تضطرم حملات التشكيك في جدوى ثورة الثامن عشر من جانفي 1952 في كل ذكرى إحيائها السنوية ، فمن متهم للزعيم الحبيب بورقيبة بالزج بالشباب التونسي في حرب لم تكن البلاد مهيئة لها ، إلى محرض على وصف المعركة ب " المسرحية الدموية" ، ولم يدرك هؤلاء أن إندلاعهاكان مطلبا شعبيا ملحا لفرض الإرادة الوطنية على المستعمر وإجباره على الرضوخ له ولم يكن الزعيم الحبيب بورقيبة إلا قائدا لهذا الشعب وملبيا لمطالبه ف0ستجاب للنداء وتوصل إلى تخليص البلاد من آخر معاقل ورموز ومظاهر الإستعمار ، وأعاد الحكم إلى أبناء الشعب لأول مرة في تاريخ تونس إذ لم يحكم التونسيون أنفسهم على إمتداد ثلاثة آلاف سنة حتى تم تتويج الكفاح الوطني بالظفر المبين ويأخذ تاريخنا وجهته الصحيحة ، ب0نتهاء " حكم الوافدين" ب0عتلاء المجاهد الأكبر سدة رئاسة الجمهورية كأول تونسي أصيل يحكم بلاده. هذا هو المعنى الأهم الذي يجب إستخلاصه من ذكرى ثورة 18 جانفي 1952 . عندما نعود إلى التاريخ فنتبين أحداثه ووقائعه ونتمعن في تفاصيلها ندرك كم كان شعبنا محروما من حكم أبنائه الأصليين ، فقد خضع مكرها طيلة تاريخه الطويل لسلطة الفنيقيين والرومان والبيزنطيين والعرب والإسبان والعثمانيين الأتراك والفرنسيين، ولم يتحرر من هذا القيد إلا منذ إثنتين وستين سنة فقط ، بعد ملاحم من النضال توجت بالإستقلال ثم إعلان الجمهورية فالجلاء ، تلك المحطات الكبرى التي يسعى بعضهم إلى التشكيك في جدواهما والنيل من رمزيتهما . لم يكن االكفاح الوطني طريقا على درب إستعادة بلادنا بالكامل لكيانها المغتصب فقط وإنما الأهم هو أنه كان إعلان تحرر نهائي من هيمنة الأجنبي مهما كان مأتاه ومهما كانت ظروف حلوله في بلادنا. كان بورقيبة ورفاقه من المناضلين وبناة الدولة الحديثة يدركون جيدا قيمة ذاك الإنجاز العظيم فدأبوا على تعميق الوعي لدى الشعب بضرورة المحافظة عليه وعدم التفريط فيه . أذكر بهذه الحقيقة بعد أن تناسلت ، خلال السنوات الأخيرة ، أرهاط الخونة الذين يأتمرون بأوامر الأجنبي ويحرصون على تنفيذ مخططاته ، بشكل مكثف لكنهم إصطدموا بإرادة شعب عاهد الله والوطن على الوفاء لحريته و0ستقلاله وسيادته .