نظمت الجمعية التونسية للدراسات الفلسفية فرع صفاقس بالتعاون مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان فرع صفاقس الجنوبية بدعم من دار محمد علي للنشر والمندوبيتين الجهويتين للتربية صفاقس1 وصفاقس2 لقاء في إطار نشاط المقهى الفلسفي حول الحالة الدينية وحرية الضمير وذلك يوم الأحد 7 جانفي 2018 بالمركب الثقافي محمد الجموسي بصفاقس. وقد قدّم لهذا الموضوع الأستاذ محمّد نجيب عبد المولى المتفقد العام في مادة الفلسفة. وقبل أن يتسلم المتدخل الأستاذ محمد نجيب عبد المولى الكلمة أبرزت الأستاذة بشيرة الحلواني عضو بفرع الجمعية التونسية للدراسات الفلسفية بصفاقس أهمية مثل هذه اللقاءات التي يحرص الفرع على تنظيمها من حين لآخر لمزيد تطارح الأفكار وفتح سبل الحوار الثقافي الذي يعتبر العمود الفقري لنجاح مسيرة البلاد نحوالأفضل سياسيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا. وقد جاء في مداخلة الأستاذ محمد نجيب عبد المولى عرض لعينات احصائية تخص ظاهرة التدين وتبلور الفكر الجمعي مثل مسألة حرية الضمير أوتحرر المرأة ومسألة اللائكية حيث بين عبد المولى من خلال الاحصائيات أن تغلغل الفكر المحافظ هوسليل التقاليد وما فعلته في الأفراد من تكليس للفكر بحيث لا يعتبر ضروريا في أشكال وعينا إلا ما تعودنا عليه. كما أبرزت العينة التي قدمها الأستاذ عبد المولى أن الانخراط في الفكر الخرافي والأسطوري والتبرك والإيمان بالأولياء الصالحين يشهد تقهقرا وهوفي درجة أخيرة في حين أن الأولوية في القداسة للذات الإلاهية وللقرآن. التقينا بالمتفقد العام في مادة الفلسفة الأستاذ سامي شبشوب ليدلي بدلوه في الموضوع: «إن حرية المعتقد تقود في النهاية أي بعد تبني عقيدة إلى الفكر الجمعي وإلى تعاليم الجماعة ومعتقداتها وأفكارها التي تمثل البناء العقدي لها. بينما حرية الضمير تفتح أفقا جديدا في مجال الفكر: أفق يؤمن بالفرد ويقيمه الفرد وقد خرج بفكره عن منطق الجماعة ومعتقداتها ليمارس اختلافا صار يمثل حقا في المجتمعات المعاصرة، ولأنه حق فهويمثل واجب الجماعة في حمايته فهل مجتمعاتنا العربية فعلا حاضرة لتقبل هذا الوافد الجديد، هذا المفهوم الذي يعيد على السطح فكرة الفرد من خلال حرية الضمير؟ إن ظهور الفلسفات الملحدة في التاريخ يمكن اعتبارها من بعض الوجوه مقدمة لظهور فكرة حرية الضمير لأن الفلاسفة الذين حادوا عن منطق الجماعة باسم الالحاد لم يكن ليدور بأذهانهم فكرة تجميع الأنصار وهنا نصل إلى نقطة الاشتراك بين حرية الضمير والفلسفة الالحادية مع الوجودية مثلا حيث الحرية هي في تقبل الآخر أي في اختلاف بعيد عن ردّه إلى فكرة الجماعة أوتحويله من ذات مفكرة إلى موضوع وهي. وبقطع النظر عن قيمة وفرادة وجدّة الحديث عن حرية الضمير فإن الدين من حيث قدرته على دعم التماسك الاجتماعي مثّل تاريخيا صمّام أمان وخاصة في عهد الاستعمار في أحداث التجنيس والمجنسين حيث أن رواد الحداثة من أمثال الزعيم بورقيبة وأستاذ الفلسفة علي البلهوان اعتبرا المجنس كافرا لا يدفن في مقابر المسلمين ولكننا اليوم لا نعتبر الحائز على جنسية ثانية كافرا مثلا وهوما يعني أن الظرف التاريخي له قيمته في الحكم على المسائل بالسلب أم بالإيجاب». أما أستاذ الفلسفة ثامر دريس فقد عبر عن رأيه في الموضوع كما يلي: «حرية الضمير هي حق من حقوق الإنسان مثلها مثل حق الحياة وحرية التفكير والحق في الكرامة والمساواة. وقد عنت في الأصل حرية الضمير الديني، أي حرية الفرد في الاختيار بين الكفر وبين اعتناقه أحد الأديان، وفق مبدأ «لا إكراه في الدين»، ثم توسع معنى حرية الضمير ليشمل حرية اعتناق المعتقدات الفلسفية والآراء السياسية والنقابية والاجتماعية، استنادا إلى كون الإنسان متميز عن باقي الكائنات بالعقل وكل ما يصدر عنه من أنشطة نظرية لا يمكن تقييدها بالقانون، وانطلاقا من كون الأديان هي مجموعة معارف وجدانية لا يمكن إثباتها بالبرهان المادي، فلا أحد يمكنه أن يثبت علميا مولد المسيح من عذراء أوأن إسراء الرسول محمد إلى القدس ومعراجه إلى سدرة المنتهى.. فارتقى مبدأ حرية الضمير إلى مصاف المبدأ الدستوري في ارتباط مع مبدأ المساواة القائم على إلغاء التمييز بين المواطنين على أساس الآراء والمعتقدات. واقتضى مبدأ حرية الضمير، عندما وقع اعتماده في الغرب، عدم التمييز بين الأديان أمام القانون، مغلقا بذلك مرحلة تاريخية تميزت بالقتل لكل من خالف المعتقد منذ العهد القديم مرورا بمحاكم التفتيش. وقد أتى اعتماده كنتيجة حتمية لمبدأ العلمنة فأصبحت الدولة ملزمة بعدم التدخل في القرار الفردي بالإيمان أواللاإيمان وعليها السهر على أن تكون هذه الحرية فعلية باعتبارها معيار التفرقة بين الدولة المدنية التي تستمد شرعيتها من سلطة الشعب، والدولة الدينية التي تستمد شرعيتها من حاكمية الله. في دستور 2014 للجمهورية التونسية، وقع التنصيص على حرية الضمير كمبدأ دستوري حيث نص الفصل السادس على: «الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.» ويفيد هذا الفصل عدم التمييز بين الأديان أمام القانون وغلق باب تمويل بيوت الصلاة من قبل دول خارجية أوجمعيات دولية، مكرسا بذلك سيادة الدولة على أماكن العبادة، فضلا عن غلقه باب توظيف الدين لأغراض حزبية. إلا أن تنصيص دستور 2014 في فصله الأول على أن الدولة التونسية دولة دينها الإسلام يتناقض بشكل واضح مع مبدأ التعددية الدينية أي مع حرية الضمير التي تستوجب الاختيار بين الأضداد فيما يتعلق بالمجالات الفكرية والعقدية والدينية. ومن هنا ظهرت المشاكل الجمة في ممارسة السلطة وعدم قدرتها على غلق مرحلة معاقبة من يخالف المعتقد بالإفطار في رمضان أوشارب الخمر أوتبادل القبل... مما يفيد الصعوبات الجمة التي تحول دون تطبيق حرية الضمير لاختلال موازين القوى في صالح من يشيطنون اللائكية والعولمة وبالتالي يضع العراقيل أمام إقامة الدولة المدنية المتحررة من القوى التي تمنع البث المباشر في وسائل الإعلام لرفع الأذان.» وبقدر ما كان الموضوع الذي تناوله المقهى الفلسفي موضوع الساعة خاصة إذا أدركنا خطر هجوم الفكر الظلامي والوهابي وتهديد المد الداعشي لاستقرار البلاد والعباد فإننا نرجوأن ينفتح النشاط الفلسفي لجمعية الدراسات الفلسفية فرع صفاقس على الفضاءات الجامعية والمدرسية حتى تعطي مثل هذه المواضيع الجادة أكلها ويكتسب شبابنا الفكر التنويري الذي يؤمن بحرية الفكر وأهمية الحوار.