أتفهم أحيانا الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية الكامنة وراء تلك الرغبة الهستيرية الجامحة في الإثارة والإستفزاز ! وأدرك مقاصدها وأبعادها وأهدافها المعلنة والخفية ، سواء في وسائل الإعلام اللاهثة وراء الربح السهل ، أو لدى ساسة هذا الزمن الموبوء بكل الآفات ، الذين يحرصون على التموقع المنبري بكل الوسائل الشرعية تارة وغير القانونية واللاأخلاقية في أغلب الأحيان . أتفهم كل هذا رغم صبغته الإنحرافية الطاغية وأحاول أن أجد له مبررات تتضمن الحد الأدنى من الإقناع ، لكن ما لم أفهمه وأستسغه وعجزت عن إيجاد ذريعة له ، هو تفشي هذه الظاهرة لدى الجميع ، من خاصة وعامة فالكل يجري وراء الإثارة ويوظفها حسب مشيئته وحيث تتمركز أغراضه ومآربه حتى أصبحنا شعبا " يرقص على طار بو فلس " كما يقول المثل الشعبي الدارج ببلاغة متناهية ! فإذا ما قيمنا بدقة وموضوعية الأحداث والوقائع المتواترة خلال الأيام القليلة الماضية ، وهي عديدة ومختلفة المضامين ومتباينة الخطورة والأهمية ، ورصدنا طبيعة إهتمامات الناس بها وكشفنا عن المصطلحات المستعملة وأشدها تداولا بين المواطنين بمختلف طبقاتهم ومرجعياتهم و0نتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية ، لوجدنا إنحدارا رهيبا في الإهتمامات والمواقف وردود الفعل ، وتمرغا في أوحال الرداءة والوضاعة والإثارة المجانية ! فالقضايا التي شغلت الناس طيلة أكثر من سبع سنوات عجاف لم تتجاوز دائرة الهوامش والأحداث الجانبية التي لا علاقة لها إطلاقا بالإهتمامات الوطنية والمشاغل الشعبية الأساسية ، والأزمات المتفاقمة في كل القطاعات ، وما يحاك ضد البلاد من مؤامرات داخلية وخارجية . كنا نعتقد أن الإثارة ما هي إلا مجرد "توابل" عرضية فإذا بها تصبح المصدر المركزي لمشاغل شعب يئن تحت وطأة أزمات خطيرة !