا: «يا بشير يا ولدي خايف على تونس بعدي أنا آش باش يصير فيها» ،فأجبته : اطمئن،سيدي الرئيس، فقد كونت رجالا قادرين على حمل المشعل بعدك بعد عمر طويل وهم قادرون على المحافظة على الدولة الحديثة التي بنيتها وعلى كل المكاسب التي أنجزتها..» ، فأجابني : اشكون (من) ترى مثلا ؟ وعرضت عليه أسماء العديدين المؤهلين أو الطامحين الى ذلك فعلّق بمنتهى الوعي والإدراك و بكلّ دقة وموضوعية وواقعية وعمق على شخصية وأهلية كلّ منهم.
المثال الرابع: قبل أشهر من تلك الفترة قمت بوصفي عضو الديوان السياسي بزيارة ميدانية إلى ولاية سيدي بوزيد واشتكى لي المواطنون من صعوبة نقل منتوجاتهم الفلاحية الوفيرة إلى بقية المدن،وأحيانا تلفها دون أن يتمكنوا من نقلها لبيعها، علما وأن سيدي بوزيد أصبحت توفر منتوجا فلاحيا تتزوّد منه كلّ الولايات وخاصة ولايتا صفاقس والكاف ،واستفسرت من الوالي الأخ ناجح الدريسي عن الموضوع فأفادني بأنه أبلغ السلط المركزية بتونس العاصمة بذلك لكنه لم يجد أيّ صدى منهم،ولما لم أجد بدوري استعدادا لحلّ المشكل من لدن كلّ من الوزير الأول ووزير الفلاحة آنذاك ،قابلت الرئيس بورقيبة وفاتحته في الموضوع فاستدعى حالاّ كلاّ من الوزير الأول ووزير الفلاحة وكان ردّه عنيفا أمام تقاعس بعض أعضاء الحكومة في حلّ مشاكل المواطنين ممّا يجعل بضاعتهم تفسد وفي ذلك خسارة للمنتجين وللمستهلكين من عموم الشعب، وقرّر حالا تجزئة وزارة الفلاحة إلى وزارتين : وزارة الفلاحة التي أبقى على رأسها السيد الأسعد بن عصمان، و الوزارة الثانية الجديدة للإنتاج الفلاحي والصناعات الغذائية التي أسندها إلى السيد حمادي غديرة وأمر هذا الأخير بالتنقل حالا إلى سيدي بوزيد لحلّ المشكل،فكان بورقيبة حتى ذلك الوقت أي في 1987 جاهزا وقادرا دوما على اتخاذ القرار المناسب دون تباطؤ حين يتعلق الأمر بمصلحة وطنية.
وعلى سبيل الطرفة أذكر أنّ سي الأسعد بن عصمان الذي أكنّ له كلّ الودّ والتقدير،كلما تقابلنا يقول لي : «يعيش ولدي تمشيش تكمل لي بقية الوزارة؟؟؟»
المثال الخامس: قبل أشهر أيضا من تلك الفترة أي من 7 نوفمبر 1987، صارحت الرئيس بالوضع الإقتصادي المتردّي وبتردّد رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال في الإستثمار لانعدام ثقتهم في الوضع وفي الدولة ولإرهاقهم بالآداءات المجحفة غير العادلة وغير المشجّعة على الإستثمار وخاصة في جهة الساحل التي انتخبتني بمجلس النواب وبجهة صفاقس أيضا، فأمر حالا بعقد ندوة برجال الأعمال بولاية صفاقس وولايات الساحل ،وانعقدت الندوة تحت إشراف كلّ من الوزير مدير الديوان الرئاسي وأنا كعضو ديوان سياسي ونائب رئيس مجلس النواب وحضور الولاة ،وتردّد الحاضرون من المستثمرين ورجال الأعمال في التعبير عن آرائهم، فأخذت الكلمة وطمأنتهم ورجوتهم أن يتكلموا بكل صراحة دون الخوف من ملاحقتهم جبائيا مع ضماني الشخصي وضمان منصور السخيري الذي امتعض من ذكر اسمه في الضمان ،فصفق الجميع وأثاروا كلّ المشاكل بكلّ جرأة وأذكر منهم بالخصوص السيد توفيق الزحاف الذي تحدث بمنتهى الصراحة مما أغضب منصور السخيري وجعله يسبقني للرئيس لإعلامه بأنّ جو الإجتماع كان هائلا لو لم يفسده البشير الخنتوش بتحريضه الحاضرين على كلام معارض للنظام،فاستدعاني الرئيس وقدمت عرضا مفصّلا عما حصل مبينا له أنّ موقفي مستمدّ مما تعلمناه منه من مصارحة الشعب وقبول صراحة الشعب للوصول إلى حلول للمشاكل، وسألني هل أنّ من تكلموا معارضين أم دستوريين؟ فأجبته: المعارضون لا يحضرون الإجتماعات الحزبية، ثم لاحظ: توفيق الزحاف دستوري، أجبت :نعم ، فقال: « إذن أهل صفاقس غاضبون وهم ركيزة في الإقتصاد ولا بد أن أسترضيهم، حضّرلي ، يا سي منصور، زيارة إلى صفاقس للحديث معهم والإطلاع مباشرة على مشاكلهم لحلها....»،وأظنّ أنّ تلك الزيارة كانت هي الأخيرة لبورقيبة للولايات علما وأنه لم يتنقل منذ مدة لأسباب صحية ولكنه حرص آنذاك على التنقل إلى صفاقس والتحامل على جسمه نظرا لأهمية الموضوع ومكانة أهل صفاقس في البلاد و في الدورة الإقتصادية.
أعتقد أنّ هذه الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر كافية وشافية للإجابة على سؤالك.
لو تحدثنا عن معاناتك مع بن علي؟
يطول الحديث أيضا في هذا الموضوع لكن بإيجاز أقول لك،سيدتي، إنه فعلا بحكم مسؤولياتي الوطنية والمهنية تعرفت على الرئيس الهارب عندما رجع إلى الداخلية في منتصف الثمانينات وكان كتوما ولا يتكلم كثيرا ويغريك بأن يوافقك على كلّ ما تقترحه عليه،لكنه يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول ولا يفي بوعوده بل كان كذابا وحقودا وجاحدا وناكرا لكلّ جميل،و ينطبق عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام : «آية المنافق ثلاث :إذا تحدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان» ،وهي حقيقة لاحظها و أكّدها الكثيرون من الشخصيات الذين قابلوه وتحادثوا معه. كنت أتحدث إليه كما تعودت حديث الند للند بكلّ صدق عن أوضاع البلاد وطرق الإصلاح وكان يوافق دوما على كلّ ما أقول حتى سنته الثانية من الحكم وذات يوم صارحته ببعض الأمور في تصرفاته وتصرفات بعض حاشيته فلم يعلّق،وبعد أيام طلبته كالعادة على الهاتف ولم يجبني إلى يومنا هذا في حين كان ردّه عليّ بالتلفون حينيا ولا يتجاوز مدة ساعة إذا كان مشغولا .ولم يقتصر موقفه على القطيعة نتيجة تقديم النصح إليه بل لم يتردد في إيذائي في حقوقي الشخصية بقضايا لدى المحكمة وحتى في حقي في الشغل ،فأذن بضرب حصار مهني عليّ دام عشرين سنة بوضعي في القائمة السوداء للمحامين الذين يمنع عليهم التعامل مع الشركات العمومية والخاصة وحتى مع الأفراد وأذن بتعيين عون أمن بالزي المدني يرابط حذو مكتبي ليعترض كلّ من يروم الإتصال بي كمحام ويقول له إنني لم أعد مباشرا للمحاماة، هذا فضلا عن خلع مكتبي عديد المرات وكذلك بيتي قصد ترهيبي وإسكاتي ، فكان يمارس الإرهاب الفكري والمادي والجسدي وسياسة القمع والتجويع ضد كلّ من ينقد سياسته حتى من أصدقائه أو من الدستوريين والبورقيبيين ، والغريب في الأمر أنه حتى عندما ألازم الصمت يبعث إلي بأحدهم ليقول لي : «سيادته قال لك شبيك ساكت ثمة حاجة ؟»، بحيث لم أسلم من شره في حالة الكلام أو الصمت. ومارس معي سياسة التجويع إلى درجة أصبحت فيها عاجزا عن خلاص معاليم كراء مكتبي أو أجرة كاتبتي أو حتى فاتورة الماء والكهرباء واضطررت إلى التفويت في بعض مكتسبات شقاء العمر بأبخس الأثمان لضمان حاجياتي وتوفير حاجات الدراسة الجامعية لولديّ. ولم أشتك لأحد لأن الشكوى لغير الله مذلة ولأني أدرك ثمن ما يتحمله المرء لمواقف العز والنضال من أجل القيم والمبادئ في الحياة.
والحمد لله أن عشت يوما قالت فيها محكمة التاريخ كلمتها في الدنيا ضدّه وإن ليس بالطريقة المثلى التي انتظرها الشعب في انتظار حكم الله في الآخرة والله يمهل ولا يهمل في الدنيا قبل الآخرة.
عودة إلى الحاضر والمستقبل...اليوم ما رأيك في إنجازات حكومة التكنوقراط؟
ولئن أضفى حلول حكومة التكنوقراط هذه شيئا من الإطمئنان ومن بريق الأمل في الداخل والخارج فإنّني ارى انها امتداد لحكومة «الترويكا» وهي تتعثر عن عجز أو عن قصد أو عن الإثنين معا في أدائها وتباطؤ في اتخاذ القرارات العاجلة وفي تنفيذ بنود خارطة الطريق،إذ مع احترامي لكلّ أعضائها فإنّ الشهائد العليا لا تصنع حتما قادة سياسيين ناجحين.لنر مثلا ما قام به رئيس البرازيل السابق النقابي « لولا دا سيلفا» وهو في الأصل ماسح أحذية وعامل مصنع بسيط ومستواه التعليمي ابتدائي ولكنه في وقت وجيز استطاع أن ينقذ بلاده المترامية الأطراف والمتعددة السكان من براثن الفقر والجوع والبطالة، وحين نرى ما أنجزه الدكتور مهاتير محمد من معجزات بوسائل محدودة في بلده ماليزيا التي أصبحت مزدهرة متقدمة بعد أن كانت فقيرة ولا موارد تذكر لها سوى الطاقات البشرية،و لنقارن ذلك بما أنجزه لتونس زميله التونسي الطبيب الرئيس المؤقت من مضحكات مبكيات . ومن حكومة «الترويكا» إلى الحكومة الحالية لا يشعر المواطن بتحسّن نوعي يذكر في حياته وحتى في أمنه وإن كان الأمن قد عرف تطورا إيجابيا بفضل تضحيات قوات الأمن والجيش الوطنية الباسلة ،بل إنّ المواطن أصبح أقل شعورا بالسعادة بكثير مما كان عليه قبل 14 جانفي 2011 مما يجعله يشعر بالإحباط ،فالتونسيون في حاجة إلى قادة قدوة يجمعون بين الكفاءة والوطنية وحب خدمة الغير دون طمع أو جشع ، نظيفي الفكر والقلب والضمير واليدين قادرين على الإلتصاق بالجماهير والإستماع إليهم والتجاوب معهم وعلى المبادرة واستنباط الحلول للمشاكل وقادرين على الفعل والإنجاز والتغيير والإصلاح الملموس، إذ ما نلاحظه أنّ الجاذبية اي الكاريزما تعوز جلّ حكام اليوم في مخاطبة الشعب ومصارحته بالواقع ودفعه إلى التضحية والعمل خاصة أمام ما يراه الشعب من سياسات غامضة ومن كذبة العدالة الإنتقالية ومما خسرناه من وقت ومال لإصدار دستور مليء بالتناقضات وهو دستور أحزاب وليس دستور وطن ومآله التنقيح إذ هو عبارة عن محاضرة ركيكة أو عرض مطول ثقيل لحقوق الإنسان وآليات الحكم وكان في الإمكان إعداد دستور من قبل أهل الخبرة المتطوعين وهم كثر في ظرف شهر أو شهرين وتصرف الأموال المهدرة في تنمية البلاد ، أضف إلى ذلك قانونا انتخابيا هجينا لا يعبر حقيقة عن صحة وفاعلية أصوات الناخبين ولا يُترجم بحق سيادة الشعب في الإنتخابات .
فمن شروط رجل الدولة أن يكون على اطلاع واسع على جغرافية البلاد ومقدراتها ومقدوراتها الفلاحية والمائية والمعدنية والأرضية والصحراوية وعلى عقلية المواطن وشواغله وهمومه وطموحاته وأن تكون له رؤية واضحة لسياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية و آليات لتشريك المواطنين من عمال ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال في التنمية والقضاء تدريجيا على البطالة بالإعتماد على الذات أولا وبمساعدة الغير من الأشقاء والأصدقاء بسياسة خارجية جديرة بالحفاظ على علاقاتنا الجيدة مع الجميع كما كان يضرب بها المثل زمن بورقيبة مع وزراء خارجية ممتازين أمثال الحبيب بورقيبة الإبن والمنجي سليم ومحمد المصمودي والهادي المبروك إلى درجة أن سياسة تونس الخارجية أصبحت مضرب الأمثال في الدول النامية وتنال التقدير والإحترام من الدول المتقدمة وكانت موضوع دراسات جامعية منها أطروحة دكتوراه لأستاذ جامعي ألماني اسمه « فيرنر روف « (Werner Ruf) ترجمت ونشرت مؤخرا بالعربية تحت عنوان : «البورقيبية والسياسة الخارجية لتونس المستقلة».واليوم نرى أن سياسة تونس الخارجية تائهة ملخبطة وأحيانا غير مسؤولة تجاه بعض إخواننا العرب وأصدقائنا في الغرب، مسيئة لماضينا الديبلوماسي المشرق ولحاضرنا ومستقبلنا وتكاد تكون في الحضيض من شطحات مواقف الرئيس المؤقت التي أفسدت علاقاتنا مع بعض أشقائنا وأصدقائنا.وهنا أذكر واقعتين على سبيل الطرفة لكنهما معبّرتان، الأولى زمن بورقيبة كنت راجعا من أوروبا إلى تونس برّا ولما وصلنا إلى الحدود الإسبانية بادرنا متفقد القمارق بعد الإطلاع على جوازات السفر: أنتما تونسيان ...كيف حال الشيخ (comment va le vieux) يقصد بورقيبة طبعا ..تحياتنا إلى بورقيبة (le bonjour à Bourguiba) رحلة موفقةّ « دون أن يفتشنا أو يفتش السيارة .وفي إحدى زياراتي لابني بأمريكا زمن الرئيس الهارب قمت بفحص طبي لدى طبيب أمريكي فسألني :كيف حال رئيسكم بورقيبة؟ أجبته إن رئيسنا الآن هو فلان فأجاب : « I d'ont no him..I know Bourguiba» يعني لا أعرفه أنا أعرف بورقيبة.واليوم أصبح جواز سفر التونسي مريبا لأن تونس بعد 14 جانفي 2011 أصبحت من الدول المشمولة بالإرهاب بل المصدرة له ،فمن المسؤول عن ذلك يا ترى ؟
وفي حين عجزت سلطة «الترويكا» عن إنجاز العدالة الإنتقالية بما يضمن محاسبة لصوص العهد البائس والمصالحة مع رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال لإستعادة نشاطهم العادي بكلّ اطمئنان، أصدرت قانونا يتعلق بهيئة الحقيقة والكرامة ستكون حتما مصدر فتنة اجتماعية محمومة لها أخطر الإنعكاسات على وحدة الشعب التي نحن في أشدّ الحاجة إليها أكثر من أيّ وقت مضى.وقد تكون أخطر مما ارتكب من أخطاء جسيمة في حق الشعب مثل حلّ جهاز أمن الدولة بسوء تقدير لدوره وكأنّ دوره يقتصر فقط على مراقبة المعارضين للسلطة وليس لمراقبة أمن الحدود أساسا ،وبالإستغناء عن العمد والمعتمدين والولاة لتعويضهم بمن هبّ ودبّ من الموالين في حرص محموم للتمكن و«التمكين» من كلّ دواليب الدولة ضمانا للبقاء في السلطة من الحكام الجدد متناسين غضب الشعب وثورته عند الإقتضاء، وبحلّ المجالس البلدية حتى أصبحت الحكومة ونياباتها الخصوصية بالبلديات عاجزة عن جمع الفضلات مما تسبب في تدهور الحالة البيئية بصفة غير مسبوقة في تاريخ تونس الحديث بعد أن كان يضرب المثل بها في النظافة مقارنة بغيرها من الدول النامية شرقيّها وغربيّها وبحلّ «التجمع» الذي لم يعد يشكل خطورة على الرغم من عدم انتمائي إليه لأن الشعب كفيل بغربلته.
إلى أين تسير البلاد وفق رأيك وكيف تنظر إلى تونس بعد الإنتخابات القادمة ؟
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وكما قال الشاعر المخضرم «عمرو التميمي» :لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق.الناس تعبوا وملّوا الصراعات السياسية ومن ضياع الوقت في قوانين على مقاس أصحابها لضمان الكراسي في السلطة التشريعية والتنفيذية دون عرض ما ينوون فعله على المواطن الغارق في غلاء المعيشة وفي تدهور الأمن وللشاب العاطل عن العمل ولرجل الأعمال الذي طال انتظاره ليستعيد نشاطه بتشجيع في ما يخصّ تسهيل إجراءات الإستثمار وإقرار نظام جبائي عادل يدفع الضعيف والقوي إلى روح المبادرة دون تواكل أو اتكال على الدولة وإصلاح الإدارة ومقاومة جدية للرشوة والفساد الذي تفاقم بعد 14 جانفي باعتراف حكام اليوم ، وضمان استقلال القضاء بتوفير الشروط القانونية لقضاء عادل يضمن الحقوق بالعدل والإنصاف وسرعة فصل في القضايا وضمان حقوق الإعلاميين وحريتهم ماديا ومعنويا وتدعيم سياسة ثقافية مبدعة،ثم إنّ البلاد لا تضيق بأهلها لو تمّ استغلال خيراتها بحكمة وتوزيعها بطريقة عادلة للحفاظ على الطبقة الوسطى التي ما انفكت تضيق دائرتها مما يشكل خطرا على الإستقرار الإجتماعي.
وبعد الإنتخابات القادمة إذا تمت بسلام وإذا لم يحصل تغيير سريع باتخاذ إجراءات حينية صادمة تؤثر على حياة الناس ووضعهم المتردي أتوقع ثورة حقيقية للجياع والعاطلين عن العمل وحتى الطبقة الوسطى والمستثمرين ورجال الأعمال الذين لم يهجروا تونس بعد ويتمسكون بالبقاء فيها ،ولن تكون تلك الثورة مثل انتفاضة 14 جانفي في نوعها ومآلها بل أهم وأشمل وأخطر من ذلك بكثير...
هل تعتقد أن الإستقطاب الثنائي بين «النهضة» و«نداء تونس»، هو الذي سيسيطر على المشهد السياسي في تونس بعد الإنتخابات ؟
الكلّ يحسب ويضرب أخماسه في أسداسه بكل الطرق حتى بمصادرة سيادة الشعب لضمان الوصول إلى السلطة رئاسة وحكومة.اعتقادي أن ضمان التوازن يحتم على « نداء تونس» التمسك بِ«الاتحاد من أجل تونس» والسعي إلى توسيع دائرته بتكوين جبهة وطنية لضمان استمرار الدولة المدنية والحفاظ على مكتسباتها ولتحييد المساجد واستقلال القضاء وحرية الإعلام الحقيقية بوسائله العمومية والخاصة وبفصل الدين عن السياسة، أي لضمان النجاح بتحقيق التوازن المطلوب واستقرار المجتمع في فترة الحكم القادم بعد الإنتخابات المنتظرة.
أما إذا سيطرت أنانية الرغبة في قصر قرطاج مع صلاحياته المحدودة والرغبة في الحصول على الأغلبية التشريعية بأية طريقة وبالمال الفاسد ،فسيخسر الشعب والشباب الذي انتفض في 14 جانفي 2011 ولكنه لن يسكت ولن يبقى مكتوف الأيدي لأنه تحرّر من الخوف. كما سيخسر الكثير من السياسيين المخطئين في حساباتهم وممن لم يعتبروا من دروس الماضي البعيد والقريب وحتى من الحاضر و«ما أكثر العبر وما أقلّ الإعتبار» على حدّ قول الإمام علي رضي الله عنه.
ومن الغريب العجيب أن نعيش اليوم مناورات بائسة لضرب مفهوم سيادة الشعب في اختيار حكامه عندما نسمع الحديث عن «رئيس توافقي» فلماذا لا يتحدثون أيضا عن نواب برلمان توافقيين بقائمات توافقية موحدة ونرجع إلى ما كنا عليه من دكتاتورية برأس واحد وحزب واحد وقائمات انتخابية واحدة والوصول بالتوافق إلى نظام دكتاتوري جديد بعدة رؤوس؟
كما نسمع ان السيد حمادي الجبالي استقال من حزبه ويصرّح بقطيعته مع حزب «النهضة» ويصبح بين عشية وضحاها «مستقلا» ضاربا بقناعات ثلاثين سنة ضحّى من أجلها بسنوات السجون من شبابه عرض الحائط ،فهل يقبل أيّ عاقل مثل هذا الكلام من شخص دعا إلى الخلافة الراشدة السادسة مع احترامي له ولنضاله وقد ناصرته وزملاءه ودافعت عنهم في الثمانينات إيمانا مني باحترام حرية الرأي،لكن هل بلغ بهم الإستخفاف بعقول المواطنين والإستهتار بذاكرتهم الجماعية هذه الدرجة ليصدّقوا أنفسهم أو يصدّقهم الناس في ما يدّعون؟
ودائما مع سؤالك عن الإستقطاب الثنائي بين حزب «النهضة» وحزب «نداء تونس» ، هل رأينا في أيّ بلد من بلدان العالم حزبين متناقضين في السياسة والعقيدة والإيديولوجيا يشكلان قطبا لصالح الوطن، فأية رؤية سياسية أو إيديولوجية سيطبقان لمستقبل البلاد؟ اللّهم إلاّ إذا كان ذلك لمجرّد اقتسام السلطة كما فعلت «الترويكا»، وللشعب ربّ يحميه... !! ثمّ ما أخشاه هو المال السياسي الكثير غير المراقب الذي يؤثر طبعا على النفوس الضعيفة وعلى بعض المحتاجين . وخشيتي أيضا من عزوف المواطنين عن المشاركة في الإنتخابات جراء ما أصابهم من ملل وإحباط من سلوك بعض سياسيي اليوم ،مما قد يعيدنا إلى ثنائي يعوض «الترويكا» وممّا قد يبشّر بثورة حقيقية لأنّ من هاب الشعب تهيّبه الشعب ومن أهان الشعب أهانه الشعب على حدّ تعبير الحكيم الإمام الشافعي: «ومن هاب الرجال تهيّبوه...ومن حقر الرجال فلن يهابا» وتبقى الثقة في الشعب بكهوله وشبابه ونسائه الغيورات البطلات اللواتي أظهرن أنهن قادرات أن يكن في مقدمة المدافعين بالأسنان والأظافر عن حقوقهن وحقوق عامة الشعب وعن دولتهم المدنية الحديثة التي لن يستطيع أيّ كان وفي أيّ ظرف المساس بها................»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.