في مداخلته خلال ندوة مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات " إستقلال تونس والحقائق المغيبة " التي أقيمت يوم السبت 7 أفريل الجاري قال المفكر والإعلامي الصافي سعيد علينا اليوم أن نعترف أن لدينا مشكلة في تاريخنا الرسمي ومشكلة أخرى في وجود شرخ كبير في الاطمئنان إلى ما كتبه السياسي ومشكلة أكبر مع بعض المؤرخين الذين كتبوه ليحكم به الحاكم واليوم هناك مؤرخون يدافعون عن الرواية الرسمية لدولة الاستقلال فهل إن الاستقلال هو ما كتبناه أم أن الاستقلال هو ما نصنعه بهذا الاستقلال ؟ في علاقة بكل الجدل الذي يدور اليوم حول حقيقة الاستقلال وحقيقة مضمونه وفي علاقة بوثيقة الاستقلال التي لم يتم نشرها منذ توقيعها إلا منذ فترة قصيرة بعد أن تم الضغط على الحكومة لإخراجها من مخبئها . مشكلتنا اليوم في معرفة من يكتب التاريخ وكيف نكتب تاريخا محايدا وغير موجه ؟ وهل لدينا اليوم مؤرخين يطمئن إليهم ؟ وهل أن كل من درس التاريخ ودرّسه هو مؤرخ؟ في تلميح إلى بيان الستين الذي ضم الكثير من أساتذة الجامعة الذين يدرسون مادة التاريخ وتم تقديمهم على أساس أنهم مؤرخون. يعتبر الصافي سعيد أن الاستقلال ليس فقط مجرد وثيقة يقع الإمضاء عليها وإنما الاستقلال هو مسار طويل وعمل جدي من أجل الوصول إلى فك الارتباط عن المستعمر الذي لا يرغب في التفريط في مصالحه وهذا فعلا ما فعلته الكثير من الشعوب حينما تخلت كليا علن المستعمر واستقلت بذاتها في بناء كيانها في حين فشلت شعوب أخرى ومنها تونس في التخلص من تواصل الهيمنة الاستعمارية وضلت بعد استقلالها مكبلة ومرتبطة بمن استعمرها لذلك فإني اعتبر أن الاستقلال هو مرحلة غير مكتملة وعلينا أن نكملها وفي نظري فإن استقلال تونس والمغرب والجزائر هو إجهاض لمشروع المغرب العربي لذلك كان حدث الاستقلال من هذه الزاوية هو تسوية سياسية غير منسجمة وقد تحرف التاريخ وهذا يحيلنا على موضوع العدالة الانتقالية وعلاقتها بمسألة الاستقلال فما رصدته إلى حد الآن هو أن التجربة التونسية في العدالة الانتقالية في موجتها الثالثة التي تمثلها تجربة جنوب إفريقيا وتجربة المغرب هي الآن مترددة ومتعثرة وتعرف الكثير من العقبات بسبب أن التاريخ علمنا أن العدالة يطبقها المنتصر وفي الحالة التونسية هل انتصرت الثورة ؟ هل استطاعت الثورة أن تزيح القديم كي تطبق العدالة وتنصف الضحايا وترسي المصالحة ؟ مع كل أسف العدالة في تونس في مأزق كبير بسبب أن الثورة لم تنتصر على القديم فلا ننتظر ممن هزمته الثورة ان يطبق عدالة انتقالية . واليوم هذا الجدل حول وثيقة الاستقلال وحقيقة مضمونه يحيل على صورة المؤرخ العربي الذي هو عبارة على فقيه آخر يفتي للسياسي ويخترع للحاكم رواية وسردية حتى يحكم بها لذلك كان التاريخ دوما غير مكتمل ويكذب من يقول أنه مكتمل - في رد على الأصوات التي تدعي أن تاريخنا قد اكتملت كتابته وأنه ليس هناك ما نضيفه - وهذا ما يجعلني أصرح بأنه ليس لدينا مؤرخين محايدين ولا مؤرخين فلاسفة ليس لدينا تفكير تاريخي أو مؤرخ فيلسوف فليس كل من درس التاريخ هو مؤرخ وهناك التاريخ البارد المنتهية حقائقه بنسبة كبيرة وأصبح من الوضوح ما يجعله بعد سنوات لا جدال حوله وهناك التاريخ السائل والتاريخ غير المكتمل الذي لا يملك حقائقه أحد وهو تاريخ متأجج ومضطرب والحقيقة التاريخية في هذا التاريخ السائل هي حقيقة غير مكتملة وفي الحالة التونسية فإن تاريخنا لا يزال سائلا ولا يعرفه أحد هناك اليوم الكثير من الوثائق التي يتم الكشف عنها وهناك وثائق أخرى لم يقع الافراج عنها ولن يفرج عنها. ما لا أفهمه هو موقف الدولة التونسية مما يظهر من وثائق تاريخية لها علاقة بالاستقلال فعندما تأتي هيئة الحقيقة والكرامة وتقول لقد وجدنا وثائق جديدة تزيد من توضيح حقيقة الاستقلال فهذا يمنح الدولة التونسية قوة أكثر لكن ما لا يفهم هو لماذا تتخذ الدولة موقفا معاديا وتتعمد التكتم عما يكشف من معطيات جديدة ؟ فموضوع المحروقات والثروات الطبيعية هو موضوع حارق وموضوع سيادي وقضية تأميم الثروات هو موضوع استقلال بامتياز فما لا يفهم أن لا تكون الدولة التونسية لها السيادة على ثرواتها الباطنية وأن تظل فرنسا تتصرف فيها وفق اتفاقيات ومعاهدات رغم الاستقلال لذلك كنت دوما أقول إن الاستقلال هو ما نصنعه نحن لا ما يصنعه لنا الآخرون وفي هذا الإطار علينا اليوم بعد أن تم نشر وثيقة الاستقلال والإطلاع على الاتفاقيات المكملة ومنها الوثيقة الاقتصادية التي تخص الثروات أن نطالب فرنسا بالتعويض عما تسببت فيه من هدر لأرواحنا وعقولنا وثرواتنا ونطالبها باسترجاع أرشيفنا فمن غير المعقول أن تكون تونس من ضمن البلدان القلائل التي لم تؤمم ثرواتها إلى اليوم ومن غير المعقول أن تضل فرنسا تتصرف في ثروتنا بموجب اتفاقيات بعد التصريح بالاستقلال .. اليوم لدينا مشكل كبير وهو أن منسوب الشك في حقيقة الاستقلال يزداد أمام صمت الدولة وتكتم رجال السياسة تجاه كل خطاب يتهم المستعمر الفرنسي مواصلته التحكم في سيادتنا فنحن نشك لنعرف وإذا سكت من يحكم ولم يرد عن الاتهامات حينها يتحول الشك إلى يقين. فهل كانت المفاوضات على الاستقلال مجرد الحصول على الاستقلال بأي شكل من أجل الوصول إلى السلطة ؟ وهل كان هاجس المفاوض التونسي تسلم الحكم على حساب الحقوق التونسية ؟ وهل فرّط من فاوض على الاستقلال من أجل أن يهزم خصمه السياسي ويتولى الحكم بدلا عنه ؟ وفي الأخير هل أن هذا الجدل الذي يتواصل اليوم حول الحقائق المغيبة في وثيقة الاستقلال كان نتيجة حرص السياسي على الحكم أكثر من حرصه على الحصول على الاستقلال التام والحقيقي والنهائي ؟