صدر مؤخراً عن دار راندوم في نيويورك كتاب “انهض واقتل اولاً: التاريخ السري للاغتيالات المستهدفة في اسرائيل” ، للكاتب الاسرائيلي رونين بيرغمان ، والكاتب عمل مراسلاً للشؤون العسكرية والاستخباراتية في صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية وللكاتب العديد من الكتب والتي تصنف بالأكثر مبيعاً. تأتي اهمية هذا الكتاب من حجم الوثائق السرية الهائل التي استطاع ان يصل اليها الكاتب ، والتي تصل لعشرات الالاف ، كما اجرى اكثر من الف مقابلة مع رجال الدولة من سياسيين وعسكريين وامنيين ، نظراً للثقة التي يحظى بها الكاتب في دوائر صنع القرار سواء السياسية كرئاسة الوزراء او وزارة الخارجية او العسكرية والامنية كوزارة الدفاع والموساد (الاستخبارات الخارجية) والشين بيت (الأمن الداخلي) ، وقد امضى الكاتب ثماني سنوات في تأليف هذا الكتاب. عنوان الكتاب مقتبس من التلمود “اذا جاء شخص ليقتلك ، انهض واقتله اولاً” ان حجم الاغتيالات الهائل التي وردت في الكتاب ، وهي غيض من فيض ، اذ لم يستطع الكاتب ان يورد كل عمليات الاغتيال التي قامت بها اسرائيل ، اذ لا زال الكثير منها يدخل تحت بند السرية ، ندرك عقيدة هذه الدولة والقائمين عليها سواء ممن صُنفوا بالسياسيين او العسكريين ، وفي الحقيقة انك لا تستطيع ان تميز بين هذين الصنفين ، فإسرائيل يختلط فيها السياسي بالعسكري ، بل نستطيع القول انها دولة عسكرية بامتياز ، وان بدت للوهلة الاولى دولة مدنية يقودها اشخاص ببدلاتهم وربطات العنق الانيقة التي يرتدونها ، فالمتتبع لرجال السياسة في اسرائيل يجد ان معظمهم تخرج من المؤسستين العسكرية والامنية ، وان لم يكونوا كذلك فهم يبقوا اسيرين للجيش والمؤسسات الامنية ، وهذا ما عبر عنه الاب الروحي لهذه الدولة ورئيس وزرائها الاول ديفيد بن غوريون بمقولته التي تلخص العقيدة التي قامت عليها اسرائيل “امن اسرائيل قائم على حِرابها” ، ففي سبيل امن اسرائيل لا توجد محرمات سواء اخلاقية او قانونية ، فهذه الاغتيالات بحجمها وتنوعها يؤكد ذلك. من خلال الوثائق التي اطلع عليها المؤلف والمقابلات التي اجراها مع الكثير من صناع القرار في اسرائيل كان هاجس التفوق العسكري والاستخباراتي يسيطر عليهم ، فالمؤسستين الامنيتين الموساد والشين بيت اصبحتا يد اسرائيل الطويلة والتي تستطيع الوصول الى اقصى مدى من خلال الحصول على المعلومات عن اعداء اسرائيل عن طريق شبكة تجسس معقدة تنتشر في اصقاع المعمورة وبميزانية مفتوحة وتقنيات تكنولوجية عالية الجودة. يرى الكاتب ان فلسفة الاغتيالات التي نفذتها اسرائيل تنطلق من هدفين الاول الخطر المتوقع على الدولة ومحاولة ايقافه ، والثاني الوصول الى الاشخاص الذين نفذوا عمليات ضد اسرائيل ، سواء داخل الدولة او خارجها وتصفيتهم ، فالهدف الأول نفذت اسرائيل مجموعة عمليات ضد اهداف خارج حدودها ، كتدمير المفاعل النووي العراقي سنة 1981 وتصفية عدد من العلماء ممن عملوا فيه ، وسبق ذلك ايضاً تصفية بعض العلماء الالمان الذين عملوا في مصر بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الثانية لتطوير القدرات الصاروخية للجيش المصري ، فقد استطاع الموساد من تجنيد أوتو سكورزني وهو ضابط نمساوي خدم في الجيش الالماني وكان مقرباً من هتلر ، فقد قدم معلومات غاية في الاهمية عن العلماء الالمان الذين كانوا يعملون في مصر في عهد نجيب وناصر ، نظراً لأهمية الموقع الذي كان يشغله فقد عمل مستشاراً امنياً للاثنين(ناصر ونجيب) ودرب القوات الخاصة المصرية ، كما درب عدداً من اللاجئين الفلسطينيين من بينهم ياسر عرفات للقيام بعمليات فدائية ضد اسرائيل ، وقدم معلومات في غاية الاهمية لإسرائيل والولايات المتحدة عن مصر في عهد عبد الناصر ، ومن العمليات المهمة التي نفذها الموساد اغتيال وديع حداد في المانيا الشرقية سنة 1978 وعملية ابو حسن سلامة في بيروت احد مساعدي عرفات والمختص بحراسته، وزوج ملكة جمال الكون اللبنانية جورجينا رزق ، ثم أوكل اليه عرفات مهمة جديدة، وهي رئيس الأمن والمخابرات التابعة لمنظمة فتح وقوات الحرس الداخلي – التي يطلق عليها القوة 17 ، ويرى بيرغمان ان قتل ابو علي سلامة لم يكن على خلفية الاخير كرئيس لمنظمة ايلول الاسود بل كونه فتح قنوات اتصال خلفية مع السي آي إيه بعلم عرفات نفسه مما قد يؤدي الى قنوات حوار بين الطرفين وهذا ما ازعج اسرائيل فقررت التخلص منه. كما طالت يد الاغتيال الاسرائيلي نخبة من علماء الايرانيين ممن عملوا في المفاعل النووي الايراني في قلب طهران ، ولا زال هؤلاء العلماء هدفاً للموساد لمنع ايران من الوصول الى القنبلة النووية ، كما ان خيار القيام بقصف المفاعل النووي الايراني لا زال قائماً لدى القادة في اسرائيل. اما عمليات الاغتيال التي قامت بها اسرائيل داخل فلسطين فتعد بالمئات ، والتي استهدفت قادة ميدانيين وسياسيين في الانتفاضة الاولى والثانية كيحيى عياش سنة 1996 وابراهيم المقادمة وثلاث من مساعديه 2003 وإسماعيل ابو شنب احد قادة حماس البارزين سنة 2003 وهذه الاغتيالات كلها تمت في غزة ، الا ان ابرز هذه الاغتيالات كان اغتيال مؤسس وقائد حركة حماس الشيخ احمد ياسين في 22 مارس 2004 وخليفته فيما بعد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في 17 ابريل 2004 ، وهذه الاغتيالات الأخيرة جاءت بعد اطلاق رئيس الشين بيت آفي دختر مصطلح القتل المستهدف في الانتفاضة الثانية. ويرى الكاتب في مقابلة صحفية اجرتها معه صحيفة تايمز أوف إسرائيل للحديث عن كتابه هذا ان هناك مجموعتين من القوانين كانتا تحكم القادة في اسرائيل واحدة للمواطنين العاديين ، واخرى غير مكتوبة الا انها فعالة بالنسبة لمجتمع الاستخبارات والمؤسسة الامنية التي تسمح باستخدام تدابير عدوانية كالتعذيب والاغتيال وانتهاك الخصوصية ، وكل هذا كان بعلم رئيس الوزراء اعلى سلطة تنفيذية في اسرائيل. وفي النهاية يخلص الكتاب الى ان إسرائيل لم يعد عليها خطر بعد تدمير الجيشين العراقي والسوري ، كما ان سياسة الاغتيالات آتت أُكلها ، فقد اخرجت منظمة التحرير الفلسطينية من اوروبا بعد عملية ميونخ ، كما اوقفت العمليات الانتحارية بعد الانتفاضة الثانية ، اضف الى ذلك انها ابطأت البرنامج النووي الايراني ، مما يجعل خيار الاغتيالات خياراً مقبولاً وفعالاً لدى القادة في اسرائيل ، بصرف النظر عن الاعتبارات الاخلاقية في هكذا اداة في التخلص من الاعداء الذين يشكلون خطراً على اسرائيل ، فالاعتبارات الاخلاقية هذه تختص بالأخر وليس بالعقيدة والعقلية اليهودية التي تنظر نظرة دونية لغير اليهودي ، بل ان هذه السياسة تأتي من صلب هذه العقيدة “انهض واقتل اولاً”.