هل كان المفاوض التونسي الذي تولى التفاوض مع فرنسا حول استقلال البلاد التونسية كان مفاوضا كفئا ؟ وهل فعلا لم يدخر الجانب التونسي أي جهد في سبيل الدفاع عن المصالح التونسية وهو يستعد للتوقيع على وثيقة الاستقلال ؟ وهل كانت المفاوضات التي بدأت في السنوات الأولى من خمسينات القرن الماضي متكافئة بين الجانب التونسي والجانب الفرنسي ؟ وأخيرا هل كانت هذه المفاوضات حول الاستقلال في المستوى المرتقب والمطلوب وحققت أهدافها وما كان منتظرا منها ؟ كانت هذه بعض الأسئلة التي أثيرت في ندوة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي أقيمت يوم السبت 7 أفريل الجاري والتي عرفت حضورا غير مسبوق لم تشهده المؤسسة من قبل وقد جاءت الأجوبة والتحاليل متعددة منها ما قدمته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة السيدة سهام بن سدرين. تعتبر هيئة الحقيقة والكرامة أنه من دون التقليل من الجهد الذي بذل حتى وصلنا إلى الاستقلال ومن دون إغفال الصعوبات التي وضعتها فرنسا للحيلولة دون حصول تونس على استقلالها فإن ما تحقق من خلال المفاوضات التي حصلت مع فرنسا لا يزال إلى اليوم يثير جدلا كبيرا حول حقيقة الاستقلال وحول مضمونه خاصة بعد أن تفطن التونسيون إلى عدم نشر وثيقة الاستقلال منذ سنة 1956 إلى سنة 1916 وهي مسألة أثارت شكوكا حول دواعي عدم نشر بروتوكول الاستقلال وزادت الشكوك أكثر حينما يتم الربط بين عدم النشر وبين مواصلة فرنسا التدخل في شؤوننا الداخلية وقضايانا السيادية وفي مقدمتها التحكم في ثرواتنا الطبيعية وفق اتفاقيات حكمت على تونس أن تبقى على ارتباط دائم ومتواصل مع من استعمرها . تقول سهام بن سدرين ويزداد سؤال المفاوضات حول الاستقلال إلحاحا بعد أن تلقينا في إطار جلسات الاستماع حول الانتهاكات التي تعرض لها بعض التونسيين خلال فترة الاستقلال شهادات عن تعرض بعض المناطق في الجنوب التونسي إلى قصف بالطيران الفرنسي خلف ضحايا وتعذر على الأهالي دفن موتاهم وظلت الرفات دون دفن وقد أجرينا زيارة إلى الجنوب وعاينا الرفات وقمنا بتجميعها وننوي إنشاء مقبرة لهؤلاء الضحايا هذه المعطيات الجديدة أحالتنا على سؤال مهم وهو إذا كنا حقيقة مستقلين وإذا كان التفاوض مع فرنسا قد أفضى إلى استقلال حقيقي فكيف نبرر قصف فرنسا بعد الاستقلال وفي سنة 1958 لمناطق من التراب التونسي ؟ هذه الحقائق الجديدة التي غيبها التاريخ الرسمي جعلتنا نطرح سؤال المفاوضات وهل كانت تفضي إلى فك الارتباط نهائيا مع المستعمر أم أن التفاوض مع الجانب الفرنسي لم يكن في مستوى تطلعات الشعب التونسي وبقيت تونس مرتبطة بفرنسا ما سمح لهذه الأخيرة أن تقصف الجنوب التونسي في سنة 1958 وأن تتدخل في أحداث قفصة 1981 وأن يكون لها حضور دائم في البلاد . لقد أردنا أن نبحث من خلال الوثائق التاريخية التي تحصلنا عن السبب الذي جعل فرنسا تستهدف هذه المنطقة من الجنوب بعد الاستقلال ؟ فوجدنا في الوثائق التي بحوزتنا أن الجنوب التونسي ومنطقة بنزرت في سنة 1958 بقيت في تصرف فرنسا ولم يشملهما الاستقلال الداخلي وهذه المعطيات تطرح من جديد سؤال على ماذا تفاوض المفاوض التونسي ؟ وعلى ماذا وقّع المفاوض التونسي في تلك الوثيقة التي تعمدت دولة الاستقلال عدم نشرها ؟ ما وقفنا عليه في الوثائق التي تحصلنا عليها هو أن أخطاء قد ارتكبت فكما حصلت بطولات فقد حصلت أخطاء ومن الأخطاء أننا تفاوضنا بطريقة غيبت وثيقة الاستقلال من النشر ولم يطلع عليها الشعب التونسي حتى يعرف حقيقة استقلاله إلا في سنة 2016. ما وقفنا عليه في الوثائق التي تحصلنا عليها في مدينة نانت في فرنسا أن معركة قد حصلت بين الفريقين المفاوضين ولكن هل كانت المعركة في المستوى المطلوب ؟ وهل كانت معركة متكافئة ؟ وهل كان بالإمكان أن نحصل على أكثر مما تضمنته وثيقة الاستقلال ؟ أنا لست مختصة في التاريخ ولكن للهيئة مؤرخين وقد درسوا الوثائق ونبهوا إلى أن بروتوكول الاستقلال قد تضمن مصطلحات تجعل الطرف التونسي في غير وضعية المساواة مع الطرف الفرنسي فمصطلح التكافل الذي تضمنته الوثيقة في صيغتها الفرنسية غير مصطلح الترابط والارتباط لما تم تعريب الوثيقة .. لقد حصلت معركة أخرى بين الفريقين المفاوضين في موضوع اللغة وتم إقرار اللغة العربية لغة رسمية للبلاد وهي لغة المراسلات ولكن اللغة الفرنسية لم تعتبر لغة أجنبية بما يعني أن الفرنسية لغة أخرى مع العربية معترفا بها ولها نفس المكانة طالما لم نقر أنها لغة أجنبية شأنها شأن اللغات الأخرى وقس على ذلك في المجالات الأخرى ومنها المجال الاقتصادي الذي تنظمه اتفاقيات أخرى حالت دون تأميم الثروات الطبيعية وتحقيق السيادة عليها .. ما يمكن قوله هو أن الفريق المفاوض قد استبسل في المفاوضات حول الاستقلال ولكن الجانب الفرنسي كان أقوى وفرض رؤيته وشروطه ولم يقدر المفاوض التونسي أن يحصل على أكثر مما تحصل عليه وهذا يعني أن العلاقة مع المستعمر لم يقع فكها رغم الامضاء على وثيقة الاستقلال. ما قالته هيئة الحقيقة والكرامة من خلال نشرها للوثائق التي تحصلت عليها هو أننا نحتاج إلى مساءلة حقبة الاستقلال ومساءلة كيف تصرف المفاوض التونسي من أجل حماية الحقوق والمصالح الوطنية ومساءلة تداعيات التفاوض والعلاقة التي أرساها مع فرنسا وهي علاقة كبلتنا وتكبلنا اليوم اقتصاديا وثقافيا وماليا وأرهقتنا سياسيا .. اليوم نحتاج أن نواجه بكل شجاعة تاريخنا الذي كتبناه بهذه الحقائق وأن نعيد القراءة بكل هدوء فنحن لسنا دعاة نصب للمشانق وإنما نحن طلاّب حقيقة لذلك فإننا نطالب فرنسا على الاقل بالاعتذار والتعويض.