ساهمت بعض الدول العربية يوم السبت 29 مارس المنصرم فيما بات يعرف ب"ساعة الأرض"، فأطفأت مفاخِرة أنوار بعض مدنها أو معالمها الأثريّة والحضارية... ومبادرة "ساعة الأرض" انطلقت سنة 2007 من مدينة سيدني بأستراليا بمشاركة أكثر من مليوني شخص تواطؤوا على إطفاء الأنوار مكتفين بأضواء الشموع طيلة 60 دقيقة، بهدف الضغط على صنّاع القرار للحدّ من المؤثّرات الكيماوية – ومنها المواد الكربونية - على البيئة!... إذن فقد كانت الساعة أو الستين دقيقة – كما يحلو للبعض صرفها – مبادرة ثمّ صارت تقليدا متّبعا!.. والعرب (ولاّة أمورهم) لا يبادرون إلاّ بما يفقدهم المبادرة، ولكنّهم يقلّدون، ويقلّدون في كلّ شيء!.. وإذا قلّدوا انتقوا وإذا انتقوا أبدعوا (من البدعة وليس الإبداع)... فهم يقلّدون!... ولكن لا يقلّدون بعضهم رغم وجود التجارب الحرية بالتقليد؛ ففي غزّة مثلا صمود في وجه الأعداء يُقلَّد (بتشديد اللام وفتحها)؛ وفيها صبر على الشدائد يقلَّد؛ وفيها قبلهما إيمان بالله يقلَّد؛ وفيها تقوى خادمة لتفريج الكرب تُقلّد... ولكنّهم لا يقلّدون!... وفي فلسطين (وغزّة من فلسطين) "يوم الأرض" يُقلّد؛ وفيها إصرار على الرجوع إلى الديار وتمسّك بالأرض يقلّد... ولكنّهم لا يقلّدون!.. وفي عالم الإعلام تجربة اسمها "الجزيرة" تقلّد، وفي الإمارات العربية مشاريع وتجارب اقتصادية تقلّد، وفي بعض البلاد الإسلامية تجارب علمية وأخرى سياسية تقلّد... ولكنّهم لا يقلّدون!.. وأمّا ساعة الأرض أو الستّين دقيقة فيقلّدوا المبادر بها بعين مغمضة ويسخّروا صحافتهم العمياء لتمجيد ظلمة ستين دقيقة غطّت على ظلمات ستين سنة تعيشها أمّة العروبة والإسلام، سواء بسبب ما جرّه احتلال فلسطين من طرف عصبة الأمم لفائدة الصهيونية العالمية أو ما جرّه "استقلال" دول سلّمها الاحتلال لعملاء له أفلحوا في تحقيق ما فشل هو في تحقيقه، حتّى صارت بلادنا فاقدة للحراك جالبة للمذلّة محفّزة للتافهين على الوقوف بشرفاتها دون خشية من شريف في داخلها!... أقول هذا الكلام، وأنا حديث عهد بقراءة تأبين الشهيد – نحسبه – وائل عبدالقادر عقيلان الغزّاوي من طرف زوجته الفاضلة أميّة حجا وقد عَنْوَنَتْهُ "عندما يبكي الرّجل!"، ولعلّها قد أضمرت بذلك سؤالا "أيبكي الرجل؟!"، والحقيقة أنّه لا يبكي من الذكور إلاّ من كان رجُلا فإنّ سائرهم يتباكى ولا يبكي، فقد بكى سيّد ولد آدم عليه الصلاة والسلام وبكى معه ممّن عاصره أو ممّن سبقه أو ممّن جاء بعده خلق كثير من الأنبياء والصفوة، ولم نر من حكّام العرب أو المسلمين مَن بكى على خطيئة أو على جرم ارتكبه في حقّ رعيّته أو بكى تأثّرا لحال واحد من خلق الله الذين هم في ذمّته أو بكى خشية من الله تعالى!.. قلت: أقول هذا الكلام، وقد تمنّيت لو أنّ العرب والمسلمين قلّدوا بعض الرّجال في صنائعهم بدل الجري وراء الأنوار إشعالا أو إطفاء، فقلّدوا جورج غلوي مثلا ومَن معه من الشرفاء ومن جاء بعده من الشرفاء ممّن سيّر القافلات باتّجاه غزّة الشهيدة، فأرسلوا البواخر تمخر البحار وتملآ المواني ما بين الإسكندرية وغزّة وسيّروا العربات الجرّارة تطوي المسافات وتربط المدن بعضها ببعض حتّى تصبح البلاد العربيّة بأسرها حاضرة غزّة، فينقذوا إخوة وأخوات وائل من دركات حصاد الستين سنة!.. وقد عجبت لمن يقلّد بإطفاء نور مدنه كي يحدّ من البصمة الكربونية كيف لا يقلّد بمدّ يد المساعدة لأهله في غزّة كي يحدّ من البصمة الفوسفورية والبصمة المبيدة التي أرادها لهم ظالمو ومنافقو هذا العالم الذي بدا كالح الوجه لكثرة ما استعمل من مساحيق!... لست أذمّ بما كتبت المشاركة في "ساعة الأرض" للتخفيف من الكربون في العالم، ولكنّي ألفت إلى وجوب ترتيب الألويات، فقد كان يمكن التأثّر بما يجري في غزّة بدل التأثّر بما يجري في سيدني!... فقد كان يجب التأثّر لما يحدثه الفسفور الأبيض والقنابل ذات الأطنان والقنابل العنقودية والأسلحة الكيمياوية من أضرار بدل التأثّر لما يحدثه ارتفاع مستوى الكربون في الهواء!... فقد كان يلزم التنبّه إلى التأثيرات السلبية الناتجة عن انقطاع الكهرباء وغياب الأضواء والأنوار عن غزّة ستّين شهرا بدل الاستبشار بمشاركة في قطع للكهرباء ستّين دقيقة وما تحدثه من تأثيرات "إيجابية" على الأرض... فقد كان أولى أن نعرف الأرض كي نعمل على استرجاع الأرض وتوفير السيادة لأهلها عليها في كلّ آن وحين بدل أن تكون علاقتنا بها ساعة تُطفأ فيها الأنوار قد تكون - علمنا أم جهلنا – سببا لسرقة أعزّ ما نملك... الريادة في إعمار الأرض!...