من الكتب المفيدة القيمة التي تمتعت بها في مطالعاتي المتنوعة كتاب عباس محمود العقاد (بين الكتب والناس)وهو مجموعة من المقالات كتبها العقاد بين سنتي 1949و1952 ولقد اخترت لقراء( الصريح) مقالا طريفا يتناسب مع قدوم السنة الميلادية والإدارية الجديدة ومما جاء فيه(... بائع التقويمات او اليوميات الجديدة ينادي في الطريق يوميات جديدة للبيع ويستوقف عابرا ليسأله الا تحتاج الى يومية جديدة ؟ فيقول له العابر من باب المداعبة انه سيشتري منه يومية بشرط ان تكون السنة القادمة خيرا من السنة الماضية ويساله فهل هي كذلك؟ يجيب البائع (طبعا هي خير من السنة الماضية بيقين) فيساله العابر مثل اي سنة؟ امثل السنة التي قبلها امثل السنة السابقة لها؟ فيلوح على البائع انه لن يبيع اليوميات اذا كانت السنة المقبلة كواحدة من السنوات القريبة لانها جميعها لا تحتمل المغالطة في حقيقتها وهي حقيقة لا تدل على الخير ولا تفتح باب الرجاء ويلمح العابر تردده فيساله الا يسرك ان تكون السنة المقبلة كاحدى هذه السنوات الماضية ؟ فيجيبه البائع (بلى لا يسرني ان تكون مثلها ) فيضيف العابر كم سنة مضت عليك وانت تبيع اليوميات؟ يجيب البائع (عشرون سنة ) فيساله العابر (واي هذه السنين تود ان تشبه السنة المقبلة؟)فيرد البائع(لست ادري والله) العابر(الا تذكر منها سنة على الخصوص كانت تلوح لك كانها سعيدة)؟ البائع (الحق انني لا اذكر منها سنة سعيدة) العابر (ومع هذا تحسب ان الحياة شيء جميل اليست كذلك؟ )البائع (كلنا نعلم هذا) العابر(اتود إذن ان ترجع هذه السنين عودا على بدء اتود ان تستعيد حياتك كلها من ساعة الميلاد؟ البائع (اه حبذا لويكون ذلك) العابر(ولكنك اذا عدت كما كنت بغير تبديل ولا تحسين في ايامك فهل تظن هذه العودة ترضيك؟ البائع(كلا ما اراني راغبا في مثل هذه العودة) العابر(اذن حياة من هي التي يسرك ان تحياها كصاحبها؟ احياتي انا ام حياة الأمير ام حياة كائن من كان ممن لو سالتهم هذا السؤال لاجابوك بمثل ما اجبتني به؟ الا تظن ان الناس جميعا يكرهون ان تعاد اليهم الحياة كما عرفوها بغير تبديل ولا تحسين؟ البائع (ذلك ما اعتقد) وينتهي الحوار على اننا جميعا نتمنى المصادفة التي لا نعرفها ونتوهم اننا نحب حياتنا ونحن في الحقيقة لا نحبها بل نحب خداع النفس بما قد يكون كانه سيخالف ما كان ...ومع كل هذا يسال العابر بائع اليومية عن ثمنها وينقده اياه فلا يجد البائع دعاء يشكره به خيرا من ان يتمنى لقاءه في مثل هذا الموعد من السنة المقبلة ثم يودعه وينطلق في النداء على يومياته من جديد(يوميات جديدة للسنة السعيدة)... اما صاحب (يوميات صريح في الصريح) فيرجوكم ان لا تكترثوا كثيرا لهذا الحوار لان التمعن فيه قد يصيبكم بالأرق والدوار وقد يجعلكم لا تتلذون ما اعددتموه للاحتفال براس السنة الجديدة من المرطبات والمشروبات وغيرها من الماكولات و(الخنار) ومهما يكن من امر ومهما يكن من حال فاني ارجو ان تنعموا بالسعادة وعلى راسها الصحة والعافية سواء اجاءتنا السنة القادمة بشيء جديد مفيد ام كانت شبيهة ونسخة مطابقة للاصل لاخواتها من السنوات الفارطة او السابقة او الماضية..