توفيق الصيد رحمه الله من رجالات تونس الذين واكبوا مرحلة بناء دولة الاستقلال و ساهم في تجسيم اختياراتها الرائدة في مختلف المجالات و الميادين في مسؤوليات محلية و جهوية و وطنية و حزبية دستورية تحملها و تفانى من خلالها في العطاء الهادئ الهادف البعيد عن الجلبة و النرجسية. غادرنا هذا الرجل الفاضل الى دار البقاء تاركا أحسن الذكريات لدى كل من عملوا معه و زاملاوه و عرفوه نظرا لما كان يتحلى به من خلق رضي و تواضع كبير جعلا منه قريبا من الناس و القريب من الناس قريب من الله قريب من الجنة. لست من جيله و لكنني تشرفت بأنني زاملته في العمل الجهوي بولاية بن عروس فكان رحمه الله لا يقول الا خيرا أو يصمت و في الصمت حكمة و أية حكمة ، كان يجامل و يجاري و لا يملك في الكثير من الاحيان ازاء بعض المواقف الارتجالية الانفعالية الصادرة عن البعض الا أن يقول في داخله و بصوت لا يسمعه الا من كان قريبا جدا منه لا حول و لا قوة الا بالله !! كانت لتوفيق الصيد رحمه الله من المؤهلات و التجارب ما يستحق بها تحمل أرفع المسؤوليات الحكومية و لكن وقع تخطيه أكثر من مرة و مع ذلك انضبط و قبل أن يعمل مرؤسا لمن هم دونه كفاءة و من هم دونه... المهم بالنسبة اليه هو أن يساهم من أي موقع كان في العمل من أجل تحقيق ما يأمله كل المخلصين لتونس و شعبها. تولى خطة وال و ترأس البلدية و مارس العضوية في مجلس النواب و اللجنة المركزية كما ترأس المنظمة الوطنية للفلاحين و كان في كل تلك المواقع مثال المسؤول الذي يؤدي مهامه بكفاءة عالية و انضباط كبير. لقد زانت حياته استقامة وخلق رضي و تدين خالص لا تشوبه أية شائبة من رياء و كان تدينه الذي نشأ عليه و لازمه في مختلف مراحل حياته الى أن لاقى وجه ربه ، تدين التونسي العادي لا تكلف فيه و لا تظاهر فيه، كان توفيق الصيد رحمه الله يبتغي بتدينه وجه الله باخلاص لا يستغرب ممن ظل لا يتغيب عن حضور حلقات قراءة الحزب بالمغارة الشاذلية صبيحة كل يوم سبت حيث يشارك اخوانه الذاكرين من زاوية في المغارة تكاد تعرف به ينصرف على اثر ذلك عائدا الى بيته محييا في طريق خروجه كل من يلاقيه ، و ان أنسى فلا أنسى كلمة التي يرددها لي كل مرة : بارك الله فيك ، واصل فاني أتابع ما تكتبه في الصريح و يا ليتك تجمع في كتاب أو كتب ما تنشره رحم الله والدك أخي الشيخ الحبيب... كلمات لا تزال ترن في أذناي أسمعها من توفيق الصيد رحمه الله الى اخر مرة لاقيته فيها قبل أن يقعده المرض في الاشهر القليلة الماضية التي سبقت رحيله الى دار البقاء رحم الله توفيق الصيد و أسكنه فراديس جنانه و انا لله و انا اليه راجعون